الدولة السورية تخرج من غواية الحقبة الليبرالية..طرد “عقليّة التاجر” من مسار التعاطي مع قضايا التنمية المجتمعيّة..

ناظم عيد – الخبير السوري:

لعلّ المهم في مجمل ما أنجزته وتنجزه الدولة السورية على مستوى القطاعات التنموية عموماً والزراعة بشكلٍ خاص، أنها أحدثت تحوّلاً كلّياً، ودفنت “عقليّة التاجر” في التعاطي مع البنى الإنتاجية، لأن هذه العقلية هي التي جرّعتنا كؤوساً مرّة لسنوات ويجب ألّا نعود إليها تحت أي ظرف، لأن “الجحود بالنعمة لؤم ومصاحبة البطر شؤم”.

وربما يكون من المبشّر أن نستشف ملامح حقيقية لنيات “المقصورة التنفيذية” بقطع سلسلة طويلة عريضة من الأوهام الاقتصادية التي وصمت أداء ليبراليي ما قبل العام 2010 ، دون أن تفلح “حكومات الأزمة” الثلاث السابقة في استعادة والتقاط خيوط الرشد التنفيذي، بعد أن ضاعت في معمعة التخلّي المبرمج عن مرتكزات القوة في اقتصادنا، والغرق في غواية الريعية التي تيقّن المكابرون من أنها جرّدتنا من أهم أدواتنا التنموية ونحن نواجه تحديات الأزمة الحالية.

الحراك الجديد للحكومة، المختلف والمتباين كلّياً عن سابقاتها، من شأنه أن يعد بإعادة إنعاش قطاعات “وأدتها” أخطاء السابقين، ورغم أن المسألة تتعدى مضمار الزراعة إلى كامل القطاعات التنموية الحقيقية، إلّا أن لزراعتنا ما لوطنيتنا من خصوصيات ثمينة، وكان من الجميل الذي يستحق الثناء أن تزج الحكومة بثقلٍ نوعي في خدمة هذا القطاع ببعديه النباتي والحيواني وما يليهما من فرص تصنيع زراعي تزخر بها سورية كنعمة لا بد من مداراتها بحرفية رفيعة المستوى، وقد كانت الأيام القليلة الماضية شاهداً على مقدمات ستكون ذات نتائج طيبة، لأنها لامست التفاصيل بعيداً عن الحالة التقليدية المرتبكة في التماهي مع الشكليات والبروتوكولات.

ولعلّها المرّة الأولى التي نلحظ فيها معالجة مباشرة لبطالة أهم وسائل إنتاج في سورية والبداية ستكون بـ”إعداد خارطة زراعية بكل محافظة تتضمن قاعدة بيانات مفصلة عن المساحات القابلة للزراعة ونوعية الزراعات التي تناسبها والآلية التنفيذية اللازمة لاستثمارها بشكل فعال وتحديد متطلبات العمل”.

وإن كانت الحكومة قد نجحت في الإقلاع بمشروعات الزراعة الأسرية، فهذا يعني أنها باتت على مقربة من المكوّن الاقتصادي الأهم وهو المشروعات متناهية الصغر، وقريبة نوعاً ما من المشروعات الصغيرة، أي نحن أمام نقطة التقاء حيوية لثلاثية أهداف حكومية هي في الحقيقة مطالب مجتمعية، الأول استثمار كل متر مربع من الأرض، والثاني نشر ثقافة الزراعة الأسرية، والثالث المشروعات الصغيرة التي تمثّل حالة العبور الديناميكي من مجرد البعد الاجتماعي ومحاربة الفقر إلى المضمار التنموي الاقتصادي بإسقاطات أفقية، من المرجّح أن تنتشر على نطاق واسع لو بقيت المتابعة الحكومية للملف على هذه الوتيرة، ونرجو ألّا تفتر همم المعنيين بتنفيذ البرامج الواضحة، وربما لن يُتاح لهم فرصة للفتور، فالواضح أن المتابعة يومية، وهذه استنتاجات مقرونة بمعلومات.

أغلب الظن أننا بتنا على بوّابة الخروج من مأزق اقتصادي يتعدى في أبعاده الزمنية عمر الأزمة الراهنة بسنوات غير قليلة، هكذا يُنبئنا مشهد الحراك الرسمي الجديد الذي انعطفت باتجاه التفاصيل التي تخفي في حناياها “مربط الخيل” كما يقال.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]