صغار الموظفين هم الأكثر خطورةً..رؤية جريئة لمعالجة الفساد القضائي..

الخبير السوري – خاص :

لن نختلف حول نقاط الخطورة التي يخلّفها الفساد عموماً..لكن قد نختلف على القطاعات الأكثر حساسية أمام الظاهرة..وبالتالي أولويات المعالجة، وهذا ربما يعود لإلحاح فعل شيء فعّال على مستوى قمع الفساد لأنه ترك نتائج سلبيّة هائلة.

في سياق مثل هذا الجدل، يذهب كثيرون باتجاه الفساد القضائي، الذي يقوّض حكم القانون دون شك، وهذا النوع من الفساد موجود وليس وهماً، بغض النظر عن معرفتنا غير الدقيقة بحجم الرشاوى التي تدفع لتحويل وتشويه أحكام القضاء، وتقويض ميزان العدالة في المحصلة، والإساءة إلى نزاهة القضاء الوطني، ولكن الأساس في مقالنا هذا هو محاولة تشخيص هذا الفساد، وتحديد طبيعة المشكلة، فهل هي في الأشخاص الفاسدين أم في ثغرات القانون نفسه التي تسمح بالفساد من خلال استغلال بعض النصوص «المطاطة»؟! وهل الفساد يرتبط بالقاضي حصراً أم إن هناك حلقات وسيطة (الموظفين الإداريين) هي منشأ هذا الفساد، وحلقة الوصل التي تنشره في محاكمنا؟! والأهم من كل ذلك تحديد الآليات الكفيلة باستئصال هذا الفساد على اعتباره ورماً سرطانياً ينخر جسم القضاء، وبالتالي يقوض عدة منظومات متكاملة في العمل التنموي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي!.

بيئة مساعدة

يعتبر البعض أن الفساد القضائي هو نتيجة طبيعية لتردي الأوضاع المعيشية للقضاة، أو أنه محصلة لعدد قليل من القضاة غير متناسب مع النزاعات، والذي يؤدي لحالة من عدم الرضا عند القاضي، ولكن السؤال الأساس، إذا ما افترضنا أن هذه الإدعاءات صحيحة، لماذا لم تتم زيادة أعداد القضاة بالتدريج في الماضي لتفادي مشكلة يجمع العاملون في المجال القضائي والحقوقي على أنها أحد أبرز المشاكل في القضاء السوري؟! وهل الحديث – القديم منذ سنين طويلة -عن التصادم الدائم في السابق بين نية وزارة العدل زيادة عدد القضاة، ورفض وزارة المالية هذه الزيادة، أو إعطاء نصف عدد القضاة لعدم توفر الاعتمادات المالية في أحسن الأحوال، كان مخططاً مدروساً وفر أرضية خصبة لبيئة قضائية فاسدة؟!

ربما علينا ألّا نتناسى أن الفساد هو محصلة تناغم بين أصحاب المصالح.. أي نكون أحياناً «أمام مواطن فاسد وقاض فاسد، وهذا يتيح للقاضي الفاسد التفنن بفساده»..

حلقة «خفية»

هذا أحد جوانب الفساد، ولكن قضية الفساد لا ترتبط بالقاضي والمواطن صاحب القضية فقط، بل إن هناك حلقة وسيطة «خفية» هي التي تسهل تقديم الرشاوى للقاضي، وتكون بمنزلة حلقة وصل بينه وبين أصحاب الدعاوى، وهي التي لا يتم التركيز عليها عادة بل توجه الأنظار إلى قاض ٍ مرتشٍ أو مواطن راشٍ، وهذا ما يؤكّده الخبراء فـ«قضية الفساد ليست متعلقة بالقاضي ذاته، فكتّاب الدواوين حلقة فساد، ومن يحضرون الدعوى أيضاً، وهذا هو العمود الفقري للفساد، فالموظفون عند القضاة يحتاجون إلى إعادة تأهيل، وهي التي يجب إرفاقها بالمحاسبة»..

بالتأكيد لا يختلف اثنان في مجال القضاء على أنه لو جلبنا أحدث القوانين ووضعناها بين أيادٍ فاسدة لما نطقت إلا زوراً، وبالتالي فإن للمعيار الإنساني النزيه الأولوية، وهو الذي يحدد بالنتيجة عدالة القضاء، وينظمها، ويفرضها، فالقضاء النزيه يحتاج إلى أشخاص نزيهين، وعند هذه النقطة أشار خبير قانوني آخر إلى أن «هناك مفسدين وليس هناك فساد في القضاء، وأي علاقة شخصية يدخل فيها القاضي مع شخص آخر محامياً كان أو طرفاً في قضية ما يكون فيها فساد»..

ولكن عمق الاختلالات التي يعاني منها القضاء السوري يعود حسبما يشير آخرون إلى «نظرية الالتماس المجهضة للعمل القضائي، والتي تؤدي إلى ضياع الحقوق»..

إعادة هيكلة

إنّ الحلقات التي يمكن أن تدخل على خط إفساد القضاء عديدة ومتنوعة، وهي تمتلك دون شك وسائلها وإمكاناتها “الإبداعية” التي تساعدها في الحصول على هذا النوع من الرشاوى، وبالتالي، فإن الوصول إلى الأسباب هي الخطوة الأولى في طريق العلاج، فالآليات متوفرة لمكافحة الفساد القضائي، وخصوصاً أنه ليس من السهولة اتهام قاضٍ بالفساد، بمعنى أنه لا يمكن تركيب قضية له، وبالتالي فعملية المحاسبة مضمونة.

 عن الآليات المفترضة يوضح الخبراء أن «المطلوب إعادة النظر بأصول المحاكمات الآن، ووضع قانون إجراءات جديد مع دعم للقضاء، وزيادة عدد القضاة، بالإضافة لمراقبة حيادية واستقلال القضاء، وعدم تدخل السلطات الأخرى بشأن المرفق القضائي، وتقييم عمل القضاة من مجلس القضاء الأعلى فقط»..

بالطبع طرق العلاج متنوعة كما هي طرق الفساد، ولكن المطلوب تحديد أرضية نظرية لهذا الإصلاح في الجسم القضائي، الذي نحن بحاجته اليوم قبل أي وقت مضى، إذ يرى بعضهم أننا نحتاج «لإعادة النظر بالبنية القضائية وهيكليتها ومهامها، فقانون السلطة القضائية وضع في عام 1961 على قياس أشخاص، ولكن القانون لا يفصل لأشخاص، وإنما الأمر معاكس تماماً، كما يجب تعزيز دور التفتيش القضائي، من خلال رفده بمفتشين، وإعطائهم ما يستحقون من امتيازات، ويجب أن يكون هناك مجلس قضائي أعلى يضم كل هذه التشكيلات القضائية»..

محاسبة

قد يعتبر البعض أن هذه الدعوة إلى الإصلاح القضائي ما هي إلا نوع من التنظير، والمبررات هي وجود ثقافة فساد متجذرة لا يمكن القضاء عليها بهذه السهولة، وهذا جزء من المنطق من جهة، ويتطلب بالتالي معالجة إبداعية وغير تقليدية لتقليص هذه الثقافة، والحد من وطأتها وتأثيرها، وهذا يحتم «تسليط الضوء على ثقافة الفساد المتجذرة بثقافة مضادة واعية ومعقلنة لتقويضه، فالرجل الذي تعود على أن يتقبل الرشوة، لو أعطيته اليوم مليون ليرة راتباً شهرياً، فإنه سيأخذ حتى 5 ليرات رشوة، لأنها أصبحت جزءاً من ثقافته، وهذا يحتم ضرورة المحاسبة لتقليص الفساد»..

والتركيز على ضرورة المحاسبة للتخلص من القسم الأعظم من الفساد القضائي يبدو أنه مطلب أساسي، فهي الضمانة لأي محاربة للفساد على المستوى الكلي، أو فيما يخص الفساد القضائي، وهي جزء من عملية متواصلة ومتراكمة تبدأ بالمحاسبة وتنتهي عند الوصول إلى قضاء مستقل يضمن محاكمات نزيهة من أي شكل من أشكال التدخل خارج السلطة القضائية، ويجمع أساتذة في القانون «يجب مكافحة المفسدين بالمحاسبة، والانتقاء والتأهيل والتدريب، وتحسين الوضع المادي للقاضي وأجهزة العدالة ذاتها، والأخذ بعين الاعتبار أن أهم وسيلة لمكافحة الفساد هي حسن تطبيق القانون، وحسن تطبيق القانون يحتاج إلى قاضٍ سليم»..

إقرأ أيضاً:

ارتفاع أسعار الذهب عالمياً بسبب قرارات أميركية والنزاع مع الصين

ارتفاع أسعار الذهب عالمياً بسبب قرارات أميركية والنزاع مع الصين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]