رجال مال وليس أعمال..سوريّة متخمة بـ “مغناطيسات” متحركة لجذب النقود

الخبير السوري:

من موقعنا كإعلاميين متابعين لـ”الحراك الاقتصادي” المحلي، ثمة تساؤل ذو حساسية عالية، طالما أخذ حيّزاً مهماً من تفكيرنا، ونحن نحاول تصنيف المستثمرين والاستثمارات في سورية بين الريعي والإنتاجي.

وخلاصة تساؤلنا تنصبّ حول إمكانية فرز المستثمرين الفاعلين في خانتين لا ثالث لهما: خانة المستثمرين “الريعيين” وخانة المستثمرين “الإنتاجيين”، علماً أن نسبة مهمّة من المستثمرين السوريين يجمعون بشيء من الخانتين، أي يتداخل لديهم الريعي والإنتاجي، وهذا أمر -والذي من المفترض أن يكون له إيجابياته المطلقة- نجده إلى حدّ بعيد سلبياً!.

فعلى سبيل المثال، لا نجد مستثمراً يُصنِّع سلعة ما –حتى ولو كانت مادتها الأولية محلية– يعمد إلى تحديد سعر تسويقي متوازن، تستطيعه الشريحة الأكبر من المستهلكين، لا بل نجد أن السعر يترك ليأخذ أقصى مدى في الارتفاع، نتيجة لتحكم المستثمر المُصنّع نفسه الذي هو أيضاً التاجر في الآن معاً!..

نعود لعملية الفرز، لنسأل أيضاً: هل هناك أية دراسة أو إحصائية تحدّد كم عدد “المستثمرين الريعيين” و”المستثمرين الإنتاجيين”، وبالتالي عدد الاستثمارات في كلا القطاعين وبشكل واضح وصريح.

لعلنا لا نجد مأربنا المحدّد لدى أية جهة عندنا، لأن تعريف مفردة “المستثمر” بالأصل تتنازعها الكثير من الاشتراطات والمتطلبات، وهذه متداخلة لدينا وملتبسة!.

ولو حاولنا التسمية أو التوصيف للمستثمرين الموجودين في سورية حالياً في الأزمة، وحتى سابقاً قبلها، فربما نخفق في التحديد والفرز ما بين “المستثمر التقليدي” و”المستثمر الجريء” و”المستثمر المخاطر”، إلى غيرها من تسميات، تشير كل واحدة منها إلى سلوك المستثمر عند توظيفه لماله.

وإن تفحصنا الأنشطة التي يحاول المستثمرون اقتحامها، فإنها متشعبة ومتعدّدة، فهناك “المقامرون” الذين يدخلون نشاطاً اقتصادياً ويخرجون منه بسرعة لغرض الربح السريع، وهناك “المضاربون” وهم نشطون في شتى النشاطات الاقتصادية والمالية ولكنهم يركزون على “البورصة” وتجارة السلع وشراء وبيع العملات.

ولكون الاستثمار اليوم لم يعد مقتصراً على فئة محدّدة من الناس، بل أصبح بإمكان أي إنسان ولوج أي نشاط استثماري، فإننا نودّ التركيز على خاصيتين تميزان النشاط الاستثماري في عالمنا المعاصر، حيث يبدو أننا أصبحنا ندور في فلكه، دون الأخذ بالحسبان الخصوصية السورية، وخصوصيات المرحلة ومتطلباتها الاستثمارية بعد سنوات الأزمة غير المسبوقة.

الخاصية الأولى، حسب عالم الاقتصاد الشهير توماس بيكيتي صاحب الكتاب المؤثر والذائع الصيت “رأسمال المال في القرن الـــ21″، لها علاقة مباشرة بنوعية الاستثمار. يقول بيكيتي: إن كثيراً من الاستثمار اليوم ما هو إلا مضاربة ومقامرة غايتها تكديس الأموال وحسب.

والخاصية الثانية أيضاً نستقيها من بيكيتي الذي يبرهن، من خلال دراسته الرصينة، أن هذا النوع من الاستثمار يزيد نخبة قليلة من الناس وهي بحدود 1% من السكان غنى، ولكنه يخفق في تراكم ثروة المجتمع ككل لأنه في الغالب لا علاقة له بتنمية الموارد من صناعة وزراعة وكذلك الخدمات.

خاصتان أسقطناهما على نشاطنا الاستثماري الحالي والسابق، فوجدنا في ضوء المعطيات والمعلومات “المتواضعة” لدينا، أنهما “حفر وتنزيل” على ما عندنا؟!!.

مربط الفرس، هل نتنبّه لما يغزونا ويغزو أسواقنا واستثمارنا وبالتالي خزائننا وجيوبنا، من خصائص خاتمتها تكديس الأموال، وبالمقابل تكديس الفقراء؟.

قسيم دحدل – البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]