روائح ” طبخة الشمال” العفنة؟!..بقلم: ناظم عيد

 

غالباً ما تأتي التحليلات والتحريات عن خفايا المسرح السياسي العالمي المترابط في التفاصيل والحيثيات ترابطاً وثيقاً لا يحيد عن تجسيدات قوانين السببية، بنتائج لا تبتعد كثيراً عن إسقاطات مقولة “تفسير الماء بعد الجهد بالماء” وذلك ليس لسطحية التحليل بل لتعقيدات المشهد العام الخاضع لعمليات تعمية وتموية نشطة تعمل عليها أروقة السياسة التي تشتغل بهمة عالية على رعاية المصالح التقليدية للدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية.

من هنا يبدو مطلوباً إجلاء أفق الرؤية ومحاولة إعادة تصويبها في زمن الضبابية والتشويش واختلاط أوراق لعب الكبار بأوراق الصغار الباحثين عن أدوار في هذا المسرح الكوني القلق.

لذا قد لن يكون بمقدور أي من مدعي نفاذ الرؤية فصل دور اللاعب التركي حالياً عن إسنادات من وحي السيناريو الأمريكي رغم فبركات الاختلافات الظاهرة ومحاولات الخروج على النص والارتجال التي يبديها هواة استرداد نفحات الريادة الآفلة من بقايا ممتلكات ” الرجل العجوز ”

ولعله من ضروب السذاجة تصديق المزاعم التي تتحدث عن خلافات أمريكية ـ تركية على خلفيات لجم الأولى لجماح طموحات السلفية العثمانية التي تستحكم بأصحاب القرار لدى الثانية، إن كان على مستوى تنازع وجهات النظر بخصوص “داعش” أو الأكراد، أو المنطقة العازلة داخل الحدود السورية. وإنما هي مسرحية “شد ورخي” مبرمجة وبتواتر سردي منظم لفصول تمت صياغتها بعناية فائقة.

فكيف نفسر ـ مثلاً ـ إحجام تركيا علناً عن المشاركة في الحملة ضد داعش، رغم أنها حملة استعراضية ثبت مع توالي الأيام أنها أشبه بالفانتازيا العسكرية ذات البعد السياسي. وما الذي تغير الآن لتعلن تركيا حملتها” المسعورة” ضد داعش؟ وهل فعلاً تجري عمليات من النوع العسكري بين الأتراك والتنظيم الإرهابي؟ ثم أي خلاف استجد بين الطرفين والعالم كله يعلم أن تركيا من أكبر داعمي هذا التنظيم الجوال.

وأي خلاف أصلاً بين واشنطن”رائدة الحملة الجوية” والتنظيم الإرهابي المستهدف إعلامياً؟! ونسأل أيضاً إذا كانت تركيا تحارب داعش وهي التي تدعم جماعة “جبهة النصرة” الإرهابية لماذا بادرت الأخيرة الى ضرب واختطاف قادة أحد التنظيمات التي تدعي واشنطن أنها أعدتها لقتال داعش “في الشمال السوري”، فيما المفترض أن يكون ماحصل هو مهمة مفترضة لداعش وليس لسواه.

ونسأل أيضاً وأيضاً لماذا هدأ الصخب ـ نوعاً ما ـ بشأن المنطقة العازلة؟

وما علاقة ادعاء الحرب على داعش بتأمين توطئة لإقامة مثل هذه المنطقة ؟

أليس داعش” في خدمة أردوغان”… ألا يعني أن من نتائج الحرب الصورية على التنظيم ضمن الأراضي السورية انسحاب الأخير لصالح المشروع الأردوغاني الواجهة ـ الأمريكي الخلفية؟؟

ثمة عصفوران يسعى أردوغان ـ برعاية أمريكية ـ لضربهما بحجر واحد .. تحت عنوان محاربة داعش، الأول يتمثل بتأمين المناخ للمنطقة العازلة عبر الفراغ الذي سيتركه انكفاء”التنظيم الإرهابي”.

والثاني ضرب حزب العمال الكردستاني الجناح العسكري لحزب الشعوب الذي ألحق الهزيمة بـ “عصابة العدالة والتنمية” في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومحاولة افتعال أزمة سياسية تحول دون تشكيل ائتلاف حكومي.. يؤمن الظروف الملزمة بانتخابات برلمانية مبكرة من شأنها منح أردوغان وحزبه فرصة جديدة للاستيلاء مجدداً على”مقصورة القيادة”في تركيا والاستفراد بالقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.

حقائق متخفية في خضم مشهد متداخل ومشوش وملتهب الى أبعد الحدود، تتقاذف المراقبين له الظنون و”الخدع التصويرية” والتصريحات الإعلامية التي تشغل الغرب والشرق في تفنيدها وتحليلها بشكل يشتت الأنظار وينتج بعداً ثالثاً وهمياً يخاله الناظر حقيقة.

الآن، علينا أن نكون في ذروة اليقظة والحذر…لأن بعضنا اطمأن الى الخدع الكلامية وتسويق الحلول كلامياً وكأنها أنجزت على الأرض، ودوماً في مثل هكذا حالات فراغ أو قلة اكتراث نابعة من حالات الاسترخاء .. تمرر السيناريوهات والمشاريع .. ولعلنا الآن في أخطر حالة تحويل انتباه تمارس علينا… فالمراقب ينظر الى النهايات فيما استحقاقات ميدانية حساسة مازالت على عتبة الإنجاز وفي هذه الفجوة تكمن المفاجآت غير الحميدة التي نرجو ألا ترى بيئة ناضجة لحصولها… ويجب ألا ننسى أن من شأن الذئاب الجريحة أن تلعق دماءها، وتغدو أشد سعاراً، وأردوغان الآن ذئب جريح.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]