رئيس الحكومة على مقعد الجامعة..بقلم:ناظم عيد

لا تبدو الحكومة مرتبكة أمام عقدة الاقتصاد التقليدية التي اعتدنا أن تعتري أداء الحكومات المتوالية على الأقل إبان الأزمة الراهنة، فاستحقاقات الملف الاقتصادي بكل تشعباته وتفاصيله باتت على الأرجح مُنجزة بأحرفها الأولى في الأروقة التنفيذية، وما لم يظهر بتجسيدات حيّة على الأرض قد لن يتأخر في الظهور، فشرط الزمن غالباً ما لا يقبل التجاهل والتجاوز، فلا بأس إذاً بقليل من التروي والانتظار.
هو استنتاج لم نستطع تبنّي ما يقلل من نفحة التفاؤل الكبيرة التي ينطوي عليها، بعد أربع ساعات ونصف من العصف الذهني في جامعة دمشق، بين المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء ونخبة من الإعلاميين وأساتذة الاقتصاد في الجامعات السورية.
ولعلّها سابقة أن يختار رئيس حكومة مثل هذه “المنازلة الاقتصادية” في عقر دار الأكاديميين، ويطلب تسخين الطروحات ورفع السقف بعيداً عن المجاملات، وقد كان لافتاً ما “اعتدّ” به الرجل من حصاد تسعة أشهر لعمل حكومته، عرضه بطريقة رقمية حاسمة دون إيحاءات إنشائية أو حذلقة حكائية، لنطمئن إلى نتائج طيبة بعد مقدّمات مكثّفة، بما أن الحكومة اختارت أن تبدأ تطبيقات مشروعها بأولويات ذات بعد استراتيجي عام، لا نخفي أننا توجّسنا من اتساع دائرته يوماً، فتأبط هذا الكم الهائل من الملفات، يكون دوماً محفوفاً بمخاطر عدم النجاح أو الارتباك.
إلّا أن مكاشفات يوم أمس أفضت إلى قناعات من شأنها تبديد قدر عالٍ من السوداوية التي استحكمت بالكثيرين، وربما هي نتيجة طبيعية لاختلاط الأوراق بفعل قسوة الظرف الذي ما زلنا نكابد تبعاته.
وربما سنكون خلال الأشهر القليلة القادمة على موعد مع إجابات عملية على كل التساؤلات التي تستفسر عن حصّة يوميات المواطن من كل ذلك الحراك الاستراتيجي، فلدى الحكومة سلّة مغرية، ومُختارة بعناية، من المشروعات “الإنقاذية” للفقراء، من الفكرة إلى التمويل إلى التسويق، وثمة كتلة نقدية جاهزة للضخ في قنوات التوظيف الصغير ومتناهي الصغر، وفي هذا إيفاء لاستحقاق تنموي اقتصادي، وآخر اجتماعي يراعي الحالة الأفقية المطلوبة بإلحاح في سياق معالجات الفقر والبطالة.
والواقع أن رئيس الحكومة نجح إلى حدّ ما – بقصد أو بغير قصد – بإلقاء الكرة في ملعب شركاء افتراضيين في مهمة الخروج من عنق زجاجة الأزمة، ولعلّه على حق، فخيارات الخلاص ليست مهمة حكومية بامتياز، بل مهمة جمعية لا تستثني مواطناً واحداً.
ولا نعتقد أننا مضطرون للخوض في جدليات عقيمة بعد الآن، من قبيل “أيهما أول البيضة أم الدجاجة”، فليس المهم على من تقع المبادرة، هل تحارب الحكومة الفقر بمساعدة الفقراء، أم يحاربه الفقراء أنفسهم بمساعدة الحكومة؟؟.
والحال ذاته بالنسبة للبطالة، ولمبادرات رجال الأعمال نحو استئناف أعمالهم، ولسلسلة طويلة من الاستحقاقات التي ينتظر المعنيون بها “سمكاً جاهزاً” من الحكومة بعد أن كرهوا الصيد أو استكانوا.
الخلاصة: إن كان رئيس الحكومة قد نجح في عرض “محاضرته” بجامعة دمشق، علينا ألا نتجاهل إصراره على تلقي نصائح الأساتذة مكتوبة، فإن كان “من شاور الناس شاركهم عقولهم”، فعلى الأرجح من شاور أساتذة الجامعات شاركهم أفكار الريادة الاقتصادية.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]