نصف مليون انسان “يغزون” شوارع حمص يوميا !!!

الحبير السوري:

يحمل الحديث عن موضوع النقل في محافظة حمص (مدينة وريفاً) في طيّاته الكثير من الشجون, تبدأ من المواطن ومعاناته الكبيرة في ظل الظروف الراهنة, وتنتهي لدى الجهات المعنية التي لا تألو جهدا(على ذمتها) لتحسين واقع النقل في محافظة أنهكتها سنوات الحرب الارهابية, وأثرت تأثيراً لا ريب فيه على واقعها الخدمي, لاسيما وأن العديد من المركبات خرجت عن الخدمة, بالإضافة إلى عدم مراعاة العمر الزمني للباصات والسرافيس العاملة على الخطوط, وغلاء أجور الصيانة والإصلاح, ما انعكس سلبا على أدائها, ولا ننسى دخول القطاع الخاص بقوة في هذا المجال, بعد أن أثبتت شركات القطاع العام عجزها أمام الواقع.
معاناة كبيرة
أكدت (ح.س) وهي موظفة في مدينة حمص وتقطن في قرية تبعد 40 كم عن المدينة أنها تضطر للحصول على إجازة ساعيّة في نهاية الدوام لكي لا تتأخر عن موعد انطلاق آخر سرفيس من محطة الانطلاق شمال المدينة, بالإضافة إلى أنها وغيرها من الموظفين مرغمون على الخضوع لرغبة سائق السرفيس الذي يضع أربعة ركاب في مقعد يتسع لثلاثة, وأضافت بأن هذا الأمر أصبح مزعجا لأنه يتكرر يوميا, وقد فكرت بتقديم شكوى للجهات المعنية لكنها تراجعت لقناعتها بعدم جدواها.
موظفة أخرى تعمل في المدينة أيضا وتقطن في قرية تبعد عن المدينة حوالي 30 كم قالت: لكي أرتاح من زحمة السرافيس اتفقت مع سائق تكسي مع ثلاثة آخرين, مع أن الأمر مكلف ماديا بالنسبة لنا, لكننا مضطرون وليس أمامنا حل آخر.
كما أكد عدد من طلاب جامعة البعث الذين يقطنون في قرى تقع على الخط نفسه أنهم يعانون كثيرا في الوصول إلى الجامعة والعودة إلى قراهم لأن وسائل النقل المخصصة على الخط لا تتناسب مع العدد الكبير من الطلاب والموظفين المضطرين -يوميا – للمجيء إلى المدينة, بالإضافة إلى أنهم لا يستطيعون حضور المحاضرات الأخيرة التي يكون توقيتها بعد الثانية, لأنهم لن يجدوا وسيلة نقل بعد هذا التوقيت.

وللسائقين معاناتهم
أعرب عدد من السائقين الذين التقيناهم في محطة الانطلاق الشمالية عن معاناتهم المزمنة, ولاسيما فيما يتعلق بأجور صيانة وإصلاح سرافيسهم, خاصة في ظل ارتفاع الأسعار, وبقاء الأجور على حالها.
وسام إدريس ودرغام خلوف مالكان لسرفيسين يعملان على خط قريتي الشنية – فاحل (45 كم) غرب حمص قالا: إذا حدث عطل في السرفيس ومهما كان بسيطا فإنه يكلفنا آلاف الليرات السورية.
بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العجلات وزيت السيارات وقطع الغيار والمحروقات وغيرها من القطع الأخرى, بينما بقيت أجور النقل على حالها, ونشعر في أغلب الأحيان أن عملنا لا يدر علينا أي ربح يُذكر في هذه الظروف الصعبة. وفي رحلة العودة إلى المدينة نعود من دون ركاب, وخاصة بعد الساعة العاشرة صباحا, أي إنه وبسبب توجه المواطنين لشراء حاجاتهم من أماكن أخرى كمدينة مصياف لم يعد هناك ازدحام على خطوط النقل بين المدينة والريف, ويقتصر الازدحام في ساعات الصباح الأولى وساعات الظهيرة؛ أي عند انتهاء دوام الموظفين وطلاب جامعة البعث.
خليل حمود مسؤول عن خط حمص – الغور الغربية – الشنية – فاحل، قال: الحديث عن معاناة السائقين والمواطنين بخصوص موضوع النقل على أرض الواقع مختلف عن الحديث الصادر عن ذوي الشأن الجالسين في مكاتبهم, لأن الخدمة التي يؤديها السائقون على الخطوط كافة لاتتناسب مع العائد المادي, فأجور إصلاح السرافيس وصيانتها ازدادت عدة أضعاف مما عمل كانت عليه قبل الحرب، في حين بقيت الأجور في حدودها الدنيا, فأصبح ثمن الدواليب – على سبيل المثال لا الحصر- 85 ألف ليرة سورية, وثمن البطارية 83 ألفاً, واي قطعة مهما كانت صغيرة الحجم تكلف مبلغا كبيرا, وبسبب العمر الزمني للآليات فإنها تحتاج لإصلاح وصيانة دائمين, خاصة وأن الطرقات ليست بحالة جيدة, ومليئة بالمطبات غير النظامية ؛ أي تلك التي يضعها المواطنون على الطرقات أمام منازلهم.
ولتعويض الخسارة وتحقيق القليل من الربح يلجأ سائق السرفيس إلى زيادة عدد الركاب؛ أي زيادة على استيعابه, بمعدل 14 راكبا بدل عشرة ركاب, أما بخصوص وجود سيارات في فترة ما بعد الظهيرة فهناك سيارتان مناوبتان يوميا وتخرج آخر سيارة من المحطة الشمالية الساعة الرابعة بعد الظهر. أما بخصوص تأمين المازوت فقال حمود: المازوت مؤمن لكافة السيارات, وكل سيارة تخرج من المحطة تحصل على ورقة رسمية تبرزها لصاحب المحطة ليتم تزويدها بمخصصاتها من المازوت.

والوضع في المدينة ليس أفضل…!!

وبالنسبة لوضع خطوط النقل ضمن مدينة حمص ليس أفضل من الريف, فمعظم الخطوط تشهد ازدحاما ملحوظا وخاصة في أوقات الذروة, فيضطر المواطن للانتظار حوالي ثلث أو نصف ساعة حتى يأتي باص النقل الداخلي..
ولنأخذ مثالاً هنا خط وادي الذهب – الكراج الشمالي وهو أحد الخطوط الطويلة نسبيا, ويشهد ازدحاما ملحوظا لأنه يخدِّم عدة أحياء في ضواحي المدينة (طريق الشام – جامعة البعث – الشماس- عكرمة – ضاحية الوليد -مساكن الشرطة – النزهة – حي الخضر – وادي الذهب), مع أن الجهات المعنية خصصت سرافيس على خط ضاحية الوليد – السوق, وخط النزهة السوق – وخط شارع الأهرام – وادي الذهب, إلا أن الازدحام بقي الصفة الملازمة للخط, وقد أكد عدد من المواطنين القاطنين في الأحياء التي يخدِّمها الخط أنهم يعانون معاناة كبيرة, بينما أكدت مجموعة من الطالبات في جامعة البعث أنهنَّ فضلن التعاقد مع تكسي لنقلهن إلى الجامعة يوميا لأنهن سيتأخرن في حال انتظار الباص أو السرفيس، مع أن الأمر مكلف ماديا, لكنه الحل الأفضل للوصول إلى الجامعة في الوقت المحدد.
مع العلم أن أغلب خطوط النقل في المدينة مخدمة بباصات شركة النور الخاصة وفق العقد المبرم من قبل الشركة مع مجلس مدينة حمص, بعد أن تراجعت خدمات شركة النقل الداخلي التابعة للقطاع العام. حيث يعمد سائقو باصات شركة النور إلى ملء الباص بالركاب (رغم تأخره) لأن الشركة تحاسبهم على النسبة, ولا يحق للمواطن المضطر الركوب في الباص لأن السائق سيقول له بكل بساطة: يوجد تكاسٍ كثيرة وبإمكانك أن تأخذ تكسي…!!, ويشتكي السائقون من الوضع المزري الذي آلت إليه الباصات, وتغريمهم بإصلاح بعض الأعطال التي تصيب الباص.
لماذا تراجعت شركة النقل الداخلي؟
محطتنا التالية كانت في شركة النقل الداخلي حيث أفاد مديرها المهندس علي حسين أن الشركة تأسست عام 1962, وقدمت خدماتها ضمن أحياء مدينة حمص, وقد تراجعت مؤخرا, ولم تعد تستطيع تأدية خدمات نقل بما يتناسب مع الكثافة السكانية والتوسع الديموغرافي في المدينة، خاصة وأن الباصات أصبحت بحاجة لصيانة وإصلاح بعد عشر سنوات من العمل المتواصل, ويعود ذلك لعدة أسباب يأتي في مقدمتها النقص في عدد الباصات, حيث تملك الشركة حاليا 115 باصا وهذا العدد لا يلبي الحاجة, كما تعاني الشركة من نقص في عدد السائقين والفنيين, ما انعكس سلبيا على أدائها وعدم قدرتها على تشغيل وردية مسائية. كما ذكر الحسين أنه تم الإعلان أكثر من مرة عن مسابقة من قبل الوزارة لتعيين عدد من السائقين والفنيين لسد النقص الحاصل, إلا أن عدد المتقدمين كان محدودا جدا بالقياس إلى العدد المطلوب, وحاليا تسعى الشركة مع الوزارة لتأمين باصات جديدة ترفد العدد الموجود, وتساهم في حل الأزمة.

بين سندان المحروقات ومطرقة الحاجة

حملنا ما في جعبتنا من الأسئلة وتوجهنا إلى مكتب عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة حمص المهندس حسام المنصور الذي عزا سبب مشاكل النقل سواء في المدينة أو الريف إلى صعوبة تأمين المحروقات (مازوت), منوها إلى عدم وجود جدوى اقتصادية من تخصيص وسائل نقل (سرافيس) إلى الأحياء التي لا تشهد كثافة سكانية, حيث يتم تخديمها بعدد من باصات شركة النور الخاصة, وأنه من المفروض حسب ما هو متعارف عليه من حركة تواتر النقل أن تأتي وسيلة نقل كل عشر دقائق على أي خط, لكن هذا الأمر يتطلب زيادة عدد السيارات, والزيادة تحددها الكثافة السكانية وتأمين مادة المازوت غير المتوفرة حاليا بما يفي الحاجة, أما بخصوص أجور النقل وشكوى السائقين من تدنيها فقال المنصور: قضية الأجور مضبوطة في المدينة أكثر من الريف, وهناك مشروع من الوزارة لزيادة تعرفة النقل وخاصة بالنسبة للريف, وعندما تردنا شكوى نعالجها بتحويلها إلى مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك لتبت فيها, ومن ناحية أخرى رأى المنصور أنه من أسباب أزمة النقل في حمص خروج عدد من وسائل النقل عن الخدمة خلال سنوات الحرب وتوقفها عن العمل, أما عن كثرة عدد المطبات الموجودة على الطرقات خارج المدينة فقال: يجب أن تكون المطبات أمام المدارس الابتدائية فقط (حلقة أولى) لأن الكثير من المدارس محاذية للطرقات العامة, وختم المنصور حديثه بأن بنود قانون السير لا تلائم الوضع الفني السيء للطرقات, لذلك تحصل بعض الإشكالات التي تنعكس سلبا على المركبات.

وأكد أمين سر لجنة نقل الركاب المشتركة أن مهمة اللجنة تنظيم عمل السيارات العاملة على خطوط المدينة والريف وتوزيعها بالشكل الأمثل, لتأمين خدمات نقل جيدة للمواطنين, مؤكدا وجود عدد كاف من السيارات على خطوط الريف, وإن حصل نقص في جهة ما فالسبب هو عدم توفر مادة المازوت، مشيرا إلى أنه يتم تنظيم ضبوط بحق السائقين غير الملتزمين والمخالفين. وقد تم العام الماضي تنظيم 347 ضبطا بحق سائقين مخالفين وتم تغريمهم بمبالغ مالية.

ومجلس مدينة حمص يبرر
وفي مجلس مدينة حمص على اعتباره الطرف الثاني الذي يبرم العقود مع القطاع الخاص أجاب مدير النقل وهندسة المرور المهندس وائل عبيد على تساؤلاتنا قائلا: إن نقص عدد السيارات على خطوط النقل في المدينة يعود إلى خروج عدد كبير من السيارات عن الخدمة خلال الحرب العدوانية وقِدم الموجود حاليا, فمنذ 1994 وحتى الآن لم يتم استيراد سيارات جديدة, وكل عام تفقد الآلية 10% من كفاءتها, وهناك خطوط ليس عليها إلا سيارتان كخط باب السباع, وجميع المسارات في المدينة بحاجة لسيارات وباصات حديثة, وعن إبرام عقد مع شركة خاصة قال: هي فكرة الحكومة بعد أن أثبتت شركة النقل الداخلي عجزها عن تأدية خدمة نقل جيدة, ومن شروط العقد المُبرم مع الشركة تفريغ الخطوط والمسارات بشكل كامل من السرافيس والباصات العائدة لشركة النقل الداخلي لصالح الشركة الخاصة, ومع ذلك قمنا بتسيير سرافيس على بعض الخطوط التي تشهد كثافة سكانية لتخفيف الازدحام كخط وادي الذهب وخط حي الوعر وخط الكراج الجنوبي. ولخص عبيد المشكلة بأن عدد السيارات لا يتلاءم مطلقا مع الكثافة السكانية, حيث يوجد حوالي 500 ألف مواطن يتحركون يوميا ضمن المدينة, ومن الضروري والحالة هذه إعادة تأهيل الطرقات وفتح مسارات جديدة لحركة السيارات, وتأمين قطع التبديل, والعمل على تخفيض أسعارها.

المصدر: الثورة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]