اقتصاديون يقترحون فرض “قروض إجبارية” لصالح الحكومة ممولة من قطاع الأعمال…الاستدانة من المستقبل و إحلال المستوردات ممر إجباري للخروج من الأزمة..

خاص – الخبير السوري:
قد تكون التجارة وكل ما يتعلق بها من تبادلات في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد، الأقل تأثراً بالعقوبات الاقتصادية على سورية مع إمكانية إيجاد بدائل وسيادة العلاقات التجارية الفردية مقارنة مع تدني التبادلات التجارية على مستوى الحكومات وانفتاح أسواق الدول بعضها على بعضها الآخر وأولوية الجودة والأسعار ومدى تنافسيتها، على ما كان سائداً في السابق من مصالح دولية وارتباطات أيديولوجية وعقائدية.

تجميد التعاملات المالية
و نجد أن أخطر ما جاء في العقوبات الاقتصادية العربية، تجميد العلاقات مع المصرف المركزي السوري الذي يهدف إلى إيقاف كل التحويلات المالية المتعلقة بصفقات التجار التي تتم بشكل فردي، والجانب الآخر وقف تمويل الاستثمارات، أي أننا نواجه مشكلة حقيقية في موضوع التمويل، وبالتالي وجدنا أنفسنا أمام عدة تحديات أهمها: كيف نواجه موضوع نقص التمويل، وما هي السبل الأنجع في ظل الظروف الراهنة لتوفير التمويل مع تنامي حجم الإنفاق مقابل خسارة تدريجية لجزء كبير من الإيرادات التي كانت تأتي من ثلاث مجالات، الضرائب، وفوائض القطاع العام، والعائد من قطاع النفط، وبذلك نسترجع ما طرحه سابقاً أحد أساتذة الاقتصاد حول الطرق التي سيتم من خلالها تمويل العجز عن قيام “المركزي” سابقاً بتمويل العجز بقيمة وصلت إلى تريليون ليرة، ومع سريان العقوبات الاقتصادية التي طالت “المركزي” ضعفت التمويلات الخاصة به، وبالنتيجة تراجعت التمويلات المطلوبة لسد العجز، لذا يرى ضرورة تدارك الحكومة للموقف من خلال إجراءات تمويلية غير تقليدية، مشيراً في هذا الموضوع إلى أكثر الحلول نجاعة في مثل هذه الظروف الاستثنائية، وهو التمويل عبر الإقراض الإجباري للحكومة من جميع المؤسسات المالية والاقتصادية ورجال الأعمال، ضارباً مثلاً دولة لبنان التي تقترض نحو 30 مليار دولار من الأفراد سنوياً.

واجب التمويل
وإذا بحثنا عن المصطلحات الأكثر انسجاماً مع أعرافنا الاجتماعية، نجد أن إطلاق صفة القرض الإجباري الوطني، هو الأنسب والمتقبل لدى عامة شرائح المجتمع من صفة الإلزامي، رغم أن التضحيات من أجل الوطن لا تقف عند حدود، وخصوصاً أن شراء وتكدس الأموال بين أيدي نسبة كبيرة من تجارنا جاءا نتيجة الظروف الاقتصادية والاتفاقيات والعلاقات التي أبرمتها الدولة مع الدول الأخرى من جراء الحصار الاقتصادي على العراق مطلع التسعينيات الذي فتح الباب واسعاً أمامهم للتبادل التجاري معها، ومروراً بالانفتاح الاقتصادي الذي انتهجته الحكومة السابقة منتصف العقد الفائت إلى ما قبل الأزمة التي نمر بها الآن، وبالتالي من واجبهم الوقوف بجانب وطنهم في أيام المحن.
غير أن أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور موسى غرير، يرى أن تحديد نسبة فائدة بين 2-3 % لخمس سنوات وإطلاق صفة القرض الوطني عليه دون الإلزام أو الإجبار، سيؤدي إلى إقبال جيد وتقبل أفضل من رجال الأعمال والمؤسسات المالية والمصرفية، وبذلك نتمكن من تمويل جزء لا بأس به من النفقات ونتفادى شرَّ التضخم الكبير.

الإلزام عبر التشريع
وكما هو متوقع سيبقى الحديث عن دعوة هذه الجهات للتمويل في إطار الأخذ والرد، ما لم يكن هناك تشريع يلزمها، والتوصل إلى قناعة معها، بأن تسليف الدولة يشكل عامل نجاة للوطن في حالات الطوارئ أو كما يقول الاقتصادي العالمي كينز: (إنه ساند للدولة – أي القرض- في مثل هذه الظروف، وادخار إجباري لرجال الأعمال والمؤسسات)، ومن وجهة نظر الدكتور غسان إبراهيم أتاذ الاقتصاد يبدو وقوف المؤسسات المالية ورجال الأعمال الذين جنوا أرباحاً كبيرة خلال فترة قصيرة، إلى جانب الحكومة في هذا السياق هو واجب أخلاقي، مؤكداً أننا سنتلمس نتائج العمل بالقرض الإجباري على المدى الطويل.
وبشكل أدق في تحديد درجة المخاطر والضغوط التي ستقع على القائمين على المؤسسات المالية لمجرد سماعهم بفرض قروض عليهم، ويوضح باحث آخر أن تسليف الحكومة يمكن أن يتم من موجودات المؤسسات المالية والمصرفية وليس من الدخول، وقال: إن ودائع المصارف السورية كبيرة ، أي أن نسبة معقولة من الموجودات كفيلة بتمويل جزء من النفقات وتعويض ما ذهب من واردات، ريثما تعود المياه إلى مجاريها الطبيعية، مبيناً أن السوق والعجلة الاقتصادية ستستمران على اعتبار أن السوق لن تعاني من نقص السيولة لأن الذي نأخذه من هذه المؤسسات كقروض سنضخه من جديد بالسوق.

الأكثر خطراً على الليرة
ومن الطبيعي أن ينهار سعر الصرف في حال لم تتخذ الحكومة إجراءات إسعافية عاجلة كالحل المطروح آنفاً، لأن قدرتنا على التصدير لن تبقى على حالها، مع توقع بروز ظواهر أكثر خطراً على سعر صرف الليرة مقابل العملات الرئيسية، كتهريب الدولار واليورو إلى الخارج، وبالنتيجة تضخم هائل وتآكل رواتب أصحاب الدخول المحدودة، فهل الحل الأمثل لمنع تهريب العملات الصعبة إلى المصارف الخارجية يكون عبر رفع أسعار الفائدة على الإيداعات؟ يتساءل الدكتور غسان إبراهيم الذي يعتقد أن هذه الخطوة كفيلة بالحد ما أمكن من تبديل الليرة بدولار أو يورو من جهة، وبجذب المزيد من الدولارات إلى خزائننا من جهة ثانية.

ضمان استمرار الصادرات
إن الجانب الأهم في تأمين القطع الأجنبي والمحافظة ما أمكن على سعر صرف مستقر، البحث عن أسواق جديدة لضمان تصريف منتجاتنا، مع الأخذ بعين الاعتبار التراجع الكبير والحاد في قيمة صادراتنا ليظهر تنامي العجز الواضح في ميزاننا التجاري كما يقول أستاذ المصارف في جامعة دمشق أكرم حوراني الذي انتقد الحكومة السابقة لاتخاذها التبادل التجاري كقاطرة للنمو ولانفتاحها الواسع على الخارج، وبما أن ما فات مات -حسب المثل الدارج- نرى أن المرحلة الراهنة تتطلب البحث عن ابتكارات أو الاستفادة من تجارب الآخرين كإيران أو كوبا أو كوريا الشمالية، التي أيقنت كل اليقين أن العالم تحكمه شريعة الغاب، والمبدأ السائد من ليس معنا فهو ضدنا، وقيامها “وبشكل خاص إيران” بإحلال المستوردات، أي تصنيع كل ما كانت تحتاجه من الخارج، لا بل إن الإيرانيين يجمعون الآن على أن العقوبات عليهم منذ عام 1979 كانت نعمة وجعلت منهم دولة إقليمية مهابة ولها وزنها الدولي، ومن هذا المنطلق لابد من قيام سورية بتصنيع كل ما تستورده بما فيه الآلات وتوطين التكنولوجيا المحلية- من وجهة نظر إبراهيم- ويتفق معه أستاذ آخر حيث يتم خلق توطين الصناعة في سياسة إحلال الواردات، معتقداً أنه لا خيار أمامنا سوى ذلك حتى لو تطلب الأمر استنفار كامل طاقتنا لتصنيع المواد الأولية الضرورية، وذلك للوصول إلى الاعتماد التام على الذات، وقال الباحث: إن بعض الصناعات غير قابلة للتطوير في حال كانت البيئة غير مواتية، وأدت لاحقاً إلى صناعة منتجات أعلى من المماثلة لها الأجنبية المستوردة، لتصبح عبئاً أكثر منه فائدة على الاقتصاد الوطني، لافتاً إلى النجاحات المبهرة في سياسة إحلال تصنيع المستوردات التي حققتها بعض دول أمريكا اللاتينية كالبرازيل وشرق آسيا، وبالتالي تظهر هذه الاقتصادات الناشئة كذب وزيف الادعاءات التي أطلقها أصحاب المبادئ الليبرالية على مدى عقود من الزمن بأن اندماج الاقتصاد العالمي من خلال فتح الأسواق السبيل الأفضل إلى النمو والرفاهية، واعتبار التجارة قاطرة لهذا النمو، ليتكشف للعالم أجمع بعد أن حلت عليه الأزمة المالية العالمية، واستخدام الدول الكبرى العقوبات المالية والاقتصادية كعصا ضدّ الدول غير الخاضعة لسياساتها، أن هذا الاندماج العالمي لم يؤدِّ إلا إلى دمار إنتاجيات الدول بشكل عام والنامية منها بشكل خاص.

الطاقات الذاتية والبشرية
وبذلك ومن هذه النتائج يدعو الدكتور إبراهيم إلى الاعتماد على الطاقات الذاتية واستنهاض الطاقات البشرية وجعلها هدفاً ينفذ على المدى البعيد، بينما يجد أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور عابد فضلية أنه من الصعب تصنيع دولة كسورية والكثير من الدول النامية للآلات والمنتجات نصف المصنعة، نظراً لعدم توفر الإمكانيات الكبيرة من حيث التقنيات والتكنولوجيا ورأس المال.
ويبقى البحث عن أيسر السبل وأسهلها لدعم الاقتصاد في ظل المراحل الأولى من تطبيق العقوبات، الشغل الشاغل بالنسبة للاقتصاديين، وقد يكون إبرام اتفاقيات وعقود جديدة مع دول إقليمية ودولية لتصريف منتجاتنا، الطريق الأقصر لسد النقص كما يرى أستاذ الاقتصاد الدكتور عدنان سليمان مشيراً إلى وجود بدائل متعددة وأسواق متعطشة للمنتجات وخصوصاً الخام منها، وبدوره أوصى أحد الباحثين الاقتصاديين الحكومة بتشكيل فريق اقتصادي لتحديد السلع الأكثر تأثيراً من وقف تصديرها والعمل على عقد شراكات جديدة مع دول صديقة، وبينما شكك الدكتور رسلان خضور بمقدرة دول عربية على فرض عقوبات اقتصادية على سورية لكونها المتضرر الأكبر كالأردن التي تستورد نحو 9 % من حاجاتها من سورية، التي تعدّ دولة ترانزيت لتجارتها مع دول أوروبا وآسيا، ومصر التي تصدر أكثر مما تستورد من سورية، أما الدكتور فضلية فيؤكد أهمية تحديد المواد الأولية والمشتقات البتروكيماوية الضرورية والبحث عن دول بديلة لاستيرادها، مشيراً إلى وجود بدائل أرخص وأفضل جودة من مثيلاتها العربية، إلا أن فضلية يكشف عن آثار موجهة للاقتصاد الوطني في حال فرضت أوروبا عقوبات مماثلة للعقوبات العربية على سورية.
نتائج العقوبات في استبيان
وبعد مرور حوالي خمس سنوات على الحرب على سورية، بتصعيد وتمويل خارجي لم يعد خافياً على أحد أن هدف هذه القوى الخارجية لم يكن منذ البداية سليماً تجاه سورية، بل بدأ بالضغط لتغيير سياسات الدولة الخارجية وانتهى بالطموح لتغيير بنية الدولة والمجتمع السوريين اللذين أبيا أن يغيّرا مواقفهما القومية والوطنية، وفي هذا السياق يشير الأساتذة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق إلى نتائج إحصائيات عالمية تظهر أن 5 % من العقوبات الاقتصادية والسياسية أدت إلى تحقيق أهدافها، 30 % منها كانت بسبب عقوبات دولية شاملة، وأن 90 % من العقوبات كانت الغاية منها نفسية ومعنوية أكثر منها مادية، وأن تأثير العقوبات على الدول تتفاوت درجته بناءً على قوة اقتصادها الوطني ومستوى تبادلاتها التجارية، وأن الأمر الذي لا يختلف عليه خبيران بالاقتصاد أن أول المتضررين من العقوبات هم الفقراء دون أدنى شك، وبالدرجة الثانية الطبقة الوسطى من المجتمع التي ستجد نفسها مع استمرار العقوبات بين أبناء الطبقة الفقيرة، ولن ينجو الأغنياء من تداعياتها، لذا لا بد من العودة للعمل بمبدأ الاعتماد الكلي على الذات والاستفادة من كل الطاقات البشرية واستنهاض الهمم، ولا خوف من عودة زمان حصار الثمانينيات لأننا تطورنا وتغير العالم عما كان عليه في تلك الحقبة من الزمن.
سامر حلاس

[is_guest]

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]