مدير “مكنة الفبركات الدردرية” يتكلّم بعد زمان ؟!!

 

الخبير السوري:

كان لافتاً أن يعاود الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش (وهو المدير العام السابق للمكتب المركزي للإحصاء) الظهور مجدداً بعد أن هدأ صوت الرصاص حول دمشق، وفي معظم المحافظات والمدن السورية ” أي في خواتيم الأزمة ، ليفصح عما يدور في خلده كرجل خبير وذي باع طويل في مجال الرصد وإنتاج الرقم الإحصائي الرسمي في سورية.

اللافت في ظهور الدكتور عربش – الذي نحترم – أنه تصدّى لانتقاد وتفنيد أرقام لسنا أساساً من مصدقيها ولا المشككين فيها، لأن كل ما قيل و يقال في ” بيدر الإحصاء” طيلة السنوات السابقة ، كان ترفاً أمام هول الحرب التي شنت على بلادنا، والحقيقة لم نكن نكترث إلا لأرقام عديد الشهداء ، أو أعداد الإرهابيين الذين علينا مواجهتهم وكانوا قطعاناً بالملايين.

يتصدى الدكتور عربش لأرقام مابين العام 2012 و2016 ، أي بعد تركه مهمته كمدير مكتب مركزي للاحصاء، وصولاً إلى تسلّم الحكومة الحالية لمهامها ، فالرجل يبدو أنه لايرغب بالحديث إلا عن ” الراحلين” .

وفي تصديه وما يبديه الشيء المهم، لولا أنه كان “سيد” فبركة الأرقام على زمن عبد الله الدردري الذي أعمى أبصارنا هو والدكتور عربش وقبله الدكتور إبراهيم العلي، بمعدلات نمو و تهويمات خلنا معها أننا في مدينة فاضلة و أننا في نعيم لم نكن لنحس به لولا أرقامهم.

مكنة إحصاء المرحلة الدردرية تتكلّم فماذا قالت ؟؟

وفقاً لصحيفة الوطن يرى الدكتور عربش، أن التنفيذ الفعلي لنحو 55 بالمئة فقط من الموازنات العامة خلال الفترة 2012 و2016 يؤكد أن تقديرات تلك الموازنات غير دقيقة، وأنها تعدّ في وقتها تنفيذاً للاستحقاق الدستوري الملزم بتقديم موازنة كل عام، إضافة إلى أنها تدّل على انخفاض نصيب الفرد الحادّ من الإنفاق الحكومي، ومن ثم التدني الكبير في مستوى الخدمات التي يحصل عليها المواطن.

وشدّد على أن الحكومة كانت تبالغ في تقديراتها عند إعداد الموازنات، علماً بأنه لا يمكن الاعتماد على الموازنات لحساب الإنفاق الحكومي الفعلي، وإنما يجب الاعتماد على قطع الحسابات، لكن ريثما تتوافر بيانات القطع، يمكن الاعتماد على الإنفاق الحكومي على الاستهلاك والاستثمار في إجمالي الناتج المحلي.

وأشار عربش إلى أن جلّ الإنفاق الحكومي هو للجاري أو الاستهلاك، مقابل نسبة بسيطة جداً للاستثمار، علماً بأن الجزء الأكبر من الإنفاق الجاري هو لكتلة الأجور والرواتب، مما يكشف عن وهمية أو خلبية أرقام الدعم التي كان يصرّح عنها كل عام، وقت مناقشة الموازنة، وإقرارها، لأنه لو كانت تلك الأرقام حقيقية، لكانت برزت في قطع الحسابات أو الإنفاق الفعلي للحكومة، مؤكداً أن هذا ليس تقشفاً، بل أسوأ من ذلك، لأن التقشف يكون خياراً مدروساً لحلّ أمر مفروض، على حين أن الحكومة تعيش لحظتها، في إدارة الشؤون العامة، أي تدير الأمور كل لحظة بلحظتها.

كما لفت عربش إلى أن الوقوف بدقة على حقيقة نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي، يقتضي تحريره من الفساد والهدر، والتباين في الإنفاق، بين مختلف شرائح المجتمع، وهو ما يعمق حالة تدني مستوى الخدمات التي يحصل عليها المواطن، مشككاً بصورة أساسية في العديد من البيانات والتقديرات التي يصدرها المكتب، خاصة المتعلقة بتعداد السكان.

بالعودة إلى تفاصيل الإنفاق الحكومي، فيقدّر إنفاق الحكومة على الاستهلاك والاستثمار خلال العام 2012 بنحو 542 مليار ليرة سورية، وذلك بناء على جداول الإنفاق على الناتج المحلي بالأسعار الجارية وبالأسعار الثابتة، ضمن الحسابات القومية، في المجموعة الإحصائية للعام 2017، المنشورة على موقع المكتب المركزي للإحصاء، وهو ما يعادل نحو 8.4 مليارات دولار أمريكي بحسب وسطي سعر الصرف الرسمي في حينها (64.5 ليرة سورية للدولار)، علماً بأن الموازنة العامة للدولة قدّرت في ذلك العام بنحو 1326.5 مليار ليرة، تعادل نحو 20.6 مليار دولار أمريكي، بحسب سعر الصرف نفسه.

وانخفض تقدير إنفاق الحكومة على الاستهلاك والاستثمار إلى ما يعادل 5.7 مليارات دولار (625 مليار ليرة سورية) في العام 2013، على حين قدّرت الموازنة العامة للدولة حينها بمبلغ 1383 مليار ليرة سورية، تعادل 12.6 مليار دولار، حيث كان وسطي سعر الصرف الرسمي وقتها 109.5 ليرة للدولار تقريباً، واستمر انخفاض تقدير الإنفاق الحكومة مقوماً بالدولار الأمريكي إلى ما يعادل أكثر من 4 مليارات دولار عام 2014 (786 مليار ليرة) على حين قدّرت الموازنة العامة للدولة حينها بمبلغ 1390 مليار ليرة، تعادل نحو 7.2 مليارات دولار، حيث سجل وسطي سعر الصرف الرسمي 194 ليرة للدولار تقريباً.

ووصل انخفاض تقدير الإنفاق الحكومي عام 2015 إلى ما يعادل 3.7 مليارات دولار (999 مليار ليرة سورية)، بينما قدّرت الموازنة العامة للدولة وقتها بمبلغ 1554 مليار ليرة سورية، ما يعادل نحو 5.8 مليارات دولار، حيث بلغ وسطي سعر الصرف في ذلك العام نحو 269 ليرة للدولار تقريباً.

واستمر الانخفاض أخيراً إلى ما يعادل 2.7 مليار دولار عام 2016 (1225 مليار ليرة) على حين قدّرت الموازنة العامة حينها بمبلغ 1980 مليار ليرة، تعادل 4.3 مليارات دولار، حيث بلغ وسطي سعر الصرف في ذلك العام نحو 458 ليرة للدولار تقريباً.

يشار إلى تدني نسب الإنفاق الحكومي على الاستثمار مقارنة بإجمالي الإنفاق العام، إذ يقل على نحو ملحوظ عن 20 بالمئة، على حين انخفض أحياناً إلى ما دون 10 بالمئة، لتتراوح نسبة الإنفاق الجاري أو الإنفاق على الاستهلاك؛ بين 80 و91 بالمئة من إجمالي الإنفاق العام، جلّه للأجور والرواتب، لنسأل الحكومة في الختام: أين مبالغ الدعم والإنفاق على المشاريع وإعادة البناء… وغيرها التي لم يهدأ المسؤولون عن تردادها والتغني بها خلال سنوات الحرب؟ وكيف ينسجم هذا المستوى الضعيف جداً من الإنفاق الحكومي مع إطلاق شعارات التنمية التي ارتقت إلى مستوى التنمية الشاملة في العام الجاري (2018) دون وجود إشارات عملية ملموسة لتحسن واقع الانفاق؟

تعليق 1
  1. عبد اللطيف عباس شعبان يقول

    أرى من الخطأ الكبير تدني نسب الإنفاق الحكومي على الاستثمار مقارنة بإجمالي الإنفاق العام، إذ يقل على نحو ملحوظ عن 20 بالمئة، على حين انخفض أحياناً إلى ما دون 10 بالمئة، لتتراوح نسبة الإنفاق الجاري أو الإنفاق على الاستهلاك؛ بين 80 و91 بالمئة من إجمالي الإنفاق العام، جلّه للأجور والرواتب،

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]