المهنة التي قهرتها الأزمة تعود من بوّابة البحث عن دور مختلف..

الخبير السوري:

حوّلت سنوات الحرب التسع وشلل الحركة السياحية أغلب ا لأدلاء السياحيين إلى عاطلين عن العمل أو أصحاب مهن أخرى لا تمتّ لثقافتهم بصلة، ولم يشكّل تسرّبهم من العمل أي دافع لدى الجهات المسؤولة عنهم لاستدراك الخلل الحاصل ومحاولة الحفاظ عليهم أو تعويضهم على أقل تقدير، بل بدا واضحاً الإهمال وعدم الاكتراث الذي ترك انطباعاً سيئاً ورفضاً من بعضهم للعودة إلى العمل دون شروط وضمانات مسبقة، إذ استبعد عدد ممن التقيناهم في مجال الدلالة السياحية فكرة العودة بعد أن تأقلموا مع مجالات عمل جديدة، معتبرين أن سنوات عملهم كأدلاء سياحيين دون معاش ثابت أو تأمين صحي أو راتب تقاعدي لم تشفع لهم في الحرب، وأُهملوا كما لو أنهم “مقطوعون من شجرة”!، بينما تجري اليوم محاولات كثيرة لإعادة استقطاب من غادر من الأدلاء لمجاراة انتعاش السياحة مجدداً.

خيبة

ولم يختلف رأي رئيس شعبة الأدلاء السياحيين في اتحاد غرف السياحة د.عماد الدين عساف عمّا سبق، حيث استنكر إهمال الدليل والخدمات التي قدّمها ليكسب ودّ السياح والترويج السياحي لسورية وغياب أي دعم مادي أو معنوي له، فكانت هناك شريحة مثقفة على درجة عالية ولها مهارة ممتازة في لغات أجنبية يُستعان بها في المعارض السياحية الخارجية، ولهم دور في استقبال وفود من أعلى المستويات لم يبقَ لهم شيء اليوم سوى الخيبة، مشيراً إلى المطالبة المستمرة بالاستعانة بالدليل السياحي عند استقبال الوفود الأجنبية والصحفيين الذين يزورون جهات عدة دون تجاوب، فغالباً ما يكون المرافق مترجِماً ما يشكّل تهميشاً واضحاً لدور الدليل السياحي.

إعادة التأمين

وشكا الأدلاء غياب التأمين للمخاطر التي يواجهونها خلال الجولات، ففي حالات كثيرة يتعرض الدليل لإصابة ما ليجد أنه المسؤول الوحيد عن دفع تكاليف العلاج، بينما بيّن عساف أن القانون 65 الخاص بإحداث غرف السياحة نصّ على قيام شعبة الأدلاء السياحيين بالتأمين الجماعي للأدلاء بحيث تتكافل كل المنشآت السياحية للتأمين وتغطية الحوادث التي يتعرض لها الدليل، إلا أن الأزمة أفرزت إشكالية جديدة بعد أن فقد الأدلاء عملهم، فمنهم من سافر ومنهم من توقف عن تسديد الاشتراكات، وبات من غير الممكن تأمين دليل غير ملتزم ولا يمكن إلزام أصحاب الفعاليات السياحية الأخرى الأعضاء في غرفة السياحة وهم متضررون أيضاً بالدفع من ميزانية الغرفة للتأمين على أدلاء غير ملتزمين بتسديد التزاماتهم المالية وهو أمر مخالف أصلاً للقانون 65، فتم تخفيض سقف التأمين إلى حدوده الدنيا حتى ألغي نهائياً.

وكشف عساف عن عقد تأمين جماعي وقعته الشعبة مؤخراً مع السورية للتأمين ضد الحوادث والإصابات التي قد يتعرض لها الدليل، شمل 62 دليلاً في غرفة سياحة دمشق بقيمة 500 ألف ليرة، وتضمن لأول مرة تعويض الوفاة الطبيعية، بينما يتم حالياً التواصل لإنجاز ملاحق للعقد لبقية الغرف، مضيفاً: إن الغرفة تسعى إلى تأمين صحي لكل أعضائها، إضافة إلى الإصرار حالياً على إحداث صندوق معاش تقاعدي أو تكافل اجتماعي ضمن التعديلات الجديدة للقانون 65، مطالباً في الوقت ذاته بإعادة الاعتبار لجمعية الأدلاء السياحيين وطيّ قرار حلها “الظالم” عام 2008، بعد أن قامت بدور مهم في نشر الوعي الثقافي والسياحي وإشراك الأدلاء القدامى في تدريب الأدلاء الجدد وتبادل الخبرة وإقامة دورات تثقيفية ولقاءات اجتماعية لأسر الأدلاء، مكملةً بذلك دور شعبة الأدلاء السياحيين بالجانب المهني وأمور الترخيص والتدريب وغيرها.

غير كافية.!

من جانب آخر استغرب طلاب كلية السياحة أن تكون نسبتهم بين الأدلاء ضئيلة جداً بالمقارنة مع خريجي كليات واختصاصات أخرى، ورأى أستاذ في الكلية أن خريجي السياحة أحق من غيرهم في الحصول على تراخيص الدلالة السياحية، فهم يملكون قاعدة ثقافية واسعة تؤهلهم لهذا العمل بدل انتظار المسابقات التي لا تستوعب جميع الأعداد، الأمر الذي برره عساف بأن كلية السياحة لم تكن موجودة عند إصدار المرسوم 54 لمزاولة مهنة الدليل السياحي، ثم بعد إحداثها بفترة وجيزة بدأت الحرب ولم تُتَح الفرصة للطلاب للتدريب العملي الميداني، فلا يمكن لهم قيادة مجموعة سياحية، فضلاً عن أن عدداً كبيراً من طلاب كلية السياحة لا يتقنون الحديث بلغة أجنبية، والشهادة وحدها غير كافية.

استعادة

اليوم وبعد إعادة انتعاش السياحة طالبت غرف السياحة وفقاً لعساف بإقامة دورات مجانية لتجديد الترخيص وتطوير الأدلاء، ما شجّع على عودة عدد منهم للمهنة، إضافة إلى استقطابهم عبر التصنيفات حيث تجاوز عدد المشتركين بدورات التصنيف 150 دليلاً، لافتاً إلى التحضير لإقامة دورة جديدة في شباط المقبل، أما عن الترخيص فالشروط كلها بسيطة -برأي عساف- كإتمام 22 سنة والحصول على شهادة جامعية وإتقان لغة أجنبية على الأقل واتباع دورة تقيمها وزارة السياحة والنجاح فيها، ويرخص للدليل بدايةً كمتدرب لمدة سنتين ثم يمتحن عبر لجنة شفهياً وكتابياً.

وبينما بلغ عدد الأدلاء قبل الأزمة 2000 دليل مرخص، يوجد منهم 500 تقريباً في ذروة العمل، بيّن عساف أنه يصعب تحديد العدد حالياً، فبعضهم لم يجدّد اشتراكه بعد، إلا أن تطبيق أية برامج إضافية اليوم لا يوجد لها العدد الكافي، فالطموح لتشجيع السياحة الداخلية وسياحة الطفل واليافعين والتوجه للنقابات لاصطحاب دليل في الرحلات يتطلب أعداداً كبيرة من الأدلاء، موضحاً أن معظم مجموعات السياح الداخلية اليوم تكون عبر مكاتب غير منظمة ولا تضم دليلاً مرخصاً، فضلاً عن عدم العدالة بتنظيم العمل فنجد أحياناً مكاتب عدة تتعامل مع دليل واحد، وهناك من يطلب وجود دليل سياحي دون أن يعطيه أتعابه!.

وأكد عساف أن المطلوب اليوم إيجاد الدعم المعنوي والمادي للأدلاء، وخلق فرص عمل لهم وحمايتهم من الحوادث، والاستفادة من خبراتهم في مجالات عدة، فحتى في ظل غياب المجموعات السياحية يُستفاد من الأدلاء بتشكيل حلقات بحث لكتابة المواد المتعلقة بالبروشورات التي ستوزع في المعارض السياحية العالمية، وفي الترويج الإلكتروني، وإيجاد دليل مرجعي موحد للأدلاء الجدد..البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]