لوثة اجتماعية متسللة إلى مطابخ القرار تحكم على خيرة الكوادر السورية بالفشل

الخبير السوري:
إن كانت غواية الاستعراض لوثة اجتماعية، لا نعتقد أنه من الحكمة الاستسلام لها في أدبيات الإدارة التنفيذية، لأن مقتضيات القوانين تختلف تماماً عن إملاءات الأعراف، لاسيما و أن كمّاً هائلاً من التناقض يعتري هذه الأخيرة لدينا.
لسنا الآن في وارد الاسترسال عبر هذا المنحى الشائك، لكننا وجدناه مدخلاً لازماً لمقاربة ثقافة العمل المترهّلة، أو مفهوم “العيب المهني” كأخطر المشكلات البنيوية التي تتوعد خططنا التنمويّة، لا سيما في بعدها البشري، و أغلب الظن أننا لا نجافي الحقائق فيما لو نعتناه بالبعد الأساس والمركزي في أيّ تصالح أو مصافحة دافئة مع المستقبل.
ولو تحرّينا في التفاصيل لوجدنا أن بطالتنا نوعيّة في قوامها، أي عطالة حملة شهادات لا مكان لها في سوق العمل، حتى البطالة المقنعة التي تتجرّع مرارتها مؤسسات الدولة، غير بعيدة عن هذه الحيثيّة الهامة التي يتوجب علينا رصدها جيداً، إن أردنا التصويب والاستدراك فعلاً.
هنا نصل إلى مضمار التعليم المهني “الملعون اجتماعياً”، أو ربما تم إخراجه بشكل ومضمون هزيلين، والاستهتار بمخرجاته ليستحق ما عصف به من ضغينة تصل إلى درجة الحقد، وعلى الأرجح هذه هي الحقيقة، فالسياسات التنفيذيّة هي من حوله إلى نكبة لـ”المبتلين” به.
ولعلّه آن الآوان لتصويب الخطأ الجسيم الذي وقعنا فيه، فوراً ودون مكابرة، فالمسألة ليست تسجيل نقاط في مناظرة صاخبة، بل نحن أمام حالة تستحق التصنيف في خانة القضايا المصيرية على المستوى التنموي وامتداداته وتشعباته الكثيفة.
فلنقارن بين مهندس بتروكيميا اختار اختصاصة بعد مرحلة التعليم الأساسي فوراً، أي ثانوية نفطية تتبع للوزارة المختصّة، ثم معهد متوسط بذات الاختصاص، أو البتروكيميا كاختصاص أكاديمي جامعي، وآخر دفعت به درجات تحصيله في الثانوية العامة إلى ذات الخيار، بالتأكيد سيكون التباين واضح في المجال التطبيقي وهذا ليس مثار جدل بتاتاً.
والحال ذاته بالنسبة لكافة الاختصاصات المهنيّة التي تخدم أعمال القطاعات الفنيّة، فلماذا نلقي بالطلاب عشوائياً، كما حالياً، في برزخ تصفية بكل معنى الكلمة، وكأننا نتشفّى منهم لا نعدّهم ككوادر مستقبلية فاعلة وخبيرة..؟!
ثمة تصويب حصل بقرار رفيع المستوى، عبر تجربة المركز الوطني للمتميزين، وهي تجربة غاية في الأهميّة تؤكد إدراك أهمية توجيه نخب الخامات نحو اختصاصات مهنية راقية محورها مفهوم “الميكاترونيكس” وهو أساس في مستقبل أي بلد ينشد التنمية بأصولها وأدواتها الصحيحة.
التجربة يمكن أن تُعمم على نطاق واسع، ويجب أن تُعمم لأنها باتت خياراً لازماً، وهذا يستوجب أن تضطلع كل وزارة “فنيّة” بمهمة إحداث ثانويات ثم معاهد مهنيّة، تستقطب كوادرها وتتولاهم بالتأهيل والتدريب منذ نعومة أظفارهم، بموجب مفاضلات تجري للناجحين في التعليم الأساسي، ووفق الاحتياجات الحقيقية، أي فرصة عمل مضمونة تتكفل بتحقيق إقبال كبير على الدراسة المهنيّة، و سنجد أن الحال الراهن سيغدو معكوساً، ولن يكون التعليم المهني “محنة اجتماعية” لذوي طلابه، بل مثار تفاخر كما هو الحال بالنسبة للفائزين بمقعد في المركز الوطني للمتميزين، الذي يرفد فروع العلوم الأساسية في الجامعات السورية بكوادر عالية الكفاءة في التحصيل العلمي.
المهم أن نقلع عن حالة اصطفاء نخبة الطلاب للثانوية العامة، والدفع بضعاف الملكات والتحصيل نحو مفازات الفشل في الثانويات المهنية، لأن مناهج كمناهج الأخيرة كانت هي سبب قلّة التحصيل لدى من قادتهم معدلاتهم المتدنية في التعليم الأساسي نحوها، فباتوا عبئاً على مدارسهم و أهلهم على حدّ سواء.
فلنستدرك هذا الخلل الخطير، وليكن لنا في الطلاب الذين اختاروا التعليم المهني بتفوقهم لا بضعفهم أسوة حسنة، فهؤلاء الأطفال قد سبقوا حكوماتنا في تصويب أخطاء من طراز “الغلطة بكفرة”.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]