طقوس استهلاك “جاحدة” في الأسواق السورية..من يُجبر رضوض الفقراء؟؟

 ناظم عيد – الخبير السوري:

إن كانت مقولة “عفى الله عما مضى” مطلوبة حتى في قرارات الإدارة الاقتصادية، فتتمتها الافتراضية لا يجوز أن تكون “عفى الله عما سيأتي”.. من هنا تبدو قائمة الاستدراكات التي أمامنا طويلة بشكل غير اعتيادي، لأن الانتصار الاقتصادي يجب أن يكون مكملاً لانتصارنا السياسي والعسكري، وهذا ليس فقه أو فكر ما ورائي، بل مقتضيات التعاطي الواقعي والتصالح مع الذات، حيث لا ينفع غمر الرؤوس في الرمال.

فقد بدا مقلقاً أننا لم نتماهَ بعد مع أزمتنا بعد ثماني سنوات عجاف، كانت واقعاً مريراً، وليست “رؤية تنتظر الإفتاء”، إذ تداخلت فصول من التناقض المريب في مشهدنا الاقتصادي العام ، وهي ليست مؤشرات قوّة بقدر ما هي ملامح ضعف في إدارة الموارد، وإن استحسن بعضنا تمرير مصالحه في سياق مشاهد المكابرة على الوجع، وحاول إقناع المتحفظين بضرورة تجيير المغزى إلى رسائل “ثبات وصمود”.. في وقتٍ لم يعد السوق المكان المناسب لإنتاج مثل هذه الرسائل، بعد أن سطّر جيشنا وشعبنا وقيادتنا ملاحم صمود ملأ صداها الدنيا.

ولعلّه من المقلق فعلاً، ألا تبدو ملامح الأزمة بتاتاً على أسواقنا..مهما شكا من لفحتهم قسوة الظرف الصعب، و أسواق العيد يمكن أن تكون شاهداً ، ونجزم بأنه لو صادف ولجأ باحثٌ ما إلى قوام ما يتزاحم في حنايا متاجر البلاد كمعيار ومؤشّر لدراسة افتراضية بعنوان “انعكاس الحرب على أسواق المستهلك في سورية” مثلاً، فستكون النتائج من الطراز ذاته الذي سيخرج به في أيام الرخاء والبحبوحة، وتفاعل نزعات الإنفاق الاستهلاكي الترفي المفرط..دون أن نعمم أو نتجاهل طبيعة الشريحة المتسوّقة ؟!.

مازلنا مجتمع استهلاكي بعد كل فصول هذه المحنة..إذاً نحن أمام معضلة مقيمة بيننا ومعنّدة – ولعلها لا تقل إيلاماً في لفحاتها عن لفح نيران الحرب التي تُدار علينا من أربع جهات الأرض- لم تفلح في تجاوزها وصفات العلاج المتوالية، التي دفع بها الإعلام وخبراء الاقتصاد والسوق، ولم تصل إلى مساحات الإقناع وتحفيز إرادة الاستدراك.

 لقد تلاشى صدى نصائح ورؤى الباحثين أمام صخب هدير محركات السفن العملاقة التي تحمل البضائع “الاستنزافية” الترفيّة إلى سورية، رغم مزاعم الحصار والمقاطعة التي استثنت الكماليات خلسة من قرارات الحظر، بل وأمعنت في تشجيعها، لأن لها ما للحرب العسكرية من آثار مدمّرة، بما أنها تشكّل الجزء الأوضح في فحوى ووقائع الحرب الاقتصادية التي تستهدفنا..

الآن وإن كنا مصرّين على الاستمرار في السباق لاستقدام أحدث ما تقذف به مصانع سلع الترف في هذا العالم، فلا بأس أن نستثمر جذوة الاستيراد التي تتضخم في أوساط أصحاب الثروات بيننا، ونلتفت إلى صياغة سريعة وفورية لآلية تحقق للخزينة العامة بعض الإيرادات الممكنة عن طريق إعادة صياغة التعريفات الجمركية، باتجاه فرض رسم “استهلاك ترفي” على البضائع الكمالية، ولن نكون قد خالفنا الأعراف الاقتصادية العالمية، بل نخالفها الآن بإصرارنا على استيفاء هذه النسب الهزيلة التي لا تفرّق إلا قليلاً بين السلعة الأساسية والسلعة الكمالية، وعلى الأرجح ليس بيننا من لا يعرف ، أن معظم بلدان العالم تستوفي رسوماً جمركية أو رسوم إنفاق استهلاكي تصل إلى 500 أو 700 بالمئة عن سلع غير ضرورية، كالمشروبات والدخان والعطور.. لصالح سلع الضروريات أو الأساسيات، وإن كنا قد توجهنا نحو ذلك فإن إجراءاتنا كانت محدودة وخجولة، وما زالت إيرادات جماركنا هي الأقل ربما في المضمار العربي؟!.

ونعتقد أن في تفاصيل ما يجري داخل كواليس قطاع التجارة الخارجية لدينا، ما يوجب وضع حد للعشوائية المستحكمة بإدارة التدفقات السلعية الذاهبة والراجعة، وإحداث انعطافة توقف “نزيف” القطع الأجنبي، تقضي بإلزام مستوردي الكماليات بتصدير منتجات سورية المنشأ مقابل ما يستوردون، وهو شكل من أشكال ربط الاستيراد بالتصدير الذي يبدو خياراً لازماً وملحاً من الآن فصاعداً مع معاودة الدوران التدريجي لعجلات الإنتاج الزراعي والصناعي.

باختصار من الحكمة أن نظهر كما نحن..فمن البدهي أن ينشد أحدنا جهاز موبايل جديد ولا يجده، تماماً كما أنواع البارفانات الفاخرة والسيكار وسلسلة “سلع الإحراج”..التي بدا زبائنها كمن “يشمتون” بالفقراء والمرتبكين أمام تأمين قوت يومهم .

الإشكال يتعدى التبعات الاقتصادية إلى أخرى اجتماعية معنويّة، وتجسيد مفارقات صارخة في مجتمع صمد لأنه متماسك .

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]