سماسرة على ظهر السفن أكلوا “الأخضر واليابس”..الضحايا عمال سوريين

 

دمشق – الخبير السوري:

لا تزال أزمة العمالة البحرية السورية تشكل صداعا مزمنا في قلب وزارة النقل، نتيجة عدم وجود رغبات حقيقية لدى المعنيين في ضبط هذه العمالة البحرية من ناحية تنظيمها وإدارتها، وتقنين أوضاعها وحمايتها من المشكلات التي تواجهها منذ سنوات طويلة، والتي ارتبطت ارتباطًا وثيقا بارتفاع نسبة البطالة، إلا أن الوزارة وبحسب تقاريرها تؤكد على أنها قامت بإعداد  كافة الاحصائيات الخاصة بالعمالة البحرية من أرقام وبيانات ومؤشرات للعمل عليها لاحقا ضمن سياق تطوير وتنظيم ما يقارب 25 ألف عامل في قطاع النقل البحري.

لعل أبرز ما يقض مضاجع هذه الحيثية هو وجود كيانات ومكاتب بحرية خاصة وسماسرة  تعمل على استغلال أوضاع هذه العمالة، ما يستوجب بالنتيجة النظر بتأطير هذه ضمن تنظيم نقابي يضمن حقوقهم ويسر أعمالهم من جهة، ويرفد الخزينة العامة للدولة بقطع أجنبي يقدّر بعشرات الآلاف من الدولارات سنوياً من خلال العقود الخارجية الخاصة بتشغيل هذه العمالة خارج البلد من جهة ثانية، ولعلّ أبرز ما يمكن التعويل عليه حاليا هو ضرورة تدخل الجهات المعنية من “وزارة النقل وغرفة الملاحة البحرية”  في وضع آليات جديدة تحمي البحارة من تعرضهم لأعمال النصب، من خلال إحداث كيان قانوني يعمل على تسويق العمالة البحرية بشكل قانوني وضمان عمل حقيقي يوفر لهم حياة كريمة ويحميهم من استغلال السماسرة لظروفهم المعيشية الصعبة وخاصة خلال الفترة الحالية التي تمر بها البلاد من ظروف اقتصادية صعبة

خبرة

يؤكد بعض خبراء القطاع  أنه ورغم الظروف الراهنة إلا أن الطلب على العمالة البحرية السورية لا يزال مستمرا رغم تراجع الإقبال على العمالة بشكل عام لما يمتلكونه من خبرة، موضحين أن طرد العمالة البحرية السورية العاملة في دول الخليج مؤخراً تم نتيجة مواقف غامضة، ما يستدعي بالضرورة إحداث تنظيم نقابي يحفظ حقوقهم مهدورة حاليا.

وطالب هؤلاء الخبراء بإنشاء اتحاد أو نقابة للبحارة على أن تكون الجهة الوحيدة المسئولة عن تشغيل واعتماد عقود عمل للعمالة البحرية السورية، بإضافة إلى تحديد عددا معينا للقبول بالأكاديمية البحرية سنويا، بحسب متطلبات واحتياج السوق، فضلًا عن تدريب وتعليم الخريجين طبقًا للمعايير الدولية، بهدف تسهيل تسويق العمالة. مشددين على ضرورة وضع شروط محددة توضح كيفية التعامل مع البحارة السوريين لحمايتهم من عمليات النصب التي يتعرضون لها من قبل «سماسرة» إلحاق العمالة على السفن، وأكد أحد المختصين الأكاديميين بشؤون العمالة البحرية – رفض ذكر اسمه – أن هناك عدة مشكلات تواجه عمل البحارة  السوريين خاصة في الأسواق الخارجية سواء المهندسين البحريين، أو الضباط الملاحيين أو الأطقم الميكانيكية والفنية وأطقم الإعاشة.

وبين أن هذه المشكلات بعضها نتيجة لنظام التعليم المعني السوري المتعلق بالشأن البحري الذي يعتمد على التلقين، يؤدى لغياب مواهب البحث لديه، وأشار إلى أن تعلم وإجادة اللغات الأجنبية يعد من أهم العقبات التي تحول دون التحاق البحار  السوري بالعمل على السفن الأجنبية، خاصة في ظل مستويات العمالة الفنية، مضيفا أن نسبة كبيرة من العمالة البحرية، خاصة في المستويات الفنية لا تجيد اللغة الأجنبية، مقارنة بكوادر الأطقم الفنية من المهندسين البحريين أو ضباط الملاحة، والتي يختلف مستوى إجادتهم للغة تبعًا لمكان تخرجهم، وما حصلوا عليه من تعليم في المراحل المختلفة.

عمالة

ويرى عضو غرفة الملاحة البحرية حسين الجندي إلى أن العمالة البحرية السورية، كانت مؤهلة بشكل جيد مُسبقًا، أما حاليًا فلم تعد مؤهلة في ظل تحول العملية التعليمية الموجهة لإعداد عمالة بحرية جيدة إلى عملية «تجارية» بحتة، دون الاهتمام بجودة التعليم لدى الخريج. مضيفا أن هناك ثلاثة مصادر للعمالة البحرية، أولها: خريجو الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، والتي يعتبرها ذات نطاق «تجاري»، والثاني: الضباط المُتقاعدون من القوات البحرية، والثالث: أصحاب المؤهل المتوسط بمجال الخدمة البحرية. معتبرا أن السياسات الخاصة بالتعليم البحري لم تعد مرتبطة بسوق العمل، مشيرًا إلى أن العلاقة بينهم أصبحت علاقة تناسب عكسي في ظل عدم مطابقة إمكانية العامل لمتطلبات سوق العمل، موضحًا أن هناك استمرارية في ضخ أعداد كبيرة في سوق العمل، وفقًا لازدياد أعداد الحاصلين على الجوازات البحرية، والتي تُعَد أحد أسباب مشكلة العمالة البحرية.

عضو آخر أكد أن هناك سببًا رئيسًا آخر لأزمة العمالة البحرية، وهو تقلص الأسطول الوطني وتردى حالته، وعزوف مُلاك السفن عن تسجيلها تحت العلم  السوري مشيرا إلى أن الأسطول الوطني كاد أن ينتهي في ظل إهمال المعنيين له، موضحًا أن هناك تجاهلا واضحا للأسطول في نقل الصادرات والواردات، والعمل فقط من خلال الخطوط الملاحية الأجنبية.

سماسرة 

وأضاف عضو غرفة الملاحة أن سماسـرة العمل على السفن تحولوا إلى “ظاهرة” خطيرة  لم تحدث من قبل، وتخصصوا في المتاجرة بقوت البحارة العاطلين عن العمل، مشيرا إلى أن هؤلاء السماسرة يتقاضون ملايين الليرات من البحار لإيهامه بإيجاد فرصة عمل له على السفن الأجنبية، ثم بعد ذلك يتهربـون منـه أو يجدون له فرصة عمل لمـدة لا تتعدى الشهرين بالاتفاق مع مالك السفينة لشغل الوظيفة وتشغيل بحار آخر، مؤكدا على أن تقاضي سماسرة العمالة البحرية إجراء غير قانوني و مخالف لقانون العمل السوري، كما أنه مخالف أيضا لقانون العمل البحري الدولي، وإنما يحق لهم فقط الحصول على السمسرة من الشركات الطالبة للعمالة فقط. موضحًا أن العمالة البحرية وقعت في شباك السماسرة سعيًا للالتحاق بالعمل على أية سفينة والتي قد تكون «خردة» وتتعرض غالبيتها للغرق، في حين أنه لا يوجد لتلك العمالة التي تأتى عن طريق السماسرة، أية مرتبات مجزية في ظل عدم وجود نقابة أو حماية لحقوقهم.

وأضاف أنه لابد من التصدي لظاهرة «السمسرة» التي بدلًا من أن تحصل على مقابل من الشركات الطالبة للعمالة فقط، تتقاضي ملايين الليرات من البحارة لإيهامهم بالعمل بإجراء غير قانوني والعمل البحري الدولي.

ايجابيات

لعل مما سبق يستوجب التركيز على تعزيز مكانة البحارة السوريين ووضعهم على الخريطة البحرية الدولية، ودعم خططهم الرامية إلى تعزيز السلامة البحرية على السفن العاملين عليها، إضافة إلى تعزيز الاعتراف الدولي بشهادات الأهلية البحرية لكوادر وطواقم الدولة، ما سيؤدّي إلى التسويق الدولي لحملة تلك الشهادات، ويساهم في استمرار عملهم في السوق الدولية وعلى السفن التي تبحر في كل مناطق العالم، إضافة إلى توفير عائد اقتصادي كبير للدولة من خلال منح الشهادات التي تقدّر بعشرات الملايين من الدولارات، كما يفتح وجود تنظيم نقابي لهم آفاقاً جديدة في التدريب والتعليم البحري والتوسّع في عدد وأنواع مناهج الدورات والدراسات الأساسية البحرية مستقبلاً، وصولاً إلى تخريج أفواج من المهندسين والضباط البحريين، ويسمح بإصدار شهادات الأهلية البحرية لجميع مستويات الطواقم البحرية.

محمد زكريا

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]