“دكاكين” لبيع شهادات الخبرة والعنوان ” تنمية إدارية”.. ..؟!!!

 

التدريب والتأهيل، وبناء قدرات العاملين بمختلف مستوياتهم الوظيفية،  كان برأي وزيرة التنمية الإدارية الدكتورة سلام سفاف من أهم محاور عمل الوزارة، ولذلك قامت بتنفيذ عدة برامج تدريبية استهدفت المستويات الإدارية العليا والوسطى والإشرافية، حيث بدأت تلك البرامج بتأهيل وتدريب العاملين في مديريات التنمية الإدارية المحدثة في الجهات العامة خلال عام 2015، وخلال عام 2016 نفذت الوزارة البرامج التدريبية والمشاريع منها برنامج الجدارة القيادية والذي استهدف شاغلي وظائف الإدارية العليا، معاون وزير ومدير عام ومدير مركزي، نفذ فيه 7 دورات، وكان عدد المرشحين 470،  وبرنامج المدرب الوطني المعتمد، فعدد الدورات 3، وعدد المرشحين 250،  وضمن مشروع المنظمة المعرفية، تم تنفيذ العديد من البرامج التدريبية الموجهة لشاغلي وظائف الإدارة الوسطى والإدارة الإشرافية، فيما البرامج التنفيذية نفذت 7 دورات، وكان عدد المشاركين 246  بينما في دورات الحقائب التدريبية نفذ   16 دورة، وعدد المشاركين  916.

الغاية.. التدريب

أما فيما يتعلق بتحقيق الغاية المنشودة من برامج التنمية البشرية التي نفذتها الوزارة، فتبرر سفاف ما يهمنا أن نوضح بأن تدريب العاملين على تنفيذ المهام المناطة بهم هو عملية مستمرة، ويجب ألا تتوقف عند مستوى وظيفي معين، بل يتوجب على كل جهة عامة السعي الدائم والمستمر لتطوير مهارات العاملين لديها، وصقلها، ورفع مستوى كفاءاتهم، وبالتالي تحسين أدائهم وإنتاجيتهم، ويتوجب عليها أيضاً تدريبهم على أساليب وتقنيات العمل الجديدة بهدف الارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطن في إطار ثلاثية (الجودة)، (السرعة)، (التكلفة).

اعتراف

غير أن السيدة الوزيرة عادت لتعترف بأن بعض الترشيحات لعدد من البرامج التدريبية لم تراع التوافق بين طبيعة عمل المرشح وموضوع البرنامج التدريبي، وفي هذا المجال تعمل الوزارة على وضع خطة تدريب متكاملة تبدأ بتقدير الاحتياجات التدريبية للعاملين وبمختلف مستوياتها الوظيفية في كل جهة عامة، ومن ثم تصميم البرامج التدريبية الملائمة وتنفيذها مع وضع أسس واضحة ودقيقة لمتابعة وتقييم التدريب وأثره على أداء العاملين وإنتاجيتهم في جهاتهم العامة، حيث إن دراسة مدى الاستفادة من البرامج التدريبية تتم بطرق عدة، منها التقييم القبلي والبعدي لمتبعي كل برنامج تدريبي، وتقييم أثر ذلك البرنامج على سلوكيات وإنتاجية العامل.

كلام بالعمق

بعد رد وزارة التنمية الذي طال انتظاره بسبب تقاذف المسؤوليات وضياع المرجعيات كما لمسنا،  والذي اختصر دور الوزارة بإقامة دورات تدريبية، حيث  لم نكن وحدنا المستغربين من إصرار وزارة التنمية الإدارية على ربط نفسها بالدورات التدريبة،  بل شاركنا التساؤلات الدكتور زكوان قريط.. لماذا نقوم بدورات تدريبية؟ ما هي الدورات التدريبية المطلوبة، ومن يحددها، وعلى أي أساس يتم اختيار المشاركين فيها، ومن يقوم بتولي هذه المهمة؟.

وتابع قريط، تقام الدورات لعدة أسباب أو أهداف (قريبة المدى أو بعيدة المدى) والكل يصب في بوتقة تنمية الموارد البشرية فكرياً وعلمياً، ويتوجب علينا تصميم دورات تدريبية بناء على دراسات معمقة حسب احتياجات السوق وليس بالاعتماد على برامج تدريبية مفصلة جاهزة مستوردة من هنا أو هناك تحمل في طياتها تسميات رنانة سيحدد ذلك سوق العمل عن طريق لجنة مختصة (كوادر أكاديمية – مهنية) تشخص الحالة بشكل صحيح ودقيق من مبدأ لكل داء هناك دواء.. علاج مناسب، ولكن للأسف على أرض الواقع نجد عندنا العلاج أو الدواء دائماً هو الأسبرين أو المسكن لتسكين الألم أو الخلل الحاصل في مفاصل الإدارة وليس معالجة شافية وكافية وفعالة للأمراض الإدارية التي تعاني منها معظم شركاتنا وخاصة القطاع العام، ويمكن الاعتماد على  القطاع العام بشكل مباشر عبر كوادره المختصة، وعلى سبيل المثال لا  الحصر، المراكز التدريبية المعتمدة في القطاع العام، والجامعة وكليات الاقتصاد، والمعهد الوطني للإدارة العامة، والمعهد العالي للتنمية الإدارية.

دكاكين لبيع شهادات خبرة

أما بالنسبة لدور القطاع الخاص، والكلام لقريط، للأسف أصبح سلبياً لأنه تحول إلى تجارة رابحة هدفها الكسب المادي وليس تنمية العقول الإدارية وتزويدها بالمعارف والمعلومات، بل ذهب إلى أبعد من ذلك فقد تحولت بعض المراكز والمعاهد إلى دكاكين لبيع شهادات خبرة وتدريب وفي أغلبها غير معتمدة أو موثقة، لذلك علينا التعامل بحزم وصرامة مع مثل هذه الحالات وإيكال المهمة وجعلها تحت مظلة القطاع العام حصراً وخاصة خلال فترة الأزمة.

كلام موزون

ومن كلام الدكتور قريط الذي لا يحتاج الى تأكيد إلى مبضع عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية الدكتور أسامة الفراج الذي قال لاشك إن تأهيل وتدريب وتنمية الفرد العامل، بشكل عام، سوف يكسبه مزيجاً من المعارف والمهارات والخبرات والأنماط السلوكية الجديدة أو يعزز ويصقل هذا المزيج ( أي إن الفرد هنا قد حقق مكاسب شخصية مؤكدة تساعده في نموه الشخصي وتطوير ذاته) إن مكتسبات التدريب الآنفة الذكر سوف تؤدي من الناحية النظرية بالنسبة للمنظمة، إلى زيادة في الإنتاجية وتحسن في جودة المنتج وزيادة في رضا الزبائن وتحسن في خدمة الزبائن وانخفاض في الفاقد والهادر (أي إن المؤسسة قد تحقق هذه الفوائد ولكن لا شيء مؤكداً هنا).

تنمية إدارية حقيقية

ولإحداث تنمية إدارية حقيقية، وفق الفراج، لابد من العمل ضمن محورين: محور الموارد البشرية: أي تأهيلهم وتدريبهم وتنميتهم إدارياً وهذا الدور تؤديه بعض المؤسسات الرسمية الأكاديمية والمهنية من خلال برامج علمية قوية ومتخصصة في جميع مجالات الإدارة ( ومثال هذه المؤسسات: المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق قسم إدارة الأعمال بكلية الاقتصاد المعهد العالي لإدارة الأعمال، المعهد الوطني للإدارة العامة، والأكاديمية العربية للأعمال الإلكترونية) وتتم عملية التأهيل والإعداد خلال فترة زمنية لا تقل عن سنتين وتخرج ما يقل عن 400 خريج سنوياً، وفي هذا الإطار أود الإشارة إلى أن المعهد العالي للتنمية الإدارية، وخلال الفترة من 2004 – 2007 نفذ أكثر من 70 حقيبة تدريبية سنوياً، وقد خضع للتدريب آنذاك أكثر من 3500 متدرب من العاملين في مختلف مؤسسات الدولة، ومن مختلف المستويات، وكانت تتم عمليات التدريب ضمن برامج ذات مدد زمنية قصيرة لا تتجاوز الـ 40 ساعة للبرنامج الواحد، واليوم يستطيع المعهد تنفيذ مثل هذه الدورات قصيرة الأجل من خلال ما يسمى بمكتب ممارسة المهنة، إلا أن الجدوى منها قليلة والفائدة الوحيدة التي يمكن الحصول عليها من هذه الدورات هو الفائدة على الصعيد الشخصي للفرد المتدرب، أي لا يمكن استثمار المعرفة لعدم وجود برامج إصلاحية تستخدم هذه المعرفة، وهنا تظهر أهمية المحور الثاني، وهو محور النظم الداخلية والعمليات الإصلاحية، أي الذراع التنفيذية لعملية التنمية الإدارية، وهذا الدور يفترض أن يكون مناطاً بمؤسسة وظيفية هي وزارة التنمية الإدارية المحدثة لهذه الغاية، أي خلق التنمية الإدارية، وجعلها واقعاً ملموساً يشعر به على حد سواء العامل، والمؤسسة، والمستفيد من خدمات المؤسسة.

وزارة دورات

ولكن، رغم حرص ودبلوماسية الدكتور الفراج، لم يستطع إلا أن يقول بطريقة النقد المبطن، وبنكهة الاتهام، فبعد مضي سنتين على إحداث هذه الوزارة يتساءل الجميع عما قدمته وتقدمه للمجتمع، فيبرز من بين كل الجهود المبذولة، والمشاريع التي عملت عليها لفترات زمنية طويلة، ما هو ملموس، ويتجلى ذلك في حديث الجميع عن الدورات التدريبية قصيرة الأجل، والتي كانت ناجحة بكل المقاييس، ولكن لمصلحة من؟ لمصلحة الفرد الذي تدرب فقط لا للمؤسسة التي ينتمي إليها، وذلك لعدم وجود برامج إصلاحية داخل مؤسسته ليفيد مما تعلّم.

كلام حق يراد به حق

لذلك نتساءل: هل اختلطت الأدوار، فهناك مؤسسات أكاديمية قامت وتقوم بأداء هذا الدور، وما على وزارة التنمية إلا أن تستثمر الطاقات البشرية التي تم تأهيلها في إحدى المؤسسات الأكاديمية المذكورة أعلاه المنتشرة في كل مؤسسات الدولة ضمن برامج إصلاحية تلائم طبيعة العمل، والمشكلات التي تعاني منها المؤسسة المعنية، وليس مناطاً بها إعادة تأهيل المؤهلين.. إن مشاريع كإصلاح الوظيفة العامة والمراتب الوظيفية.. إلخ هي مشاريع إذا ما تمت لها صفة التعميم، ونحن في ظل هذه الظروف العصيبة لسنا بهذا الوارد، فلكل مؤسسة خصوصيتها، ويجب الانطلاق من هذه الخصوصية، والاعتماد على المؤهلين في وحدات التنمية الإدارية لوضع برامج لإصلاح الأنظمة الداخلية، وتصويب إجراءات العمل، وبإشراف وزارة التنمية الإدارية من خلال مستشاريها في المجالات المختلفة، والحديث هنا حول الكيفية يطول، ولا مجال للخوض فيه.

انتقاء القيادات الإدارية

وفي سياق متصل،  والكلام لايزال للفراج، نقول: إن الأفراد الذين تم تأهيلهم إدارياً يجدون في أنفسهم الكفاءة لقيادة المؤسسات، وقيادة عمليات الإصلاح، إذاً هنا تبرز مشكلة عميقة أخرى وهي آلية انتقاء القيادات الإدارية.

من الناحية النظرية عندما يتم انتقاء شخص لمنصب قيادي فإنه يفترض أن يكون الأكفأ من بين كل المرشّحين لشغل هذا المنصب، ولكن على أرض الواقع عندما نجد أشخاصاً هم أكثر كفاءة من ذلك الذي تبوأ المنصب، نستنتج أن الآلية التي تمت بموجبها عملية الانتقاء غير ملائمة، والسبب في ذلك تأثر عملية الاختيار بالضغوط الممارسة على متخذ القرار، تجعلها تحيد عن مسارها في انتقاء الأنسب والأجدر، وحسب الخبير الفراج، تعلن المؤسسة عن المنصب القيادي الشاغر وفق المواصفات والمتطلبات التي تراها مناسبة، ويطلع العاملون في المؤسسة على الإعلان، ويتقدم كل من يرى أنه يمتلك الحد الأدنى المطلوب، ويحلل متخذ القرار جميع المعطيات، ويقابل من يتمتع بأعلى مستوى كفاءة من بين جميع المتقدمين، ويرشّح اثنين، ويتابع الإجراءات المعمول بها حالياً مع أنها غير ملائمة، ولكن ربما هو واقع لا يمكن تجاهله، ويستقر الرأي على واحد من بين المرشّحين الاثنين.

 

عارف العلي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]