رقابتُنا و”امتحان الثّقة”..!؟

 

أيمن علي

كلّما فاحت رائحة فساد من مرفقٍ عام، أو من مالٍ عام منهوب؛ حلّقت إشارات الاستفهام وعلت وتيرة الهمس الشّعبي بالسّؤال: أين “قلاعنا” الرّقابية المُفترضة في رقعة شطرنجنا الإدارية، وفي المقدّمة منها: الهيئة المركزية للرّقابة والتّفتيش، والجهاز المركزي للرّقابة المالية؟ اللّذان أُنيطت بهما دستورياً وقانونياً مهام إماطة اللّثام عن لصوص المال العام، وأدوات الفساد الإداري والمالي، ودكّ معاقلهم وحصونهم أنّى وجدت.

همسٌ مبرّرٌ وتساؤلات مشروعة؛ استحضرها واقع الفساد الإداري المشهود في أجهزتنا الضّريبيّة، المتواطئة في كثير من مفاصلها، مع كبار المكلّفين من حيتان المال والأعمال، الذي يفوّت على الخزينة بإجماع المتخصّصين الاقتصاديين ما يزيد على 400 مليار ليرة كتهرّب ضريبيّ. وكذا واقع التهرّب الجمركي وما تعجّ به أسواقنا من بضائع مهرّبة دونما إجازات استيراد، أو بشهادات منشأ وهميّة تمّ تدليسها في ليل بهيم، وما يعني من ضياع على الخزينة يُقدّر بـ200 مليار ليرة، في ظلّ غيابٍ، أو حضور خجولٍ، لجهاتنا الرّقابية بالمطلق، يُعدّ من أهم مشاهد الضّعف في النّظم الإدارية، بعدما استولد هذا الكمّ الذي لا يستهان به من مظاهر الفساد في يومياتنا المعيشة، وأرخى بظلاله الثقيلة على الفرد وعلى المجتمع، والتي ما برحت تشكّل عوامل ضعف تُخلخل ثقة الجمهور بالهياكل الرّقابيّة القائمة وبعائديتها الوصائيّة أو الرعائية.

ولقائلٍ أن يُحاجّ: إنّ وجود هيئات رصينة وشفّافة تحظى بثقة رسميّة وشعبيّة، وبمواكبة صحفية وإعلامية، وتحرص على تحقيق سيادة القانون، ودكّ معاقل الفساد بشتى صوره وأشكاله؛ من شأنها تعزيز تماسك وقوّة المجتمع، فضلاً عن ترسيخ كرامة المرء في وطن أثخنته جراح الظّلام.

ما يجعل من الضّرورة بمكان وضع الغزوات الرّقابية لهذه المعاقل تحت دائرة الضوء الإعلامي لسببين؛ أولهما: لما يكتسيه فعل الرّقابة بحدّ ذاته من لبوس وطني بامتياز في هذا الظّرف العصيب الذي تجتازه البلاد؛ وما تواجهه من وضع مالي قاسٍ، ومن أعباء أثقلت كاهل الموازنة، في غمرة التّصدي للإرهاب ومنازلة قوى الظلام التي عاثت ودمّرت بُنانا التّحتيّة. وثانيهما: تحقيق فعل الرّدع الرّقابي، والوقائي، وما يستبطنه من طمأنة الجمهور على واقع حراسة المال العام من هذه الأجهزة بما هو صلب اختصاصها.

والحال أنّ أجهزتنا الرّقابية تبدو اليوم أمام جمهورها العريض؛ في امتحان مشهود، مادّته: استعادة الثقة المفقودة بها، من خلال إعادة النّظر بأدائها وبمخرجاتها؛ بما يُحقّق اجتثاث الفساد، والتّضييق على فرص تفشيه وانتشاره، وحراسة المال العام، واستعادة المنهوب منه..!.

أيمن علي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]