بعد طول انتظار…المشاريع الصغيرة إلى غرفة الإنعاش بمساعدة “أصدقاء”…

 

حين تكون الصراحة والمكاشفة عنوانا أساسيا ليس لحوار اقتصادي فقط، بل لكي يُبنى على الشيء مقتضاه، وبالتالي تشخيص الواقع والانطلاق منه إلى تحديد المتطلبات الضرورية، نكون قد وضعنا قطار دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وما يستلزم ذلك من خطط وإستراتيجية على السكة الصحيحة. ولعل المقاربة التي انتهجتها وزارة الاقتصاد في هذا الموضوع الذي يعد من أهم المواضيع الاقتصادية وهو “دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة” كانت واقعية بامتياز، ويؤكد ذلك ما كشفه الدكتور سامر خليل معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية خلال ندوة الأربعاء التجارية أمس، عن أن أكثر من 17 جهة في سورية تُعنى بالعمل بقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وليس هذا فحسب بل اعتراف بأن كل جهة من تلك الجهات تعمل لوحدها ودون أي تنسيق ولا تعريف بينها لماهية تلك المشاريع.

خليل أوضح أن هذا الوضع يسبب تضيع للموارد والجهود التي بمكن أن تصب في خدمة هذا القطاع، خاصة في ظل عدم وجود سياسة واحدة وواضحة تُنتهج. بهذه البدايات الصريحة نرى إمكانية للتفاؤل في المراهنة على ما يحضر ليكون قطاع المشاريع الصغير والمتوسطة، قطاع رائدا في المرحلة الحالية والقادمة، حيث التعويل عليه كبيرا جدا نظرا لأدواره المتنوعة وفوائده المتعددة في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتأثر الاقتصاد الكلي به وفقا لمعاون الوزير الذي بيَّن أن أكثر من 85% من المشاريع القائمة في سورية هي مشاريع صغيرة ومتوسطة، وما يميزها أنها عائلية.

مؤشرات

أما عالميا فتشكل نسبة تلك المشاريع 90%، وأن نسبة ما بين 50 – 60% من فرص العمل تشغلها تلك المشاريع، وهذا مؤشر هام جدا ينعكس على الاقتصاد الكلي لتخفيض مستويات البطالة ورفع مستويات التشغيل، كما تساهم فيما يتجاوز الـ 46% من حجم الناتج المحلي العالمي. هذه المؤشرات لوحدها كفيلة لعكس أهمية دور تلك المشروعات في أي بلد. وأوضح خليل أن الفوارق بالمراد من دور للمشاريع المتوسطة والصغيرة تختلف ما بين الدول المتقدمة وبين الدول النامية، ففي الأخيرة والتي نحن منها قال: يُنظر لهذا القطاع على أساس أنه القطاع الذي يخفض معدلات البطالة ومستويات الفقر أي اتجاهات إيجابية، وإذا استطعنا تحقيق الأمرين فستكون الانعكاسات الإيجابية كبيرة على الاقتصاد بشكل عام.

إضافة لما تقدم من فوائد هناك فوائد أخرى لتلك المشاريع وأهمها توفير العرض السلعي والخدمي وهو أمر مهم، وهذا يفتح باب المنافسة بين المشروعات وبدورها أي المنافسة تنعكس على مستوى الجودة والسعر وبالتالي تطوير الأداء بشكل أكبر، كما أنها تؤمن تزويد البضائع للمشروعات الكبيرة، وهذا يعني ترميم لسلاسل القيمة الضرورة الوجود كي تستغني الشركات الكبيرة عن استيراد تلك البضائع (منتجات نصف مصنعة) من الخارج، عبر استجرارها من المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الداخل.

صعوبات

لا يمكننا بناء قطاع متخصص وتنافسي دون الحصول على بيئة تشريعية وهذا ما تم ويتم العمل على استكماله مع جميع الفاعلين المؤثرين، والصعوبات التي تواجه وزارة الاقتصاد بحسب خليل يتمثل أولها في مسألة التمويل والجهات التي تمول، ومع أنه بعد عام 2015 أصبح في سورية جهات خاصة بذلك، لكن تلك الجهات ومنها المصارف تطلب ضمانات كبيرة غير محتملة تصل لـ 200% من حجم التمويل، إضافة إلى أن القروض التشغيلية هي قروض قصيرة الأجل وبمعدلات فائدة مرتفعة، لذلك فإن توفير البيئة الداعمة لتلك المشاريع ما تزال ضعيفة في سورية، وكذلك عدم انتشار ثقافة ريادة الأعمال والإبداع رغم أننا من الشعوب المبدعة ، ويمكننا مع وجود تسويق ودعم  مناسبين أن ننتج، وهنا من الهام وجود تجمعات ليريادات الأعمال أو إنشاء تكتلات، والهام أيضا التخفيف من البيروقراطية والروتين وفق ما تقتضيه المرحلة.

تعويل

خليل أكد أن المطلوب تأسيس مكونات غير موجودة وهي في ظل هذه المرحلة يجب أن تكون حكومية ضامنة لقروض المشاريع ويمكن أن تكون هذه الجهة هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي صدرت بالمرسوم 2لعام 2016، باعتبارها حجر الأساس للمنظومة المؤسساتية الضرورية لتمكين هذه المشاريع من التوسع في الإنتاج و التشغيل. وسيكون لها الدور الأساسي تحديد آليات ومطارح دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة عبر ربط المؤسسات التمويلية بالمشروع الصغير والمتوسط وتوفير دعم الإنتاج والصادرات وإعطاء الأولويات والمزايا للشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث ستستهدف الهيئة في مرحلتها الأولى القطاعات الزراعية خاصة البيوت البلاستيكية وزراعة الأشجار المثمرة، وإعادة ترميم الثروة الحيوانية، والصناعات الزراعية وخاصة ” الكونسروة” وصناعة المفروشات.

ثالوث

إذا النظر للدعم بشكل قطاعي وجغرافي، وقبل البدء بهذا وغيره الوصول مع الجهات المحلية أولا لتحديد تعريف وطني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ليتم على أساسه وضع ورسم السياسات المؤدية ليأخذ هذا القطاع دوره الهام في هذه المرحلة ولاحقا استناد للخصوصية السورية ومتطلباتها الحالية والمستقبلية. ولعل المرسوم الذي صدر مؤخرا بإحداث مؤسسة لضمان مخاطر قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ووجود هيئة لدعم وتنشيط الإنتاج المحلي والصادرات، ووجود المؤسسات النقدية ( المصارف)، يمكن أن تشكل الثالوث الأهم لقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والذي يمكنه من النهوض بالاقتصاد الوطني على مختلف الصعد.

 

اتفاقيات داعمة

معاون الوزير كشف عن التحضير لاتفاقيات مع دول وجهات صديقة للمساهمة في تأمين التمويلات لهذا القطاع، كما كشف عن البدء بإجراء مسوحات للمطارح والمشاريع التي يجب دعمها وأنه خلال أيام سيتم المباشرة بموضوع تقديم الدعم، الأمر الذي سينعكس أيضا على القطاع غير المنظم إذ سيكون من صالحه الإعلان عن نفسه ليشمله ما سيقدم لقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سورية.

ويبقى التكاتف بين مختلف الجهات الأهلية والخاصة والعامة والوحدات الإدارية وغيرها العامل الرافع والرئيس لنجاح هذا المشروع الوطني الذي يحتاجه الاقتصاد الوطني، خاصة بعد أن اعترف القطاع المصرفي الخاص خلال ندوة الأربعاء بتوفر السيولة المالية، ولكن الخلاف والاختلاف يبقى على موضوع الضمانات والإئتمانات للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

قسيم دحدل

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]