مستشار على قائمة الانتظار..بقلم:ناظم عيد

إن كانت حكومتنا قد نجحت في إعادة إحياء مجلسها الاستشاري، وهذا إنجاز يستحق الثناء، فلا بأس أن تكمل مهمتها وتلتفت إلى الإعلام الوطني، أهم “مجلس استشاري” قائم وناشط، تُنفق عليه عشرات المليارات سنوياً.

فقد كانت موفقة في اختيار من اختارتهم ليشكّلوا قوام فريق تقديم المشورة والنصيحة، سيما أنها تخطّت احتمالات الاتجاه الواحد في اتخاذ القرار، وأشركت ممثلي قطاع الأعمال في منظومة “الرأي المسموع” قاطعةً الطريق على تجليات خصلة الشكوى التي استحكمت برجالات البزنس، وكانت علامة فارقة مقيمة في تعاطيهم مع البعد المطلبي بأعمالهم.

إلّا أن العلاقة مع الإعلام كاستشاري بإمكانات هائلة، تتسع دائرة “مجلسه” على امتداد مساحة البلاد، غير متبلورة حتى الآن ولا بدّ من بلورتها، وغير ممأسسة لا بدّ من مأسستها، ولعلّها مازالت أسيرة نظرتين، الأولى تهكمية قديمة تنطلق من قناعة بائسة بأن “مزمار الحي لا يُطرب”، وهذه مشكلة في المتلقي وليس العكس، والثانية استعدائية تجيّر محتوى كل رسالة إعلامية هادفة، إلى استهداف “مُبيّت” لشخص في موقع المسؤولية أو مؤسسة أو قطاع.

ففي العرف التنفيذي درجت عادة هدّامة، وهي أن كل ما يُطرح في وسائل الإعلام، خصوصاً المطبوع، يستوجب الرد حتى لو لم يكن ثمة تهمة تستحق تكليف من يلزم من الحاشية الصحفية للمدير أو الوزير عناء إعداد مرافعة دفاعية وطلب نشرها “في ذات الصفحة وذات المساحة”، وهي العبارة المجتزأة من قانون الإعلام التي حفظوها عن ظهر قلب، وربما لم يحفظوا سواها.

وقد يكون من الموجع حقاً أن تكون الصحيفة مُضطرّة لنشر رد على تحقيق أو مقال استشرافي، لا يتهم أحداً بل يقدّم رؤى تطويرية لجانب ما في عمل وزارة من وزارات الدولة، ويستند إلى وجهات نظر خبراء ومتخصصين ممن تزخر بهم جامعاتنا ومؤسساتنا؟!..

الآن على حكومتنا أن تنجح في “استثمار” الإعلام والتصالح معه، وكسر العرف العدائي البغيض له في وزاراتها ومؤسساتها، وتهتدي إلى صيغة مكتوبة وملزمة تعممها على الجميع، لالتقاط الأفكار البنّاءة في الرسائل الإعلامية بنفس تصالحي، ولا بأس بالرد على ما يستوجب الرد، لكن آراء الخبراء “ونصائحهم” يجب ألّا تُلقى في القمامة، فهي بداية عمل تنفيذي، وليست مجرّد نهاية عمل إعلامي.

ولعله من الحكمة أن يكون ذلك بإشراف المجلس الاستشاري في رئاسة الحكومة، الذي يجب أن يكون حاضراً في كل وزارة ولو عبر موظف أو موظفين اثنين، يضطلعان بمهمة إعداد تقرير– للمجلس- عن الأفكار ووجهات النظر التطويرية التي انطوت عليها الرسائل الإعلامية يومياً.

ولا نعتقد أنه من الانتقاص أو العيب، أن يتواصل المجلس مع وسائل الإعلام لطلب رصد حالة أو خلل وتحرّي الآراء بشكل أفقي، لأن كل وسيلة إعلامية معزّزة بكوادرها المنتشرة أفقياً على امتداد مساحة البلاد، فإن كان استشاريو الحكومة مقتصرين في الهيكلية الجديدة على بضعة أشخاص، يمكن أن نضم إليهم عدداً هائلاً من أساتذة الجامعات، والخبراء وأصحاب التجربة، وهؤلاء ليسوا في وارد الاستعراض بما لديهم، والإعلامي هو الوحيد القادر على الوصول إليهم واستنطاقهم بما يخدم فكرة أو مشروع عام، بعيداً عن المصالح والرؤى “المأجورة” والساعية لمنافع ومكاسب شخصية ذاتية، فمدننا وأريافنا حافلة بذوي الخبرة، والإعلام هو الوسيط الفاعل لإعلان خلاصات ممارسة أكاديمية أو تجربة عملية.

 

بقي أن نقتنع جميعاً بأن “أوّلُ العلم الصمت، والثاني الاستماع، والثالث الحفظ، والرابع العمل، والخامس نشره”، ونعتقد أن مهمة الإعلام تنتهي هنا عند النشر، لتبدأ مسؤولية الجهات التنفيذية، إلّا إذا كان الإصرار على أن “مزمار الحي لا يُطرب” قد أخذ منّا مأخذاً يستوجب “الكي” كآخر خيارات العلاج.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]