توطين الماركات في سوقنا أحدث صرعات العولمة الخادعة

 

 

خاص – الخبير السوري:

في زمن الانفتاح الاقتصادي وفتح الأسواق على مصراعيها أمام ولوج المنتجات الخارجية، باتت مسألة توطين الماركات العالمية الذائعة الصيت في سورية موضة اقتصادية ولغة تتردد على ألسنة فريقنا الاقتصادي الذي اعتبرها من أكبر إنجازاته خلال المرحلة القريبة الماضية، ولكن ما لبثت أن تكشفت على أرض الواقع الانعكاسات السلبية لمسألة توطين الماركات ولاسيما أن أغلب العلامات التجارية التي تم الترخيص لها تتجلى في صناعات خفيفة وكمالية لا تعتبر ضرورية أو ملحة لسوقنا ناهيك عن أنها جاءت على حساب مثيلاتها من المنتجات المحلية، كما أنها في معظمها منتجات اجترتها ولفظتها الأسواق العالمية منذ مدة ليست بالقصيرة ولاسيما الأسواق المجاورة لنا وبالتالي انعدمت فرصة تصديرها.

إذاً ما هي الدواعي الحقيقية للهاث وراء العلامات التجارية العالمية ووضعها وجهاً لوجه أمام منتجنا المحلي؟ أليس في ذلك مكسب حقيقي لتحفيز صناعاتنا المحلية لتصبح على مستوى المنافسة؟ ولكن هل الماركات الوافدة ملأت فراغاً ما في السوق المحلية أم إنها جاءت فقط على مزاج شريحة ضيقة من المستهلكين السوريين؟ أم هي فرص استثمارية سهلة تلقفها ممتهنو الربح السريع؟.

 

مواصفات أدنى

إن مسألة توقيع عقود مع شركات عالمية لإنتاج سلعها محلياً بموجب امتياز يسمح لها باستخدام اسم الماركة أو العلامة التجارية ووضعها على المنتج المحلي حسب رأي د.عابد فضلية الأستاذ في كلية الاقتصاد تبقى أفضل من استيرادها نظراً لأنها ملزمة للمنتج المحلي بمواصفات محددة ونوعية معينة تفرضها عليه الشركة الأم صاحبة الماركة، وبالتالي إكساب منتجنا المحلي خبرات إنتاجية جديدة نتيجة التعاون مع شركات عريقة كهذه، والأهم من ذلك هو إنتاجها محلياً، حيث يمكن أن يستخدم في مراحل تصنيعها مواد أولية محلية إضافة إلى أنها تحقق فرص عمل.

لكن مع كل هذه الأهمية للماركات المنتجة محلياً لا بد من الإشارة إلى تدني مواصفات السلعة ذاتها عمّا هي عليه في الموطن الأصلي للشركة الأم ويبين د.فضلية سبب هذه الإشكالية قائلاً:” أعتقد أن هناك التزاماً ولكن بالحدود الدنيا على المنتج المحلي تحقيقه بمواصفات السلعة متفقاً عليه مع الشركة الأم صاحبة الماركة، وقد تكون هذه الحدود متدنية لتحقيق الأرباح وتحصيل رسوم تكلفة الحصول على العلامة التجارية، ومع هذا هناك حد أدنى للنوعية المسموح بها للماركات المشهورة عالمياً حرصاً من الشركة الأم على الحفاظ على سمعة الماركة واسمها التجاري، وهذا لا يدخل في المخالفات التي قد يرتكبها المنتج المحلي عندما تكون الرقابة ضعيفة أو في حالات خاصة في ظل غياب آليات رقابية للشركة الأم من الناحية الفنية المتعلقة بمواصفات السلعة وخاصة إذا ما تعلق الأمر بمدى المطابقة بين المواصفات المتفق عليها أثناء منح الترخيص مع المواصفات المضمنة فعلاً في السلعة.

وأشار د.فضلية إلى أسباب أخرى تؤدي إلى حصول تدنٍّ في مواصفات السلعة علماً أنه أمر متفق عليه مع الشركة الأم ويحقق نظرياً الحد الأدنى للمواصفة السورية ومن هذه الأسباب تخفيض سعر التكلفة للإنتاج وترك هامش رسم تأخذه الشركة مانحة الماركة وبالتالي تخفيض سعر المنتج النهائي كي يتناسب مع القوة الشرائية في سورية.

 

استثمار ضيق

ومن سلبيات مسألة توطين الماركات في سورية اقتصار التراخيص الممنوحة والمبرمة بين مستثمرين سوريين والشركات صاحبة الماركات الشهيرة على بعض السلع مثل المشروبات الغازية والألبسة والأدوات المنزلية وهي حسب رأي د.فضلية غير ضرورية وليست الأهم للاقتصاد والمجتمع السوري، متمنياً أن يتم التعاون مع الشركات الكبيرة صاحبة الماركات المشهورة عالمياً ولكن في مجالات التصنيع ونقل التكنولوجيا وتوطينها وأخرى مثل الصناعات الكيماوية وصناعة السيارات والحواسيب والبرمجيات وتقنيات المعلومات والاتصالات والصناعات الثقيلة وخاصة التي تتوفر موادها الأولية في سورية.

وأوضح د.فضلية أن سبب هذا الاقتصار يعود إلى أن الشركات ذات الماركات المشهورة في مجالات الصناعات الثقيلة والالكترونية تعمل على احتكار المعرفة وتفضل أن تنتج في بلدانها أو أن تشرف بشكل مباشر على عملية الإنتاج في البلدان الأخرى كي تبقى مسيطرة على أسرار الإنتاج وهي لا تتعاون مع الدول النامية لتستمر مصدرة لها قدر المستطاع، كما أن توطين الصناعات الثقيلة يحتاج إلى أسواق كبيرة وهذا لا يتوفر في بلد نام بعينه، والشركات المانحة لاسمها التجاري لديها قدرة تصديرية عالية وهي ترغب في التعاون مع الأسواق المستوردة وليس مع الاقتصادات المنتجة، كما أنها تفضل أن تورد سلعاً جاهزة إلى الأسواق لعدة سنوات كشرط للتباحث مع بلد هذه السوق بشأن منحه الترخيص للإنتاج محلياً أي بعد أن يثبت المنتج المحلي جدارته وقدرته على ترويج وتسويق كميات كبيرة تحقق جدوى اقتصادية.

وجهة نظر

من وجهة نظر صناعية فرقت مصادر مديرية التخطيط والإحصاء في وزارة الصناعة بين مسألة استيراد السلع ذات العلامات التجارية ومسألة تصنيعها محلياً من خلال شراء اسم العلامة التجارية، فالمسألة الأولى حسب رأيها ذات طابع تجاري وتؤثر سلباً في الصناعة الوطنية، وهي ليست لها جدوى اقتصادية حقيقية، وتستهدف شريحة استهلاكية ضيقة، وهي عبارة عن وكالات تجارية تعمل على تسويق المنتجات.

أما في الحالة الثانية فأثرها إيجابي حيث كان لها أثر في تنشيط الصناعة المحلية ولها قيمة مضافة لما تحققه من فرص عمل وخلق منافسة مع المنتج المحلي ما يرفع من قدرته التنافسية كما أنها ستخفف من خروج الأموال التي تنفقها الشريحة المولعة بالعلامات التجارية خارج البلد في حال تم تصنيع هذه السلع ذات العلامات التجارية المحببة إليها داخل القطر.

أخيراً

مع أن الاقتصاد وجهات نظر والكل قادر أن يبين أن وجهة نظره هي الأصح لكن الواقع محكوم بالمتغيرات ولا توجد ثوابت في اقتصادات الدول والمصلحة تقتضي أن نكون أكثر واقعية تجاه هذه المتغيرات فلا ضير في الاستيراد ولكن ليس على حساب منتجنا المحلي، وفلسفة اقتصاد السوق كما عبر عنها د.فضلية التي تدافع عن استيراد السلع ذات الماركات ولو أنها غالية الثمن ولا تحقق قيمة مضافة بدعوى حرية السوق وحق المستهلك في الحصول على ما يرغب من سلع، أضرت كثيراً بمنتجنا المحلي لعدم وجود تكافؤ بين البيئة الإنتاجية المحلية والبيئة الخارجية.

كما أن فرصة تصدير الماركات الموطنة باتت ضيقة لناحية التصدير لأن ما وطناه تشبعت منه الأسواق الأخرى، وغالباً لا يسمح للمستورد أو حتى المنتج المحلي بموجب الامتياز بتصدير السلعة ذات العلامة التجارية إلى الأسواق الخارجية لأنها هي بدورها حصلت قبلنا على نفس الامتياز.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]