آخر يأسهم مخاتلة..بقلم: ناظم عيد

 

إن كانت الاستدانة من المستقبل عبر سندات الدين الحكومي أو سندات الخزانة، حلّاً ناجعاً في الأعراف الاقتصادية الأمريكية للخروج من الأزمات المالية –ولو باتت مديونيتها الأكبر في العالم- لا يعني أنه يمكن اللجوء إلى مثل هذا الخيار، وإطلاق حملات بيع سندات الدّين السياسي، للخلاص من المآزق التي تغلّف دوائر القرار في واشنطن، وقد تكون الجغرافيا السورية الميدان الأرحب والأغزر إنتاجاً لمسببات القلق والارتباك الذي يعصف بهؤلاء، ومعهم سلسلة من “حلفاء الإرهاب”، باتوا ينتظرون فعلاً من “ينزلهم من على الشجرة” دون رضوض وآثار ظاهرة تفضح فشلهم.

ففي الخلاصات التي خرج بها الأمريكي من اجتماعات فيينا، وما تلاها من “ارتجالات” غير محسوبة أعلنتها واشنطن، لجوءٌ واضح إلى سياسة الاستدانة من المستقبل واللعب بأوراق بلا أرصدة، وبعبارة أوضح التسويف والمناورة وأشياء أخرى، لم تكن في الواقع غير متوقّعة، بل هي العملة الرديئة التي يحاول الساسة الأمريكان طرحها دوماً في مضمار التداول، عندما يكون لا بد من “ابتكار” مخارج آمنة من الدوائر المغلقة التي يقعون فيها.

فقبل أن يجفّ “حبر فيينا” أعلن الأميركيون أنهم سيرسلون 50 عنصراً من عناصر عملياتهم الخاصة إلى الشمال السوري، مع توصية -مشدّدة- للروسي بألّا يقصف أماكن تواجدهم، وهي مناطق تجمّع أخطر القادة الإرهابيين والرؤوس المدبرة لعمليات التخريب المنظّم، وفي هذا محاولة واضحة لحماية الأدوات التي أطلقتها في سورية لمساومة من يلزم في “بورصة المصالح”، وبالتالي إرجاء أي بوادر تفاهمات من النوع الذي من شأنه أن يؤدي إلى نتائج على الأرض في مسارات السعي الفعلي لمكافحة الإرهاب، ريثما تتبلور اتجاهات بوصلة تقليدية دوماً يكون الشمال المغناطيسي فيها حيث إملاءات براغماتية أحفاد القراصنة القدماء، رغم أن ثمّة قناعات تامة الآن لدى الجميع، ولدى الأميركي أيضاً، بحتمية نهاية من نوعٍ ما لهذه العصابات المنظّمة، ولعل الموعد لم يعد بعيداً، إلّا أن عامل الوقت مازال على درجة عالية من الأهمية، لذلك كان لابدّ من تثبيط مرحلي لأي إنجاز محتمل يمكن أن تعد به أيام “فيينا” القادمة.

خمسون عنصراً سيكونون “مسمار جحا” لتقويض أي خطة عسكرية متكاملة تهدف إلى نسف التنظيمات الإرهابية، وأمامهم مهمّة مكمّلة لهذيانات “صبي آل سعود “السياسية، وصراخه الموجّه نحو افتعال التشويش الأميركي المطلوب على مجريات أي لقاء هادف لإرساء حلول سياسية في سورية.

لقد بات واضحاً أن الولايات المتحدة الأميركية تلعب لعباً سافراً بورقة الإرهاب، وتلوّح بها في مواجهة “أنداد” كبار ليس من اليسير عليها الاعتراف بهم كأقطاب فاعلين في معادلة القوى والمشهد العالمي الجديد، الذي تشكّل على قاعدة المسألة السورية، وتعوّل على عامل الوقت لاستنزاف مناهضي سياساتها، أي استنزاف سورية بغية انتزاع تنازلات، واستنزاف الروسي لإحراجه كطرف أقوى في كبح جماحها المجنون، وهذا تماماً شكل ومضمون لعبة عضّ الأصابع التي تلجأ إليها واشنطن عادةً، لكنها لم تنجح في الميدان السوري، ما استوجب الزجّ بإضافات مرجّحة تمثّلت بالخمسين عنصراً في الشمال، وبزيادة جرعة سعار وزير خارجية آل سعود.

لكن الأكيد وبدون قراءات راجعة أو نبوءات مستقبلية، أن الحليف الروسي حقّق اختراقات واضحة في قوام حضور “فيينا”، والحليف الإيراني بات جزءاً مهمّاً من قرار الحرب على الإرهاب، والجيش العربي السوري يتقدّم على الأرض بوتائر متسارعة، سواء صرخ السعودي أو همهم الأمريكي، لأن “السيف أصدق أنباءً…”.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]