مشكلةٌ!! أعيت من يداويها ؟؟

الخبير السوري:

كلهم شركاء في الأرض، وشركاء في الأبنية.. هي عبارة تلخّص معضلة حقيقية قديمة حديثة، فبعدد قليل من الأسهم وأحياناً بأجزاء من سهم واحد تتملك شقة سكنية تدفع ثمنها ملايين الليرات وأحياناً تكون هذه الأسهم التي تملّكتها لقاء الشقة لا تعادل مساحتها من كامل مساحة الأرض المبنية عليها سوى أمتار قليلة، تشتري شقة وتتملك حصة شائعة من أرض ويصبح الجميع شركاء بالأرض والأبنية دون تحديد لحصة أي منهم بالملكية لأن الملكية الشائعة هي ملكية غير محددة ولأن هذه الشقق ليس لها وجود كشقق في القيود العقارية.
إنها حالة الأراضي المشاع التي يقوم أحد المالكين قبل إفراز حصته كمحضر مستقل بإشادة بناء عليها دون رخصة أو بعد حصوله على رخصة بناء على الشيوع أو حتى لو كان مالكاً مستقلاً وقام بالترخيص ثم باع الشقق كحصص سهمية دون إفرازها، حيث يقوم ببيع الشقق في هذا البناء على شكل أسهم (حصص سهمية) محددة وتحسب هذه الأسهم وفق حصة المالك البائع ومساحة البناء وعدد الشقق إضافة إلى عدة اعتبارات أخرى تؤدي إلى نتائج غير عادلة، فربما أشتري أسهماً قليلة بعقار وأسدد مبلغاً كبيراً في حين يشتري شخص آخر أسهماً أكثر بالعقار ذاته ويسدد مبلغاً أقل لأن الباني المالك عدد أسهمه أكبر أو لأن عدد طوابق البناء أقل.
عندما يشتري أحدهم شقة من تلك الشقق من المفترض أن يمتلك (2400) سهم أي أن تكون ملكيته كاملة وليست ملكية من الأرض، وبحسب أحكام الشيوع عندما يتملك شخص أسهماً شائعة في عقار فإن ملكيته بالقانون تنصرف إلى كل جزء وكل ذرة من هذا العقار حسب نسبته السهمية، أي إن أسهمه تكون غير محددة بشقته فقط بل تكون بملكية جيرانه الذين تملّكوا مثله حصصاً سهمية لقاء شققهم بشقته.
معضلة فرز العقار
الطامة الكبرى عندما يقرر أحدهم إجراء معاملة إفراز وتصحيح أوصاف لشقته (إذا كانت تسمح بذلك القوانين وحالة البناء) فإنه سيُجابه بسيل من العقبات التي تجعل من هذه المهمة أمراً شبه مستحيل نظراً للواقع المر، فسيكون عليه جمع كافة المالكين وورثة من توفى منهم ويعيد من سافروا ليجمعهم من جديد، وإن كان البناء مُشاداً دون ترخيص فينبغي تسويته كاملاً إذا كانت الأنظمة تسمح بذلك وغير ذلك الكثير الكثير، كما لو كان هناك عدة أبنية على العقار.
هذه المتاهة يقع فيها كثيرون عندما يشترون منزلاً يُقال عنه بالعرف العام (منزل زراعي) وصاحب الأرض المالك على الشيوع الذي قام بالبناء عادة يتجاهل إجراء عملية الإفراز وتصحيح الأوصاف وتسجيل الشقق بمقاسم مستقلة، ربما لأنه شيد دون ترخيص أو لأن هذه المعاملة تحتاج إلى دفع رسوم، كما أن هذه الطريقة تؤهله لبيع المقاسم والشقة الإضافية التي يقوم بإشادتها بشكل مخالف وتجاوزاً على رخصة البناء الممنوحة له، إذ لا يستطيع بيع الشقق المخالفة لو كان البناء مفرزاً.
تساؤلات مشروعة
عديدة هي الأسئلة التي تُثار ضمن هذا الإطار، منها: لماذا كانت تُعطي بعض البلديات رخص بناء على أرض قبل أن يتم فرزها؟ وعندما يشتري أحدهم منزلاً ضمن هذه الشروط ما الضمانات التي يحصل عليها كي يكون المنزل له هو تحديداً وليس مجرد سهمين أو ثلاثة من كل شيء؟ كيف يمكن تنظيم السكن العشوائي (البيوت الزراعية)؟ هل هناك قوانين وتشريعات تساهم في حل هذه المسألة أم إنها تحتاج إلى قوانين جديدة؟ وعلى أي أساس يتم إخضاع منطقة معينة لقانون محدد؟ وكيف يمكن دراسة حاجة منطقة معينة ليكون هذا القانون أفضل لها من قانون آخر؟.. وسعياً لمحاولة الإجابة توجهنا إلى المديرية العامة للمصالح العقارية، وإلى محامٍ ليقدم وجهة نظر القانون والمقترحات المناسبة لهذه الحالة.
حل جزئي
يؤكد عصام قولي معاون مدير عام المصالح العقارية ومدير التشريع أن المالكين على الشيوع يملكون في كل ذرة من ذرات العقار، فكل مالك على الشيوع يملك الأرض وما بني عليها، وحول المرجعية التي تنظم إعطاء التراخيص ضمن هذا الإطار، يقول:
كان ينظم الترخيص على الشيوع تعميم صدر عن وزارة الإدارة المحلية والبيئة تناول إجراءات إعطاء الترخيص على الشيوع، ولكن فيما بعد تصدت لهذه المهمة وزارة الأشغال العامة والإسكان، التي أصدرت تعميماً حصرت فيه إعطاء الرخص على الشيوع في المناطق العشوائية فقط، والمناطق المبنية بشكل مخالفات وهي أصلاً مخالفات عشوائية فيها من يملك بيوتاً من 30/40 سنة، فتم هنا حل جزئي للمشكلة دون التسبب في أضرار على بقية المالكين من حيث الملكية، فالأرض تم بناؤها بالكامل ومن اشترى منزلاً فعل ذلك عبر عقود أو وثائق تثبت ملكيته، ولكن لا تُثبّت ملكيته في جزء محدد.
ضمانات لشراء العقارات
والسؤال الذي يطرح نفسه ما ضمانات الشاري وخاصة أنه (لا تُثبّت ملكيته في جزء محدد) فيمكن لأي أحد أن يجلس في أي منزل ويدّعي أنه منزله بما أنه يملك أسهماً، والمعادلة هنا: بما أن بيع الشقق يخضع لمنطق الأسهم فكما أن لكل من حولي أسهماً في منزلي فلي أسهم في منازلهم، وبالتالي يمكنني أن أضع يدي على أي بيت وأقول هنا مكان أسهمي.. عن ذلك يقول عصام قولي: لا يستطيع أي أحد أن يأخذ أي بيت، لأن الأسهم الشائعة تٌحسب من مساحة الأرض، فكل سهم من المعروف كم متراً يبلغ بالنسبة للعقار، وبالتالي سيُكشف إن أخذ مكاناً يفوق المساحة التي يملكها، كما أن أي مالك على الشيوع يمكنه إقامة دعوى (إزالة شيوع) بغض النظر عن المالك ومن يشغل قسم من البناء. وعندما يقيم الدعوى تقوم لجنة بتقييم الوضع وتقدير وتوزيع الملكيات على الشركاء وفق التقييم الفعلي.
قوانين وإجراءات
وعن إمكانية إلزام المالكين على إزالة الشيوع وفرز الأرض والبناء، يقول: (ليس هناك إلزام على إزالة الشيوع, فنحن كسجل عقاري نقدم خدمات، وليس من نص يجبر الناس على التقدم لهذه الخدمات، ويمكن إزالة الشيوع إما بالاتفاق ورضا الشركاء وإما بشكل قضائي)، أما حول القوانين والتشريعات التي تسهم في حل هذه المسألة، فيقول:
بإمكان الوحدة الإدارية اقتراح إخضاع منطقة معينة لقانون محدد، وقد صدرت بعض القوانين التي يمكن أن تحل مشكلة شريحة كبيرة من القاطنين في منطقة معينة بعد إخضاعها لهذه القوانين، وعلى سبيل المثال هناك مناطق تم إخضاعها للمرسوم التشريعي (رقم 166 لعام 1967) قانون التجميل وإزالة الشيوع. وقد يكون هناك مناطق تنظيمية تحتاج إلى إزالة شيوع وإعادة تنظيم وتخطيط عمراني كما حدث في قانون (رقم 66 لعام 2012)، وهناك قانون تنفيذ التخطيط العمراني (رقم 23 لعام 2015)، كما أن هناك قانوناً مهماً جداً (رقم 33 لعام 2008) الذي يملّك الملكين على الشيوع وفق الوضع الراهن فيثبّت تصحيح الأوصاف والإفراز ويزيل الشيوع وينهي الخلافات فيما بين المالكين على الوضع الراهن، وتم تطبيق هذا القانون في منطقتي (الرابية، الشيخ جابر) في طرطوس، ولكن بعض الوحدات الإدارية تتريث في تطبيقه وقد ترتأي تنفيذ قوانين أخرى تتعلق بتنفيذ التخطيط العمراني، فيكون إما قانون (رقم 23 لعام 2015) وإما قانون (66 لعام 2012) بعد أن صار تعميمه بموجب أحكام القانون (رقم 10 لعام 2018).
ويشير إلى أن البيئة التشريعية الموجودة في سورية لإزالة الشيوع جيدة، وقد تحتاج لتطوير بعض موادها لتسهيل عملية إخضاع المناطق لهذه القوانين، أي تسهيل الإجراءات وتسهيل الشروط. ونبحث في المديرية العامة للمصالح العقارية في تسهيل شروط تطبيق أحكام قانون (33 لعام 2008) الذي يزيل الشيوع ويثبت الملكية وفق الوضع الراهن.
ملكية غير صحيحة
ولتسليط الضوء على الرأي القانوني حول هذه المسألة كانت لنا وقفة مع المحامي جميل نعنع الذي تحدث بداية عمن يريد شراء شقة على أرض شيوع غير مفرزة ومدى قانونية هذا الإجراء وخاصة أنه في هذه الحالة يتملك الشاري عدداً محدداً من الأسهم، يقول:
بمقتضى نص المادة (780) من القانون المدني فإن الملكية الشائعة هي ملكية تعود لشخصين أو أكثر ولا تكون حصة أيّ منهم مفرزة، وبالتالي فإن ملكية المقاسم على الشيوع أو ملكية حصة شائعة (سهمية) تعادل شقة سكنية لا تُعتبر ملكية صحيحة إطلاقاً لأن هذه الشقة ليس لها وجود في السجلات العقارية ولا تكون مفرزة كمقاسم مستقلة، وبالتالي فإن عدم تسجيلها في السجلات العقارية وبيع المشتري حصصاً سهمية تعادلها يعني أن الشراء انصرف إلى أسهم عقارية بملكية الأرض التي بنيت عليها وليس إلى الشقة بحد ذاتها، وذلك لا يعطي أي ضمانة من ضمانات الملكية أو الحماية المرتبطة بها للمشتري لهذه الشقة، لأنه مالك بالأرض وليس بالبناء، وبما أن الملكية الشائعة غير مفرزة أو محددة، فجميع المالكين شركاء في ملكية الأرض وما عليها كما أن المشتري للشقة يصبح مالكاً على الشيوع مع بقية المالكين لأسهم الأرض والشقق الأخرى المبنية عليها، وبذلك فإننا نكون أمام ملكيات متداخلة لا توفر فيها أي من ميزات وضمانات الملكية والحماية القانونية المرتبطة بها.
عقبات إزالة الشيوع
كثيراً ما تبرز عقبات أمام دعاوى إزالة الشيوع، إلى درجة يصف فيها البعض الوصول إلى حل المشكلة أمراً شبه مستحيل، والسؤال: كيف يمكن حل إشكالية الشقق التي يتملكها أصحابها عن طريق تملك حصص سهمية من الأرض المشاد عليها العقار؟ يجيب المحامي جميل نعنع:
هناك صعوبة بالغة على الأفراد العاديين في حل هذه المشكلة نظراً لطبيعتها واتساعها، فدعوى إزالة الشيوع تختلف في مفهومها عن مفهوم مشكلتنا، فالدعوى تهدف إلى قسمة العقار عيناً أو بيعه في المزاد العلني في حال عدم قابليته للقسمة، أما في الشقق التي تكون ملكيتها مكتسبة على أساس تملك حصة سهمية من ملكية الأرض فلا بد هنا من إيجاد وضع قانوني يصحح ويعلن وجودها، وذلك من خلال تسجيلها في السجلات العقارية كمقاسم مستقلة تحمل أرقاماً محددة وأوصافاً واضحة، من خلال إتمام عملية الإفراز وتصحيح الأوصاف.
وحول إمكانية إجراء هذه العملية حالياً، يقول: تصطدم هذه العملية بإشكاليات متعددة قد تحول دون إتمامها، منها عدم معرفة كافة المالكين للحصص السهمية بالنسبة للأرض، ووجود أبنية غير مرخصة أصلاً، ووجود أراض كبيرة مشاد عليها الكثير من الأبنية والحل الأمثل هو أن يتم إجراء عملية تحديد وتحرير على الوضع الراهن لمناطق السكن العشوائي ومخالفات البناء، وتسجيل الشقق السكنية على أسماء أصحاب الحق فيها بعد تقديم وثائقهم الثبوتية، وقد لحظ المشرّع هذه المعضلة وسعى إلى حلها بإصداره للقانون (33 لعام 2008).
على أرض الواقع
ويشير المحامي إلى أن هناك عدة قوانين في سورية تصدت لهذا الأمر سواء بمنع إشادة أبنية مخالفة (دون ترخيص) واعتبار ذلك جرماً جزائياً وملاحقة مرتكبيه (وآخرها القانون رقم 40 لعام 2012 الخاص بمخالفات البناء)، أم من جهة تنظيم مناطق السكن العشوائي وتسجيلها على الوضع الراهن وفق أحكام القانون المشار إليه أعلاه، وأيضاً قوانين إحداث مناطق تنظيمية كما هو الحال في مرسوم (66 لعام 2012)، ولكن هذه القوانين بحاجة إلى إعادة تفعيلها بشكل جدي وسرعة تطبيقها على أرض الواقع.
كلمة لا بد منها
ترسيخ الوضع القائم ربما يكون حلاً ولكنه سيرسخ في مكان ما حال العشوائيات التي بني الكثير منها بعشوائية حقيقية دون مراعاة أي من شروط البناء كالمسافة بين الوجائب وقضم جزء من الشارع أو من أرض الجار إضافة إلى الشكل الخارجي للبناء الذي قد يبدو غريباً، لأن المالك عادة ما يعمل على استثمار أي سنتمتر ليضمه إلى البناء الذي يشيده، ففي النهاية كله سيتم تقريشه ويقبض ثمنه.
مما لا شك فيه أن المشكلة تتقاطع مع مصالح الكثير من المستفيدين، ومما لا شك فيه أيضاً أنها بؤرة تزداد اتساعاً وهوّة مع غروب كل شمس، فبينما تضيع الحقوق هناك من يكدس في الجيوب ضارباً عرض الحائط بكل ما يمكن أن يمنعه من البناء والبيع بطرق يتورط بها الكثير من المواطنين حتى دون علم قسم منهم بأنهم (تورّطوا)، وبالتالي لا بد من اللجوء إلى القانون ليكون الفيصل والصائن للحقوق، وتطوير بعض المواد تماشياً مع الواقع الراهن واختيار القانون الأنسب للمناطق المختلفة أمر بات ضرورياً، لأنه من الأهمية بمكان العمل على معالجة المخالفات وتشديد الإجراءات لمنعها في القادم من الأيام.

المصدر : الثورة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]