التكوين الرأسمالي السوري والتدمير الممنهج؟

أ.د. حيان أحمد سلمان:

يعدّ التكوين أو التراكم الرأسمالي من أهم عوامل التنمية المجتمعية وتحديداً من دوره في أنه من أهم عناصر الدورة الإنتاجية الأربعة وهي (الأرض والعمالة ورأس المال وعامل التنظيم)، ورغم أهمية هذه العناصر بأكملها من خلال تناغمها وانسجامها مع بعضها إلا أن أهمية رأس المال Capital هي الأكبر بينها،حيث إنه جزء من الثروة المجتمعية ويساهم في زيادة القيمة المضافة وتحسين المؤشرات الاقتصادية وخاصة الكفاءة الاقتصادية، ومن هنا نتفهم اهتمام كل الدول بزيادة التراكم الرأسمالي أي (التكوين الرأسمالي) والذي مصدره الأساس هو الادّخار بتحوله إلى استثمار، وبغض النظر عن الخلافات الإيديولوجية بين المدارس الاقتصادية حول تحديد جوهر ومضمون رأس المال، إلا أنها جميعاً تتفق على أهميته في تحقيق الانطلاقة الاقتصادية والتنمية المجتمعية،وتطور مفهوم رأس المال مع الزمن، فمثلاً في القرنين السادس والسابع عشر ومع سيادة (المركانتينية أو النزعة التجارية) كان يقصد به بشكل عام المفهوم النقدي، ولكن بعد الثورة الصناعية ومع المدرسة الكلاسيكية (آدم سميث ودافيد ريكاردو) أصبح يشمل كلاً من الموجودات الثابتة والمتداولة، أي النقدية والسلعية، وفي المفهوم الماركسي ينظر إليه كعلاقة إنتاجية بين الطبقات المجتمعية، وحالياً، وفي ظل اقتصاد السوق، تعددت أشكاله وتوسعت دائرة شموليته ليضم (رأسَ مال ثابتاً ومتداولاً أو متغيراً واجتماعياً وفردياً وبشرياً ومالياً وتمويلياً وعاماً وخاصاً وتجارياً وصناعياً وزراعياً وعقارياً…الخ)، أي كل الوسائل التي تستخدم لإنتاج الخيرات المادية بمختلف أشكالها، ولذلك يعد أحد أشكال الثروة الوطنية بالمعنى الجمعي المجتمعي وخاصة الجزء الأساس منه وهو رأس المال الثابت، ونظراً لأهميته فقد تم إعطاؤه اهتماماً خاصاً من قبل الدولة السورية وحققت سورية قفزات نوعية بين عامي 2001 و2011، ويبدو هذا من خلال الجدول الآتي وبملايين الليرات وبأسعار عام 2000 الثابتة وحسب المجموع الإحصائي لعام 2017 الصفحة 440:

تبيّن الإحصاءات كيف عملت العصابات الإجرامية والدول الداعمة لها خلال سنوات الحرب في تناقص قيمة رأس المال الثابت من سنة لأخرى، سواء كان بسبب التدمير أو التهجير أو السرقة لمكونات رأس المال الثابت وخاصة في مدينة حلب وتحديداً من قبل عصابات أردوغان المجرمة، وبشكل مخالف لكل الأعراف الاقتصادية العالمية، وتعدّ هذه الخسارة من أكبر الخسائر المادية التي تعرض لها اقتصادنا فقد تراجعت قيمته في عام 2016 بالمقارنة مع عام 2011 بمقدار / 287218/ مليون ليرة سورية وبمعدل /82%/ أي أننا بحاجة إلى أكثر من /10/ سنوات لتعويض هذه الخسارة، وهنا نسأل: كم حجم الضرر الذي سببته هذه العصابات الإجرامية وداعموها للشعب السوري؟ وبالوقت نفسه ماذا لو لم يتعرض التكوين الرأسمالي السوري لهذا الضرر؟ كان بالتأكيد سيتضاعف عدة مرات وبما يضمن تحسين رؤوس المربع الاقتصادي (قيمة الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط دخل الفرد وتقليل معدل البطالة والتضخم)، فهل يمكن وبلغة الأرقام أن نتخيل حجم الضرر الذي ارتكبته العصابات الإجرامية بحق الشعب السوري؟ لكن قناعتنا أن إعادة التوجه لزيادة التراكم الرأسمالي ستكون في قائمة الأولويات للسياسة الاقتصادية الحكومية الحالية والمستقبلية وخاصة مع الانتصارات الكبيرة التي يحققها شعبنا وجيشنا على الإرهاب.

 

تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]