سابقة غير معهودة في وزاراتنا…وزارة تعلن مطارح إخفاقها وتشرح الأسباب..

 

اعترفت وزارة الاقتصاد في مذكرة مرفوعة إلى رئاسة مجلس الوزراء إنها أخفقت في تحقيق العديد من أهدافها، أهمها عدم تمكنها من استرجاع دورها كوزارة سيادية لعدم امتلاكها الأدوات اللازمة للتأثير في السياسات الاقتصادية الكلية رغم أنها المعنية بوضع السياسة الاقتصادية وتنسيقها وإدارة العلاقات الاقتصادية وخاصة فيما يتعلق بإدارة ملف الاستثمار لجهة تبعية هيئة الاستثمار لرئاسة مجلس الوزراء وعدم قدرة الوزارة على التأثير في السياسة الاستثمارية كونها أحد أهم السياسات الاقتصادية الكلية، إضافة إلى عدم وضوح الإطار التشريعي والتدخل بين عمل الوزارة والجهات الأخرى وخاصة ما يتعلق بوضع السياسة الاقتصادية الكلية.

كما أقرت الوزارة بعدم قدرة هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة على القيام بالدور المأمول منها نظراً لعدم توافر ذراع تمويلية للهيئة، فالهيئة تلعب دور المنظم فقط، إضافة إلى وجود نقص في الكادر البشري المؤهل القادر على النهوض بملف المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهذا لا ينطبق فقط على هذه المشاريع، حيث أشارت المذكرة إلى عجز الوزارة على تأمين المتطلبات اللوجستية لعملها ولاسيما الكادر البشري المؤهل لعمل الوزارة، وخاصة في ظل عدم وجود حوافز مادية كافية للعاملين.

وتأتي الاعترافات “التصالحية” للوزارة رغم اتخاذها مؤخراً خطوات يمكن تقوية قلبنا ووصفها بـ«النوعية» لجهة وضع خريطة طريق للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لضمان إبصارها النور وإن كان ذلك مشككاً فيه لجهة نقص التمويل اللازم، وتوسيع قائمة المستوردات اللازمة للصناعة الوطنية وإصدار دليل تطبيقي إلكتروني شامل لمنح موافقات وإجازات الاستيراد بشكل يحد من الفساد الذي كان منتشراً في أروقتها، إلا أنه قد لا نلمس حالياً تغيراً واضحاً في أداء وزارة الاقتصاد حتى وإن كان وزيرها الحالي ابنها وعارفاً بكواليسها وأدق تفاصيل عملها السلبية والايجابية إذ يستلزم ذلك وقتاً نأمل أن يكون قصيراً للإسراع بتخليص الاقتصاد من عيوب تراكمت وتركت ندبات تصعب إزالتها بسهولة إلا عبر خطة عمل منهجية تلامس الواقع وتضع حلولاً معقولة لإنعاش الاقتصاد المحلي ومعه المواطن وجيبه.

تدوير الإنتاج

وكانت «رئاسة مجلس الوزراء» طالبت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، بناء على توجيه في شهر حزيران العام الفائت، بعرض ما قامت به منذ تشكل الحكومة والصعوبات التي واجهتها طوال هذه الفترة، لترد الاقتصاد بمذكرة أكدت بدبلوماسية معهودة اتخاذها الإجراءات اللازمة لاستيعاب آثار الأزمة السلبية ووضع الحلول المناسبة للتأقلم مع هذه الظروف لتسخير الإمكانات المتاحة بأفضل السبل، معتمدة في تحقيق غايتها على خطة الحكومة الأساسية المنصبّة على إعادة تدوير العجلة الإنتاجية على نحو فعال لضمان توفير مستلزمات الإنتاج واستثمار جميع الموارد ضمن الجغرافيا الاقتصادية الآمنة لتحسين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية عبر توافر فرص العمل بوسائل متعددة ومبتكرة ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لزيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة.

إقرار

اعتمدت الاقتصاد  في تحقيق أهدافها على ذمة معدي المذكرة  على تطوير أداء التجارة الخارجية وتوجيهها نحو تصحيح الميزان التجاري عبر زيادة القدرة التصديرية، ما يؤمن إمكانية تمويل المستوردات المحفزة للنمو كمستلزمات الإنتاج الصناعي وتعزيز الموجودات من القطع الأجنبي.

وأعلنت الوزارة عن سعيها إلى استرجاع دورها المستلب على مستوى الاقتصاد الكلي وتشجيع الاستثمار وتفعيل التشاركية مع القطاع الخاص وتشجيع قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والصناعات الحرفية مع بناء شبكة علاقات اقتصادية دولية واستثمارها بشكل فاعل لمصلحة تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة، مع العمل على تفعيل دور الوزارة لدعم العملية الإنتاجية عبر عمل الأذرع التنفيذية مع تفعيل عمل المؤسسات والهيئات التابعة ولاسيما تعزيز حضور هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات وهيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

هل نجحت؟!

حاولت وزارة الاقتصاد في مذكرتها استعراض عملها في المجال المؤسساتي والإداري وتطوير أداء إدارة التجارة الخارجية، لتشير إلى أن أهم ما أنجزته اعتماد الآلية الخاصة بمنح الموافقات لإجازات وموافقات الاستيراد وبسقوف مفتوحة بالقيم والكميات، ما ساهم في تحفيز الطلب على العديد من المنتجات المحلية بعد استعادة مجموعة من القطاعات الصناعية عافيتها تدريجياً وخاصة صناعة الزيوت والسمون النباتية والكونسروة والصناعات الغذائية وبعض الصناعات الكيميائية وكذلك صناعة الألبسة، وهنا لا يمكن إلا أن نؤكد أهمية هذه الخطوة التي ساهمت فعلياً في تقليل نسبة الفساد الذي كان يشوب الآليات السابقة ليضمن منح الإجازات لكل المستوردين على قدر واحد من دون تفضيل تاجر على آخر لأن المادة هي ما يحدد منح الإجازة وليس اسم التاجر وماله، وزاد من فعالية هذه الآلية إصدار الدليل التطبيقي الإلكتروني الموحد لمنح إجازات وموافقات الاستيراد وفق البنود الجمركية الثمانية للتعرفة الجمركية المطبقة للعام 2017، حيث أصبحت الآلية التنفيذية بموجبه لكل المعنيين سواء من الفعاليات الاقتصادية أو المستوردين بشكل يعفي المستوردين عن مراجعة أو سؤال الوزارة أو مديرياتها حول المادة التي يرغب باستيرادها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن البنود الجمركية المتعلقة بالمواد الصناعية ومستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي قد حازت ما نسبته 75% من أصل كل المواد المسموح باستيرادها، في حين شكلت المواد الغذائية والأساسية غير الغذائية ما نسبته 25% من هذا الدليل، كما ارتفعت حصيلة مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي منذ تطبيق الآلية ولنهاية عام 2016 حوالي 3 أضعاف عن الفترة المماثلة من عام 2015، كما ارتفعت حصة المواد الغذائية بنسبة 13% عن الفترة نفسها عن عام 2015.

تنشيط الصادرات

شهدت حركة الصادرات خلال العام الفائت تحسناً مقبولاً قياساً بأعوام الأزمة السابقة، لكنه لا يزال دون مستوى الطموح، لذا عمدت وزارة الاقتصاد حسب مذكرتها من أجل تنشيط حركة الصادرات على تشخيص المعوقات التي تقف حائلاً أمام تحقيق هذه الغاية مع وضع حلول لتجاوزها، لتعتمد في ذلك على وضع آلية تنفيذية لتصدير الحمضيات والإجراءات الواجب اتخاذها من كل الجهات المعنية لضمان نجاح الآلية، مع إصدار قرار القاضي بتشكيل لجنة على مستوى المحافظات للكشف على منشآت الفرز والتوضيب وضمان جودة المنتجات المصدرة مع إعداد برنامج لإدارة ودعم النقل التصديري يتضمن تحمل هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات لجزء من تكاليف عملية الشحن، لكن رغم اتخاذها هذه الخطوات لا يزال تسويق الحمضيات يشوبه الكثير من الإشكاليات بشكل جعل المزارعين يفكرون في قلع أشجارها من دون التمكن من اتخاذ إجراءات نوعية تنصفهم وتضمن تحقيق ربح معقول يعفيهم من الخسائر المتتالية سنوياً وإن كان العام الفائت أفضل من غيره بنسب تكاد لا تذكر.

وللترويج لصادراتنا وخاصة في الدول الصديقة كروسيا، أشارت المذكرة إلى توقيع مذكرة تفاهم مع شركة «أديغ» الروسية وشركة القرية الصادرات والواردات لإحداث البيت السوري في روسيا بشكل أولي في مدينة «ما يكوب الروسية»، مؤكدة أن العمل جار حالياً على تجهيزه وتزويده بالمنتجات السورية، كما تم تجهيز فرع البيت السوري في «الأورال» لاستقبال المنتجات السورية على أن تعمم التجربة في أغلب الأقاليم والمدن الروسية ومنها موسكو، إضافة إلى التعميم على الشركات التي تمتلك القدرة على التصدير للعمل على الانضمام لنقطة تجارة سورية الدولية لعام 2017 والعمل على إعادة افتتاح المعرض الدائم للمنتجات السورية المعدة للتصدير، حيث تم استقبال حوالي 40 شركة كمشاركين جدد بالمعرض ويتم العمل على الإعلان لاستقبال المزيد من الشركات والاستعداد لإقامة فعالية اقتصادية على هامش معرض دمشق الدولي، مع إصدار نشرات أسعار تأشيرية بشكل دوري خاصة بالصادرات السورية إلى روسيا الاتحادية بما يتيح إمكانية استفادة هذه الصادرات من الحسم الجمركي الذي تطبقه روسيا والبالغ 25% من قيمة الرسم الجمركي مع إيداع الجانب الروسي مشروعاً مقترحاً من قبل المؤسسة العامة للمناطق الحرة لاتفاقية تعاون بين البلدين في مجال إقامة مناطق حرة اقتصادية وتخصيصية، كما أكدت وزارة الاقتصاد على التواصل مع الجانب البيلاروسي لاستئناف العمل بخصوص تنفيذ مجموعة من المشاريع الاســــتثمارية البيلاروســــية في سورية، والتحضير لتوقيع مذكرة تفاهم بين المركز الوطني للتسويق ودراسة الأسعار لدى وزارة الخارجية البيلاروسية وبين المؤسسة العامة للتجارة الخارجية السورية.

وفيما يخص العلاقات الإيرانية فأشارت الاقتصاد إلى التنسيق مع هيئة التخطيط بشأن القيام بالتحضيرات الفنية اللازمة لعقد اجتماعات اللجنة السورية الإيرانية خلال الفترة القادمة مع قطف ثمار المراسلات التي تمت بشأن تمديد اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.

ولفتت المذكرة إلى أن الوزارة تعمل على إنشاء قاعدة دقيقة لبيانات التجارة الخارجية بالشكل الذي يمكن من دراسة وتحليل هذه البيانات وتالياً المساعدة في رسم سياسات اقتصادية حقيقية.

حلقة مفرغة

وضعت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية مؤخراً خطة عمل لتفعيل عمل هيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي ظلت تحظى باهتمام إعلامي فقط من دون تنفيذ فعلي يكرس جدوى هذه المشاريع التي تشكل رافعة أساسية للاقتصاد المحلي، لكن رغم خريطة الطريق الهامة التي وضعت إلا أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة ستظل تدور في حلقة مفرغة مادام العنصر التمويلي لم يجد له حلاً واضحاَ يضمن تفعيلها، لكن الوزارة أوضحت أنها وضعت دراسة أولية لمقترح آلية استهداف للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بالتمويل لتوفير حزمة من الخدمات المالية والفنية تلبي احتياجات هذه المشروعات القائمة والجديدة ودعم رواد الأعمال وتشجيع ثقافة العمل الحر مع السعي لتخصيص هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بأراض وتجهيزها لإقامة حاضنات أعمال وتجمعات لورشات ومنشآت، ويتم حالياً إنجاز عملية تخصيص الهيئة بأرض مساحة 5 دونمات في أشرفية صحنايا بالتنسيق مع مديرية الزراعة المعنية.

وأكدت الوزارة سعيها إلى تفعيل هيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر إعادة الهيكلية والبحث عن مصادر تمويل تضمن تفعيل الدور المنوط بها في دعم المشروعات التي تعد حجر الزاوية في دفع العملية الإنتاجية، وقد تم بهذا الخصوص تحديد الحدود الدنيا والقصوى لحجم كل نوع من أنواع المشروعات، ويتم حاليا ًوضع الصيغة النهائية لدليل تعريفي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة يعرف بها وفق حجم النشاط والتوزع الجغرافي.

وأشارت إلى سعيها لإنشاء حاضنات أعمال والإشراف عليها عبر التنسيق مع الجهات المعنية في المحافظات للاستفادة من المناطق الصناعية والحرفية لإقامة حاضنات أعمال فيها، مع تأسيس بنك معلومات حول المهن والحرف التي يمكن توجيه الدعم إليها لتحريك ودفع عجلة الإنتاج مع إعداد مصفوفة للمشروعات المقترح تنفيذها ضمن الخطة القطرية المقترحة لعام 2017 مع وضع مصفوفة لعدد من المشروعات القائمة المتعثرة التي هي بحاجة إلى دعم والجديدة التي يمكن العمل على تنفيذها ضمن خطة استهداف للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في عدد من المحافظات.

عن “تشرين”

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]