سورية أمام الانعطافة الأكبر من نوعها ..حقائق “تدحرج الأنوثة” إلى مضمار الرجال

الخبير السوري:

ارتفاع نسبة الإناث إلى الذكور في المجتمع السوري بات أمراً سهل الملاحظة، تستطيع ومن خلال مسح مصغّر تقوم به في مكان عملك، أو حتى في وسيلة نقل عامة، أن تلاحظ وبشكل واضح أن نسبة الإناث باتت متفوقة على نسبة الذكور، ربما تكون هذه الملاحظة دقيقة وتعبر عن اختلاف النسبة فعلياً، وربما ترجع لأسباب أخرى مثل وجود نسبة كبيرة من الذكور «الشباب» في الحرب أو خارج البلاد وابتعادهم عن المجتمع المدني الذي نعيش فيه، إلا أن الفرق الكبير في العدد سيؤكد صعوبة إرجاعه لأي سبب غير التغيير الديمغرافي الذي سببته الحرب، وهذا التغيير سيحمل معه حتماً تغيراً في كثير من أنماط الحياة السورية.

في أخر مسح قام به المكتب المركزي للإحصاء عام 2004، كان عدد سكان سورية 17920844 نسمة، وعدد الذكور يتفوق على الإناث، 9196878 ذكر، و8723966 أنثى، والمكتب اليوم بصدد الإنتهاء من إعداد مسح ديمغرافي جديد سيتضمن معرفة نسبة الذكور إلى الإناث في سورية اليوم، بعد أن وصل عدد السكان إلى24886311 نسمة.

مسح خاص..

معطيات لافتة تفضي إليها المسوح المصغرة لقياس الفرق في نسبة الذكور إلى الإناث، وذلك حسب عينات مختلفة بعضها من المفترض أن يتواجد فيها الذكور أكثر..

العينة الأولى، كانت لموظفي إحدى شركات التأمين، العدد الكلي 62، ذكور 23، إناث 39، النتيجة نسبة الإناث 62%

العينة الثانية، المعينين في مديرية تربية ريف دمشق مؤخراً العدد الكلي 1316، ذكور 129، إناث 1187، النتيجة نسبة الإناث 91%.

العينة الثالثة، طلاب أحد قاعات كلية الحقوق سنة رابعة، العدد الكلي 24، الذكور 12، الإناث 12، النتيجة نسبة الإناث 50%.

العينة الرابعة، مراسلي وسيلة إعلامية العدد الكلي 40، 16 ذكور، 24 إناث، النتيجة نسبة الإناث 60%.

العينة الخامسة، مستشفى تخصصي، العدد الكلي 883، ذكور 397، إناث 486، النتيجة نسبة الإناث 56%.

العينة السادسة، المعينين في المديرية العامة للمصالح العقارية في المحافظات، العدد الكلي 396، ذكور 270، إناث 126، النتيجة نسبة الاناث 31%.

وبقياس المتوسط الحسابي لجميع العينات نجد أن نسبة الإناث كانت 58.3% مقابل 41.7% للذكور.

ورغم أن هذه النسبة لا تعطي رقما دقيقاً بالتأكيد إلا أنها تعبر عن اختلاف فعلي في الديمغرافيا السورية، وما تبع ذلك من اختلاف أنماط الحياة واعتماد السوريين بشكل كبير، على الإناث منهم في العمل وإعالة الأسر، خاصة تلك الأسر التي فقدت معيلها الذكر.

أعمال جديد

ما يؤكد أيضاً ارتفاع نسبة الإناث، أن المرأة السورية اليوم دخلت سوق العمل بشكل مختلف، حيث أنها باتت تعمل أعمال لم تكن تتوقع هي نفسها أن تضطر للقيام بها يوماً!

في كراج طرطوس، على سبيل المثال، سلسلة من «البسطات» التي تقف فتيات طرطوس أمامها للعمل، في ظاهرة جديدة تماماً، وطبعا ما دفعهن إلى ذلك غياب معيل الأسرة، لأسباب إما تتعلق بالحرب أو لفقدانه فيها. التقت “الأيام” تلك الفتيات فأكدن أنهن لن يتوانين عن أي عمل، طالما يصون كرامتهن وأهلهن، ويؤمن لهن عيشاً كريماً لا يحتاجون فيه أحد. وغيرهن كثر ممن عملن «سائقة سرفيس، محل لحام، أو حتى تصليح السيارات»، هذه المهن الشاقة أرغمت السوريات للعمل فيها نتيجة حاجتهن، إلا أنه في الوقت نفسه جعلتهن يعدن النظر، في ضرورة تعليم بناتهن ورفع مستواهن حتى يكن قادرات على العمل في المستقبل بصورة مختلفة.

الأمم المتحدة: الإناث 70 %

من جانبها ترى حنان ديابي الباحثة الاجتماعية، أنه من الملاحظ أن نسبة الإناث ارتفعت على الذكور في المجتمع السوري، وهذا طبعا يعود إلى طبيعة الحرب والتي يشارك فيها الرجال أكثر، إضافة إلى ارتفاع نسبة المهاجرين من الذكور، لعدة أسباب، منها التهرب من الخدمة الإلزامية والاحتياطية وذلك لعدم وجود مدة محددة لها، ما يجعل الشاب السوري عرضة لضياع مستقبله المهني والعلمي بالإضافة إلى تدني مستوى المعيشية، الذي دفع بالكثير من الشباب للهجرة والعمل في الخارج، لإعالة عائلاتهم كون الذكور لايزالون في أغلب المجتمعات السورية هم المسؤولون المباشرون عن تأمين متطلبات الحياة لأسرهم. هذا إلى جانب استشهاد عدد لا يستهان به من الشباب خلال الحرب.

وتشير ديابي إلى أن الأمم المتحدة في نهاية عام 2017، تقريبا وفي دراسة لها أفادت أن نسبة الإناث في سورية وصلت إلى 70% للإناث، و30% للذكور.

أما عن تأقلم المجتمع السوري مع هذا التغيير الديمغرافي، فتقول الباحثة الاجتماعية أن ذلك يختلف من محافظة إلى أخرى، حيث اختلفت تحديات المرأة بين المحافظات التي تعرّضت لأعمال حربية مثل، حمص وحلب ودير الزور، عن تحديات المرأة الموجودة في الساحل ودمشق والسويداء على سبيل المثال.

المرأة… المعيل الوحيد

في المناطق التي لم تشهد أعمالا قتالية اضطرت المرأة إلى العمل بشكل مباشر، وعاشت ازدواجية الأدوار، فهي معيلة لأولادها نتيجة عدم وجود معيل «استشهاد رب الأسرة في كثير من العائلات»، أو غيابه، والظروف المعيشية الصعبة، كل ذلك دفع بها إلى العمل أيضا، وفي هذه المحافظات وجدنا المرأة موجودة بقوة في سوق العمل، وقامت بأعمال لم تكن تمارسها سابقا.

وعلى الرغم من أن ذلك كان إيجابيا إلى حد ما، في أن يعطي المرأة دورا أكبر في المجتمع، إلا أنه وبلا شك أثّر على تربية أولادها، وواجبها تجاههم، لأنها باتت تغيب وقتا طويلا عن منزلها، وفي السياق تشير ديابي أن المشكلة كانت في عدم ترافق زيادة الأعباء، مع قوانين تساعد المرأة أو أجور مناسبة تقلل من فترات عملها، أو حتى دور حضانة آمنة لأطفالها وبتكاليف مناسبة.

بالنسبة لحمص وحلب على سبيل المثال ومن خلال متابعتها على الأرض تقول الباحثة الاجتماعية: لم تشعر المرأة هناك أنها في بيئة آمنة لتعمل من جديد، كون الأعمال العسكرية كانت دامية في تلك المناطق، إضافة إلى أن المدن التي شهدت أعمالا حربية تحتاج إلى إعادة إعمار لتعود منشآتها وقوة العمل فيها، ففرص العمل هناك لاتزال قليلة نسبياً. ورغم ذلك، هناك نساء من تلك المحافظات تحدين الظروف وعملن بأعمال «ذكورية»، حسب ما يصنفها المجتمع ففي حلب هناك من تقود سيارة أجرة على سبيل المثال.

عنوسة وزواج ثان

وتضيف ديابي: ربما زيادة نسبة الإناث في المجتمع السوري كان له امتيازات فعلاً، حيث باتت كثير من النساء نتيجة هذه الظروف تسعى إلى العلم والعمل، ما لم تكن تفعله، إلا نسبة محددة وقليلة نوعا ما في فترة ما قبل الحرب، وواجب المعنيين اليوم الاستفادة من وجود المرأة في سوق العمل، والبحث عن قوانين جديدة تنصفها وتساعدها لتبقى فاعلة دوماً.

في المقابل دفع ارتفاع نسبة الإناث في المجتمع بالكثيرات، إلى القبول بالزواج الثاني، سواء أن تقبل المرأة لزوجها أن يتزوج من أخرى، أو حتى قبول العائلات تزويج بناتهن من متزوج، وهذا كان محصورا في مجتمعات قليلة قبل الحرب إلا أنه اليوم بات مقبولا اجتماعيا بشكل أكبر. هذا طبعا يعود إلى ارتفاع نسبة العنوسة والتي كانت نتيجة ارتفاع عدد الإناث أيضا.

ولادات مرتفعة للإناث

وزير التنمية الإدارية السابق أكد العام الماضي، أن هناك واقعاً ديمغرافياً أصبح حقيقة بعد سنوات الأزمة والحرب التي تتعرض لها سورية، معلناً أن نسبة الإناث اقتربت من 60% في المجتمع السوري، وهو ما يحتم زيادة الاهتمام بتأهيل وتطوير قدرات ومهارات العاملات، في الجهات العامة والقطاعات الحكومية المختلفة.

وعلى الرغم من أن الحرب تعدّ السبب الرئيسي في هذا التغيير الديمغرافي، إلا أن هناك سببا آخر كشفته رئيسة قسم الأطفال في مشفى التوليد بدمشق، الدكتورة نوار فرعون، حيث أشارت مؤخراً إلى أن نسبة ولادات الإناث تفوق نسبة الذكور بحوالي 10% من مجمل الولادات.

الانطباع لا يعطي رقم بياني حقيقي

من جانب آخر يرى الدكتور أكرم القش رئيس هيئة شؤون الأسرة السورية والسكان، أن التقديرات التي أعلنت عنها العديد من الجهات بشأن ازدياد نسبة الإناث بشكل كبير غير دقيقة، ولا يمكن لأحد أن يصدر الأحكام أو يعطي الأرقام إلا المكتب المركزي للإحصاء، لأن أي انطباع آخر لا يعطي بيان رقمي واضح وحقيقي، متوقعاً أن نسبة الزيادة فيما لو كان هناك زيادة لن تتجاوز 1%، ويشير رئيس الهيئة إلى أن المكتب المركزي للإحصاء يقوم حاليا بمسح ديمغرافي، من الممكن أن يصدر بصيغته النهائية خلال الأيام القادمة، موضحاً أن النسبة كانت قبل الحرب 102 – 105 ذكور، يقابلهم 100 أنثى، وأنه وعلى الرغم من ظروف الحرب والتي مست الذكور أكثر بقليل، إلا أن هذه النسب لاتزال متقاربة حسب وجهة نظره، فلا يمكن لموت 100-200 ألف ذكر على سبيل المثال أن يغير النسبة بشكل حقيقي مقارنة بعدد السكان.

 

مضيفاً: النسبة كانت سابقا 49% -51% بكفة راجحة للذكور، إلا أن الفرق اليوم لن يتجاوز بتقديري 52%- 48% لصالح الإناث.

 

وأكد القش أنه لا يعتد بأي استبيان جزئي في هذا الموضوع، حيث تختلف هذه النسبة مع اختلاف المجتمعات والمهن وغيرها، إلا أنها بالمعدل العام لن تختلف كثيرا عما كانت عليه قبل الحرب.

تمكين المرأة ضرورة

في النهاية ننتظر مسح المكتب المركزي للإحصاء، للحصول على النسب الدقيقة، إلا أنه وفي الوقت نفسه لابد من التأكيد على ضرورة أن تقوم الجهات المعنية، باتخاذ التدابير المناسبة لهذا التغيير الوارد، وذلك من خلال تمكين المرأة وتعزيز دورها، على اعتبارها باتت في موقف يفرض عليها تحمّل أعباء العمل، وبناء المجتمع، ولعب الأدوار الجديدة، فالحرب فرضت وجودها بقوة في جميع الميادين، وتمكينها اليوم حاجة أكثر من أي وقت مضى، فهي اليوم الحامل الرئيسي للأسرة والمجتمع والاقتصاد.

جريدة الأيام

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]