ذهنية “المخاتير” لا تصنع تنمية..اتحادات ومنظمات شعبية أمام مسؤولية تاريخية فهل ستنجح في اختبار سباق المسافات الطويلة ؟؟

ناظم عيد – الخبير السوري

لم يعد المقام بظرفيته القاسية يتّسع لهواة الاسترخاء و ذهنيّة ” المختار” لا في المؤسسات العامة و لا على مستوى التدبير الفردي الأسري، ففي طقوس الشدّ العصبي يكون برود السلوك وقلّة الحيلة حالة كارثية، أخطر من الكوارث ذاتها التي تمر بها المجتمعات.

من هنا نبدو اليوم أمام استحقاق استدراكي يستهدف الهيكليات، وقوائم المهام والواجبات التي نضطلع بها جميعاً، قبل أن نظن أننا شرعنا فعلاً بإعادة إعمار سورية الخارجة من الحرب الضروس والطويلة، فثمة ترتيب حتمي للبيت الداخلي لا بد أن ننجح به أولاً قبل المواجهة الساخنة مع مشروعنا الطويل والمديد.

والواقع أن مهام الهياكل الحكوميّة تبدو هي الأكثر جهوزية الآن للانطلاق في رحلة الألف ميل كما نحب أن نسمي مهامنا الشاقّة، على اعتبار أن ” الأيادي التنفيذية كانت فعلاً في الطبخة ” خلال فترة سنوات الأزمة بحكم مهامها التقليدية.

إلّا أن ثمة مؤسسات وهياكل وطنيّة أخرى، غدت بأمسّ الحاجة لإعادة ترتيب نفسها للتماهي مع المهام الوطنيّة الجديدة، والتكامل مع الحكومة وباقي مكونات منظومة المجتمع الأهلي..وهي المنظمات الشعبيّة والنقابات والاتحادات المهنيّة..فهذه الهياكل ذات قدرات هائلة على الأرض، وموارد بشرية كبيرة، وكذلك ماديّة، كما لديها الحضور الكبير والفاعل على الأرض، ناتج عن انتشارها الأفقي في الأوساط الشعبية، التي تسمى في أدبياتها “القواعد الشعبيّة” ..

ولعلّه آن الأوان للانتقال والتخلّص من الحالة التعبويّة و الظنّ بالحضور الفاعل على الأرض، بعد أن ثبت أن الظواهر الصوتيّة القادمة من هنا وهناك لم تعد ركائز يمكن الاستناد إليها، ولا عدد “الرعايا” والمنضوين تحت أجنحة هذه المنظمة أو ذلك الاتحاد أو ذاك..وقد تكفّلت الأزمة التي مررنا بها بتقديم أمثلة ووقائع حيّة على ما نذهب إليه، أي ليعذرنا من سيستفزه طرحنا وليتريث قبل أن يتهمنا بالمغالاة.

إذ نعتقد أن الاتحادات المهنية هي الأقدر على أن تكون أكبر محرّك دافع للاستثمار و إعادة إنعاش القطاع المتصل باختصاصها من وحي تسميتها، وبات من الحتمي أن تنتقل من الحالة الكرنفالية إلى الأخرى الواقعيّة الفاعلة على الأرض، و إن كان ولابد من تشارك وتكامل، فلكل اتحاد مهني وزارة مقابلة له بالاختصاص في الهيكل التنفيذي.

و قد تكون البداية المثالية في تناول مثل هذه الرؤية، من الاتحاد العام للفلاحين، التنظيم واسع الطيف الذي يملك إمكانات هائلة وانتشاراً واسع الطيف يمتد على كامل الجغرافيا السورية..لديه أراضٍ و أملاك كثيرة و لديه الخبرات بل أفضل الخبرات والأدوات المطلوبة للاستثمار الزراعي، و إطلاق أهم مشروعات مؤثرة وفاعلة في مجال التصنيع الزراعي، هذه الحلقة أو القطبة المخفية التي أرّقتنا ولم نفلح حتى الآن في معالجتها، رغم أنها من أهم الأبجديات التقليدية في بلد زراعي بامتياز كبلدنا..فنحن حالياً على أبواب حتمية “تحويل التراب إلى نقود” عبر النشر الأفقي الواسع للمشروعات الزراعية متناهية الصغر، وهذه مهمة الاتحاد العام للفلاحين بفروعة وروابطه وجمعياته المتموضعة في أريافنا من أقصاها إلى أقصاها.

ودور اتحاد الفلاحين هنا دور ريادي لأنه يتصل بأولوية إنقاذيّة بلون اقتصادي وطعم اجتماعي، تأتي – وهي شبه جاهزة كفرص- من بوّابة القطاع الزراعي الخصب والغني والسخي بعطائه اللامحدود..

والحال مماثل بالنسبة لاتحاد الحرفيين و الميزات العالية التي تقدمها الأيدي الماهرة  السوريّة، والتي تشكل أهم قاعدة حقيقية لبنية صادرات موعودة، مطلوبة جداً في كافة بلدان العالم، و ربما يمكن استنتاج ذلك بدقة من مراجعة السلع التي كانت تغادر الأراضي السورية بصحبة مسافر..كلها كانت عبارة عن إبداعات الأيدي الماهرة السورية من شرقيات و جلديات وموازاييك.. إلى آخر سلسلة منتجات الخصوصية السورية الطويلة العريضة.

و الأمثلة تنسحب على باقي الاتحادات والنقابات التي تحتضن سواداً واسعاً من “الجماهير” المنضوية تحت لوائها..وكل ذلك يمكن أن يجري بالتعاون والتنسيق مع الحكومة بوزاراتها النظيرة بالاختصاص للاتحادات المهنية.

يبدو أن اتحاد الفلاحين قد حزم أمره باتجاه أفق استثماري مديد، وعلى الأرجح سنجد ماهو ملموس على الأرض، قد لا يتأخر بالظهور كواجهة جديدة للقطاع الزراعي.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]