سلاح السوريين الوحيد ضد كورونا..

الخبير السوري:

ملا مح من الانفراج بدأت تتوالى على الساحة السورية بهدوءٍ يبدو بارعاً ومحسوباً، وذلك بعد قرارات متلاحقة للفريق الحكومي المعني بالتصدّي لفايروس كورونا، والتي أثبتت – الإجراءات – فعاليتها الواضحة، بل والبالغة، حتى الآن على الأقل.

ففي الوقت الذي تُحيطُ بنا الإصابات من كل حدبٍ وصوب، ما تزال في سورية قليلة جداً قياساً بالإصابات المجاورة .. وتلك البعيدة في دول العالم.

وعلى الرغم من أنّ سورية تجاه هذا الوباء المباغت، ما تزال على صفيحٍ ساخن، مفتوحٍ على كل الاحتمالات، مثلها مثل غيرها من الدول الأخرى، فإن عبارة ( التصدي للوباء ) كانت في مكانها فعلاً، حيث نبدو كحكومة وشعب نتصدّى وبشراسة فعلاً في معركتنا مع هذا الوباء القاتل.

بعد شهر ونيّف ما نزال بخير

فخلال شهرٍ وعدّة أيام من الآن حيث بدأت الإجراءات الحكومية تأخذ منحى تصاعدياً بإعلان إغلاق المدارس والجامعات والمعاهد في 13 آذار الماضي، وصولاً إلى مختلف الإجراءات التي شهدناها، من منع تنقل بين المحافظات، وبين المدن والأرياف، وفرض حظر التجول جزئياً، والتخفيف إلى حدّ كبير من نسبة الدوام في الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية غير المنتجة، وإغلاق أبواب التجمعات بالكامل، مقاهي ومطاعم، وحتى صالات الأفراح والعزاء، وإغلاق الحدود، وإلى ما هنالك من الإجراءات التي شهدناها جميعاً، وهذا كله كان قبل تسجيل أي إصابة، ما يعني أن الإجراءات الاحترازية كانت شديدة .. مكثّفة.. وتصاعدية بشكلٍ محسوبٍ جيداً، فكان من الطبيعي أن تلقى سورية نتائج مطمئنة تعبر عن حالات الوقاية والاحتراز هذه، غير أن أعداء سورية لم تعجبهم هذه النتائج، وكذلك أبواق المعارضة حيث راحوا يشككون بواقع الحال في سورية، بل ويذهبون بعيداً عن حالة التشكيك إلى مزاعم إثبات وهمية.. وكأنهم يتمنّون لسورية أن تفيض بالوباء .. !

وفعلاً هم هكذا يتمنون، فأمريكا التي يثقلها وباء كورونا اليوم وتزداد به تهالكاً، رفضت بالأمس مشروع قرار روسي في مجلس الأمن الدولي لرفع العقوبات والحصار عن سورية كي تتمكن من استيراد الوسائل والمستلزمات الطبية اللازمة للوقاية من فيروس كورونا ومعالجة مرضاه، ولكن عبثاً.

سورية كانت – ولا تزال – تدرك جيداً أنها ليست بمعزل عن هذا العالم، غير أن إجراءاتها كانت مجدية فعّالة .. بل وممتازة، حيث مضت بإجراءاتها دون أن تكترث بما يُشاع، ومنذ البداية قالت بأنها لن تتردّد في الإعلان عن أي إصابة في حال وقوعها، وقد كان هذا التوجّه مؤكداً، حيث شهدتُ خلال شهر آذار الماضي العديد من الاجتماعات في مبنى رئاسة مجلس الوزراء بهذا الشأن، وجرت أمامي مناقشات جادة تؤكد في فحواها خلوّ سورية من الإصابات، وقال رئيس الحكومة المهندس عماد خميس غير مرّة بأن لا مصلحة لسورية بعدم الإعلان عن الإصابات فيما لو حصلت، إلى أن سُجّلت الإصابة الأولى في 22 آذار الماضي، وسرعان ما أعلنت عنها وزارة الصحة بشكلٍ واضح وصريح.

وعلى الرغم من الصدمة التي شعرنا بها عند الإعلان عن أول حالة، فإن الحكومة لم تتعامل معها كصدمة، واستمرت إجراءاتها بإيقاعٍ متوازن، فبعد الإعلان عن الإصابة الأولى أعلنت وزارة الصحة في 25 آذار عن تسجيل 3 حالات جديدة، ثم حالة رابعة لتعلن في 29 آذار عن وفاة سيدة مصابة بفيروس كورونا فور دخولها إلى المشفى بحالة إسعاف وهي أول وفاة بالفيروس تسجل في سورية، ثم أعلنت وزارة الصحة تسجيل أربع حالات جديدة، وفي 30 آذار تم تسجيل حالة وفاة ثانية، لترتفع الحالات إلى عشرة توفي منها حالتان.

في الثاني من نيسان الجاري أعلنت وزارة الصحة تسجيل ٦ إصابات جديدة ليرتفع العدد إلى ١٦ إصابة منها حالتا وفاة، وفي الرابع من نيسان تلقى المواطنون السوريون خبراً مفرحاً تمثّل بإعلان وزارة الصحة عن شفاء حالتين، ليصبح عدد الإصابات المؤكدة 12 وحالتي وفاة وحالتين متعافيتين، ولكن في الخامس من نيسان جرى تسجيل ثلاث إصابات جديدة ليرتفع عدد الإصابات المسجلة في سورية إلى 19 إصابة، شفيت منها حالتان وتوفيت حالتان، أي أن المصابين الخاضعين للعلاج هم / 15 / حالة، وفي السابع من نيسان أعلنت وزارة الصحة عن شفاء حالة ثالثة، وفي اليوم التالي في الثامن من نيسان شُفيت حالة رابعة، واستمر الوضع هكذا حتى الحادي عشر من نيسان، حيث أعلنت وزارة الصحة عن تسجيل 6 إصابات جديدة بفيروس كورونا ليرتفع عدد الإصابات المسجلة في البلاد إلى 25 إصابة، ثم أُعلِن عن شفاء حالة من الإصابات ليرتفع عدد حالات الشفاء إلى خمسة.

في الرابع عشر من نيسان سجلت وزارة الصحة أربع إصابات جديدة، ليرتفع إجمالي عدد المصابين في سورية إلى / 29 / مصاباً، وفي اليوم التالي / 15 / نيسان تم تسجيل أربع إصابات أخرى ليرتفع العدد في آخر البيانات حتى الآن إلى / 33 / إصابة توفيت حالتان وتعافت خمس، ليبقى عدد الخاضعين للعلاج / 26 / حالة.

إيقاع الإصابات البطيء

هذا الإيقاع البطيء للإصابات في سورية – رغم التسارع في اليومين الأخيرين المثير للقلق نوعاً ما – يأتي كنتيجة طبيعية لمجمل الإجراءات الجادّة والحازمة والاستباقية التي اتخذتها الحكومة، وكان من الواضح أنّ المشهد قد اكتمل من خلال تضافر الجهود وتوافقها بين الحكومة والشعب، والعديد من المنظمات الأهلية، ولاسيما غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة، التي قدّمت أدلّتها وإجراءاتها هي أيضاً المتوافقة بلا حدود مع الحكومة، حيث بقي الحرص كبيراً وصادقاً على دعم الإجراءات الحكومية وتنفيذها من جهة، والحفاظ على دوران العجلة الإنتاجية من جهة أخرى، كما يعيش الشعب في سورية حالة التزامٍ كبيرةٍ وواضحة – وإن كانت لا تخلو من بعض الاختراقات – فأخبار الإصابات القليلة في سورية تترافق بطبيعة الحال مع حالة الاجتياح المرعب لفايروس كورونا في أنحاء مختلفة من العالم، الأمر الذي أقنع الناس بضرورة الالتزام في البيوت كأفضل نوع من أنواع الوقاية، والمثابرة على النظافة والتعقيم.

عواقب الاستهتار الوخيمة

كل الدلائل تفيد بأن دقة الإجراءات لها أكبر الأثر في تحديد عدد المصابين والضحايا، فقد وصل عدد المصابين اليوم إلى أكثر من مليوني شخص حول العالم، وفقًا لإحصائيات جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، وسجلت الجامعة، عصر الأربعاء – 15 نيسان الجاري، مليونين و984 إصابة بفيروس كورونا حول العالم، فيما بلغت أعداد الوفيات نتيجة الإصابة بالمرض 128 ألف حالة وفاة.

الإدارة الأمريكية لم تأخذ الأمر على محمل الجد منذ البداية، والرئيس ترامب استهزأ بالأمر ما فيه الكفاية مُنزّهاً الولايات المتحدة عن الإصابة بالفايروس، فقد أكد بتصريحات صحفية عدم وجود مخاطر على بلاده من وباء كورونا، وفي أواخر كانون الثاني الماضي قال ترامب خلال مشاركته في مؤتمر دافوس في سويسرا :

( أنا غير قلق على الإطلاق من احتمال وجود وباء، لدينا فقط حالة واحدة لشخص قدم من الصين. سيكون الأمر على ما يرام )

ولكنه اليوم غيّر رأيه وقال منذ أيام: ( إن الولايات المتحدة تمر بفترة ذروة انتشار فيروس كورونا )

واليوم تتصدر الولايات المتحدة قائمة أعداد الإصابات والوفيات في العالم نتيجة الإصابة بفيروس كورونا، حيث وصلت الإصابات فيها إلى نحو 610 آلاف إصابة، ونحو / 30 / ألف حالة وفاة.

وجاءت إسبانيا في المركز الثاني عالمياً من حيث أعداد الإصابات، مسجلة نحو 178 ألف إصابة، فيما حلت في المركز الثالث في أعداد الوفيات بنحو 19 ألف حالة وفاة، وقد بدأت الحكومة الإسبانية، قبل يومين، تخفيف إجراءات الإغلاق الكامل بعد انخفاض نسبي في أعداد الإصابات الجديدة بالمرض الذي بدأ تفشيه في البلاد في مارس آذار الماضي، ورأى مراقبون أن أزمة تفشي فيروس كورونا في إسبانيا مثال واضح لسبب تفشي الفيروس في العالم، وهو ميل الحكومات إلى تجاهل تجارب البلدان السابقة التي ضربها الفيروس، فالكثير من الدول ومنها إسبانيا تعاملت مع الفيروس كتهديد خارجي، واتخذت منحى عدم الاكتراث بدلاً من اتخاذ إجراءات الحيطة والحذر .. فكان ما كان.

أما إيطاليا فهي اليوم تحتل المركز الثاني في أعداد الوفيات نتيجة الإصابة بفيروس كورونا، بينما جاءت في المركز الثالث من حيث أعداد الإصابات بعد الولايات المتحدة، والمجتمع الإيطالي ومعه حكومته لم يعيرا الموضوع أية أهمية، بل كانت السخرية والاستخفاف في الأمر هي الحالات السائدة، وفي صبيحة العاشر من آذار الماضي، وفي ظل وضع كان على إيطاليا أن تتخذ فيه التدابير اللازمة، خرج فيتوريو العضو في البرلمان في مقطع فيديو طويل عبر حسابه الرسمي على فيسبوك، ليخبر الإيطاليين بأنه لا يصدق وجود شيء اسمه كورونا، وأنها خدعة من الحكومة لتقييد الحريات في إيطاليا، وأن ثمة أزمات كبيرة تواجه المجتمع الإيطالي أهم من الكورونا مثل الجوع والفقر.

في ظل الانتقال والاختلاط المستمر، كانت خمسة أيام كافية لانتشار عدوى الفيروس بإيطاليا دون أن يلحظ الكثيرون أنهم مقبلون على كارثة، إلى أن خرج فيتوريو معتذراً عما قاله من قبل بشأن الكورونا، موضحاً أنه بنى معلوماته حول الفيروس بناء على مصادر خاطئة، لكن من الواضح أن فيتوريو لم يكن يدري ما تسبب فيه بالفعل.

سفينة النجاة

هذا كله وأمثلة كثيرة أخرى تؤكد لنا مدى أهمية الإجراءات التي اتخذتها وتتخذها الحكومة السورية، والتي بدأتها قبل وقوع أي إصابة، وهذا ما قد يقذف بنا فعلياً إلى سفينة النجاة، ولكننا في الحقيقة قد لا نكون بمأمنٍ بعد، وليس لنا أن نستسهل الأمر، ونعبث بحالنا وببلادنا، فبمقدار ما نُنفذ ونتقيّد بالإجراءات الحكومية الوقائية والاحترازية بمقدار ما نقترب من النجاة أكثر من هذا الرعب الفظيع، فعلينا أن لا نتذمّر من هذه الإجراءات .. ولا نضجر أو نتضايق، بل على العكس تماماً، بمقدار ما يكون هناك تشدّد، وبمقدار ما نستطيع أن نضبط حجرنا في منازلنا .. بمقدار ما نبتعد عن الإصابة، ونقترب من العافية والنجاة ..

الإصابات اليوم في سورية والتي وصلت إلى / 33 / إصابة، بعد تسجيل أربع إصابات جديدة مساء أمس الأربعاء، ما تزال تسير على إيقاعها البطيء، وهذا أمر يثير الطمأنينة إلى حدّ جيد بأن هناك حالة واضحة من التحكّم والسيطرة، ولكن الفيروس موجود .. ولا داعي للركون إلى مجرد التحليلات عن طبيعة هذا الفيروس وحقيقة وجوده، والأهداف القذرة التي ربما يسعى إليها البعض جراء ذلك وفي ظلال هذا الفايروس، فهذا لعله يكون صحيحاً .. ولكن علينا أن لا نغفل جميعاً ضرورة أن نكون على حذر ..

حمى الله سورية وأهلها والناس جميعاً من هذا الوباء الذي يهدد بني البشر برمتهم..سيرياستيبس – على محمود جديد

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]