“دخان” المازوت يعمي الحكومة والصناعيين…معالجات تشبه “الركل” من تحت الطاولة وفوقها..؟!!

 

قبل أن يحسم بقرار رسمي قطعي، قد يبدو تأمين المازوت للصناعيين بـ290 ليرة، الذي مرر بداية على «السكت» من دون «شوشرة» عبر توجيه من تحت الطاولة بذلك، قراراً رحيماً وخاصة أن المازوت اللبناني المستورد تجاوز سعره واصلاً للمنشآت الصناعية 400 ليرة في حينها، لكن عند التعمق ولو قليلاً بالقرار «الميمون» تظهر تداعياته السلبية ليس على القطاع الصناعي فقط وإنما على مجمل القطاعات، وخاصة عند المعرفة بوجود 3 أسعار للمازوت في السوق حالياً، ما يتسبب بإنعاش السوق السوداء وتشغيل روادها لأفكارهم الانتهازية، مستغلين دوماً حالة التخبط في إصدار مثل هذه القرارات، التي سيكتوي بنارها المواطن الغلبان لكونه سيضطر إلى دفع الفرق من جيبه من دون حتى منحه شرف الاعتراض على زيادة واقعه المعيشي سوءاً.

غموض استباقي

التستر على إصدار قرار سعر المازوت إلى 290 ليرة يظهر جلياً من خلال عدم إصدار قرار رسمي بخصوصه إلا بعد 3 أشهر من توجيه اللجنة الاقتصادية بهذا الشأن للفعاليات الاقتصادية، التي سادت وسطها حالة من التخبط بسبب عدم معرفة أغلبية الصناعيين بمضمون ذاك التوجيه، الذي أكد أحد أعضاء مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق رفض ذكر اسمه أنه لم يكن يعلم بتفاصيل التوجيه العجيب على قوله، بدليل أنه كان يسجل للحصول على المازوت من شركة المحروقات بسعر 180 ليرة رغم التوجيه برفع سعر المازوت إلى 290 ليرة، لكنّ صناعياً آخر من حلب أكد أن الضجة حول رفع سعر المازوت إلى 290 ليرة مستغربة نوعاً ما باعتبار أن السعر ارتفع منذ أكثر من 3 أشهر من دون إصدار قرار رسمي بذلك، وإنما مجرد تعميم أرسل إلى غرفة صناعة حلب حينذاك يؤكد على بيع المازوت للصناعيين بسعر التكلفة من دون تحديد أي رقم للتسعيرة الجديدة علماً أن هناك شركة خاصة كانت تقوم وما زالت ببيع المازوت بأقل من السعر المحدد من الحكومة بـ5 ليرات، بغية تشجيع الصناعيين على الشراء منها.

وحده طلال قلعجي عضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها أكد في حينها أن زيادة سعر المازوت إلى 290 للصناعيين بدأت بالتطبيق فعلاً من دون إصدار قرار بذلك وأنه تم الاكتفاء بالتوجيه بذلك فقط، لكن الأمر كان نافذاً منذ ذاك الحين، حيث بدأ الصناعيون بتسجيل مخصصاتهم في شركة المحروقات للحصول على المازوت لمنشآتهم بسعر 290 ليرة، وخاصة أنهم كانوا يأخذون المازوت المستورد تقريباً بحدود 380 ليرة، مشيراً إلى أن التعتيم مسبقاً على إصدار القرار رسمياً سببه الخوف من تسببه برفع سعر المنتجات، التي حتماً ستتضاعف قيمتها بسبب زيادة سعر المازوت، مشيراً إلى أن وجود ثلاثة أسعار لمادة المازوت سيؤدي إلى إنعاش السوق السوداء بشكل يزيد واقع المنشآت الصناعية تردياً وخاصة في ظل ما تواجهه الصناعة من صعوبات وإشكالات كثيرة.

خطوة غير مدروسة

يعد قرار رفع سعر المازوت إلى 290 ليرة خطوة غير مدروسة ستؤدي إلى ترك آثار سلبية على الصناعة والمشتغلين فيها بينما المستفيد الأول والأخير من هذه الزيادة التجار، حسبما يؤكد الصناعي الحلبي محمد الدباغ، الذي أكد أن الصناعيين لم يطالبوا أساساً باستيراد المازوت من لبنان، ومن طالب بذلك ستكون له مصلحة شخصية حتماً، مستغرباً من يقول إن الصناعيين في دمشق طالبوا باستيراد المازوت بـ340 ليرة، إذ لا يعقل مهما كان واقع معملهم المطالبة بمثل هذا الأمر ليسهم لاحقاً بإصدار قرار رفع سعر المازوت، الذي سيتضرر منه الجميع، مشيراً إلى أن بعض الصناعيين في دمشق أكدوا أنهم لم يستلموا المازوت المستورد بـ340 ولا بـ290 ليرة، لأن وضع الكهرباء مقبول حالياً، مؤكداً أن سعر المازوت يأتي مهرباً من لبنان عبر باصات النقل الداخلي بـ290 ليرة منذ بداية العام، علماً أن سعر المازوت حسب تكاليف استيراده يجب ألّا يتجاوز سعره 255 ليرة، فلماذا يسعّر بـ295 ليرة، متسائلاً عن أسباب زيادة سعر المازوت في حلب 5 ليرات عن بقية المحافظات، هل لأنها عاصمة الصناعة في سورية، إضافة إلى عدم تأمين الكهرباء التي وعد بإيصالها إلى حلب منذ عامين من دون تنفيذ هذه الوعود في وقت تتناقص المعامل, والصناعات التصديرية تهاجر، مطالباً وزارة النفط بإعادة دارسة القرار من جديد وأن يكون السعر أقل من السعر المتداول في لبنان.

يوافقه ماهر الزيات عضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها حول تداعيات القرار الخطرة على الصناعة المحلية بحيث سيتسبب بإغلاق عدد من المعامل نتيجة عجز أصحابها على تأمين المازوت بهذا السعر، ليعود ويؤكد أن تأمينه بهذا السعر أفضل من فقده أو استيراده من لبنان بسعر يقارب 400 ليرة، ويبقى الرمد أحسن من العمى.

الظروف تحكم

وبالجهة ذاتها يتحدث الصناعي أيمن مولوي، مقدراً الظروف التي استدعت من الحكومة اتخاذ هذا القرار بقوله: حتى لا يقال إننا نختبئ وراء إصبعنا، فاليوم سعر النفط متغير عالمياً والمرحلة الحالية فرضت على الحكومة اتخاذ قرارها بالتوقف عن دعم الصناعيين فيما يتعلق بهذه المادة، ورغم أن هذا الأمر يؤثر في إنتاجية المعامل سلباً لكن المهم تأمين المادة، التي اضطر الصناعيون في وقت من الأوقات إلى شرائها بـ500 ليرة، لذا أصبحنا ممتنين للحكومة تأمينها بهذا السعر لضمان استمرارية الإنتاج، حيث أوقفت المعامل وعطل الإنتاج كلياً وترك عمال كثر المنشآت بسبب عدم توافر الكهرباء والفيول، لذا من المهم ضمان عدم توقف المصانع تحت أي ظرف حتى مع رفع سعر المازوت، الذي سينعكس حتماً على سعر المنتج النهائي.

الخطأ يتكرر

ليست المرة الأولى التي يتسبب بها قرار يتعلق برفع سعر المشتقات النفطية بحصول بلبلة بين الأوساط الصناعية والتجارية وحتى عند المواطنين، إذ صدر في العام السابق قرار حدد سعراً خاصاً بالصناعيين مختلفاً عن السعر المدعوم للمواطن، إضافة إلى إصدار قرار آخر يتعلق بتسعير المازوت بين المحافظة الواحدة يختلف عن تسعيرته عند التنقل بين المحافظات، ما تسبب وقتها بإنعاش السوق السوداء وكسب تجارها أموالاً طائلة، تعد خزينة الدولة أولى بها، إضافة إلى تكبدها خسائر كبيرة من جراء دفع مليارات الليرات لاستيراد المشتقات النفطية لتذهب إلى جيوب الفاسدين وتجار السوق السوداء، وهنا ينفي سمير الحسين مدير عام سادكوب احتمالية إنعاش هذه السوق وخاصة حالياً بعد توقف منح مازوت التدفئة للمواطنين والاقتصار على الأفران والنقل والمشافي والمؤسسات العامة المحتاجة للمادة، فعلى قوله تنتعش السوق السوداء حينما يتم استغلال الفارق بين سعر التدفئة والسعر المخصص للصناعيين، الذين تخصص لهم كميات محددة بعد تقديم طلباتهم من قبل لجنة المحروقات في المحافظة ومديرية الصناعة، حيث تتم دراسة حاجة كل معمل على حدة وبناء عليه يتم تخصيصه بالكميات اللازمة، مؤكداً أن المادة حالياً متوافرة ولا يوجد أي مشكلة إطلاقاً بهذا الخصوص بحيث لا يتم إنقاص الكميات التي يتطلبها الصناعيون إلا في حال وجود نقص في المازوت، الذي يُؤَمن من خلال نواقل تكررها المصافي وليس استيراداً من لبنان، لكن بمقدور الصناعيين استيراده عند الحصول على الموافقة المطلوبة حسب مدير عام سادكوب، إلا أنهم لم يعودوا يلجؤون إلى هذا الخيار بعد تأمينه الحكومة بأقل من التكلفة.

أضرار بالجملة

ولم يختلف رأي أهل الاقتصاد عن أهل الصناعة في تأكيد الضرر البالغ لإصدار قرار رفع سعر المازوت إلى 290 ليرة على الصناعة المحلية ولاحقاً المواطن لكون الزيادة ستضاف إلى قيمة المنتج النهائي، وهنا تستغرب الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب إصرار الحكومة على استخدام الأدوات نفسها رغم اختلاف الظروف والمتغيرات مع لجوئها إلى استخدام أسهل الحلول وأبسطها عبر تعويض العجز في الموازنة العامة والقصور بمواردها المالية عن طريق رفع أسعار المشتقات النفطية، ما يعني التعويض بالنهاية من جيوب المواطنين.

وتحدثت الدكتورة سيروب عن تداعيات هذا القرار على الصناعة عبر تسببه بتضخم التكلفة، أي ارتفاع أسعار المواد والسلع المنتجة محلياً نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية، وهذا سينجم عنه تبعات أخرى، حيث إن ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى ضعف منافسة المنتج المحلي مقارنة بالسلع المستوردة وحتى المهربة سواء من حيث السعر أو من حيث الجودة في حال قرر المنتج عدم رفع الأسعار لكنه سيخفض بالنوعية، ما ينعكس على الطلب المحتمل على السلعة، وهذا يعني تراجع أداء القطاع الصناعي، وفي كلتا الحالتين سيؤدي ضعف تنافسية المنتج المحلي إلى زيادة الطلب على السلع المستوردة وكذلك المهربة، بشكل يتسبب في فقدان خزينة الدولة إيرادات جمة كان من الممكن الحصول عليها من الإيرادات الجمركية، وفقدانها للقطع الأجنبي نتيجة زيادة نشاط الاستيراد والتهريب، علماً أن ضعف التنافسية سيؤدي إلى عدم قدرة بعض المصانع على الاستمرار بالإنتاج، وتالياً توقفها وخروجها من السوق، الأمر الذي سيزيد معه عدد العاطلين عن العمل.

سوق سوداء

وأكدت سيروب أن القرار سيؤدي إلى إحجام العديد من المستثمرين والصناعيين عن إقامة مصانع جديدة، وباعتبار القطاع الصناعي يستحوذ حصة كبيرة من استهلاك المازوت، سيؤدي ذلك إلى إنعاش السوق السوداء في ظل وجود سعر أقل للمازوت من دون أن ينعكس ذلك على أسعار المنتج المحلي، وبناء على ذلك ستقوم الحكومة برفع سعر المازوت إلى كل الشرائح بذريعة الحد من نشاط السوق السوداء.

وأوضحت سيروب أن هذه التداعيات غير المباشرة ستتبعها نتائج غير مباشرة ستلغي مبررات إصدار قرار رفع سعر المازوت، إذ إن ضعف التنافسية ومعدلات البطالة وتدهور القوة الشرائية ستنعكس على الميزان التجاري وتسهم بزيادة العجز فيه مع خروج القطع الأجنبي من البلاد والعجز في الموازنة العامة، لأن إحجام المستثمرين عن التصنيع سيؤدي إلى خسارة الخزينة العامة الإيرادات الضريبية لهذه المنشآت ولعمالها.

إجراء معاكس

وشددت سيروب على أن الواقع الاقتصادي يفرض اتخاذ الحكومة إجراءً معاكساً عبر بيع المازوت للقطاع الصناعي بالأسعار المدعومة، تشجيعاً للصناعة المحلية وتدوير عجلة الإنتاج وتحفيز الإنتاج المحلي وتحسين المستوى المعيشي للمواطن وتخفيض معدلات البطالة، مؤكدة على ضرورة منح القطاع الصناعي والزراعي دعماً حقيقياً عبر تخفيض سعر الوقود والمشتقات النفطية حتى لو كان على حساب عجز الموازنة.

رحاب الإبراهيم – تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]