الهروب إلى واشنطن..بقلم: ناظم عيد

 

لن تكون زيارة الملك السعودي إلى واشنطن آخر محاولات آل سعود للاستعانة بصديق ما، يساعدهم في النزول من على “الشجرة العالية” التي صعدوا إليها على سلّم التصريحات والمواقف الرعناء، فثمّة انعطافات حادّة ورياح عاتية تعصف بأوراق اللعب في الأروقة السياسيّة، كما الميادين العسكرية، تتوعّد متسلقي الأشجار الواهية بسقوطٍ مدوٍّ.

ولعلَّ موضوعيّة التحليل هي ما يقتضي النظر من هذه الزاوية، فقد كنَّا مع نهايات الأسبوع المنصرم أمام مجريات مفعمة برائحة قلق فوّاحة من ردهات استضافة سلمان بن عبد العزيز في واشنطن، مع غياب مطلق لأيِّ “طعم” استراتيجي بالشكل الذي سوّقه تجّار الكلام والرسائل الجوفاء، ونعتقد أنَّ الطرفين وجدا في الغطاء الاقتصادي خياراً مناسباً للتعمية على التفاصيل السياسيّة المرتبكة في العلاقة بين الطرفين على خلفيّة المستجدات الإقليمية، فالأرجح أنّه ليس على عاقل أن يصدّق أنَّ “العجوز السعودي” حمل أمراض شيخوخته لمسافة سفر 15 ساعة في الطائرة ليعلن عن تشكيل مجلس أعمال أمريكي-سعودي، وليدعو الرساميل هناك للاستثمار في بلده، بل كان هناك جدول أعمال مُتخم بخلافات المصالح لم يرشح أي شيء بشأنه.. الملف السوري الذي يؤرِّق الطرفين.. الملف اليمني الذي غدا بعبعاً لكل دول الخليج وللسعودية خصوصاً.. ثم ترددات الاتفاق النووي مع إيران، ففي حنايا كلّ من هذه الملفّات الثقيلة ملامح تعارض في المصالح السعودية-الأمريكية لا بدَّ من النظر إليها في أيِّ قراءة لمستقبل المنطقة، وبما أنَّ الصمت غلّف نتائج اللقاء، يبقى علينا تخمين ما يصبُّ في خانة الخلافات وليس التوافقات، إن لم تحصل تنازلات سعوديّة حقيقيّة، وأغلب الظن أنَّ هذا ما حصل لأنَّه من الشروط اللازمة لـ “النزول عن الشجرة العالية”.

إلّا أنَّ ذلك لا يعني أنَّه علينا التسليم بحرص الأمريكي على تحقيق الاستقرار في المنطقة، بل ثمَّة مصالح اقتضت منه الانعطاف القسري، ولا بدَّ لحلفائه من الانعطاف معه، وربّما هذه مضامين الرسالة التي سافر سلمان ليتسلَّمها بنفسه دون وسطاء، وبالتأكيد سيكون لها ردود أفعال-سعوديّة ضمن المساحات الحرّة المتاحة للحراك بعيداً عن المصالح الأمريكيّة المباشرة، ولعلَّ الإمعان في إيقاد النار على الجغرافيا السورية هو أبرز ملامح ما يشبه الانتقام والتشفّي من جهة، ثم الانسحاب وجاهيَّاً وليس إدباراً، وهذا واضح الآن في مجريات التصعيد الراهن عبر أذرع الإرهاب، المدعوم سعوديّاً أو قطريّاً أو تركيّاً، لأنَّ قطر وتركيا في ذات الموقف بالغ الإحراج الذي يعتري آل سعود، وكذلك “إسرائيل” التي بدأت تعدُّ العدَّة لتلقي ضربات الإرهاب ذاته الذي دعمته ودجَّنته في سورية، وهذه ليست اجتهادات في التحليل وإنَّما معلومات حملتها تقارير مُسرَّبة من داخل غرف اجتماعات قادة “إسرائيل”، إضافة إلى مؤشرات دقيقة سياسيّة وعسكريّة تشي بحقائق ليست في صالح دول قرار “الحرب على سوريّة”، وهذا ما يحسن قراءته هؤلاء جيداً.

هي مستجدات علينا أن نجيد استيعابها نحن السوريّين، فقد أمسينا في مرحلة مفصليَّة في صراعٍ مصيريٍّ بامتياز، وفي ذروة تصعيد مفتعل ليس أقلّه السيارات المفخَّخة، فهذا من وحي يقينهم من الخسارة التي ارتسمت ملامحها في الأفق، وعلينا الصمود بمعنى يتعدى حدود ميدان المواجهة العسكريّة، إلى يومياتنا المعيشيّة مهما بلغت من القسوة، فبما أن حربهم علينا لم تكن مجتزأة، لا بد لنا من صمود غير مجتزأ.

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]