بين ايجابيات التشاركية ومخاطرها وتجارب الغير..احذروا “شرك” الشريك حيث الضرورات التي تبيح المحظورات…

من المتعارف عليه بأن الخدمات مثل (الاتصالات اللاسلكية والطاقة والمياه والطرق والصحة والتعليم والخدمات الأخرى) كان يتم تقديمها بشكل أساسي من قبل القطاع العام، إذ يستلزم الكثير منها ضخ استثمارات كبيرة، والتي اتسمت في الكثير من الحالات بانخفاض درجة كفاءتها وارتفاع أسعارها وقلة انتشارها، وإهمال صيانتها. مما أدى إلى دفع الحكومات بشكل متزايد إلى تبنى شراكة القطاع العام والخاص لتقديم هذه الخدمات بشكل أفضل وبكفاءة أعلى، من خلال توظيف الإمكانيات البشرية والمالية والإدارية والتنظيمية والتكنولوجية والمعرفية الموجودة في القطاعين مع ضمان حرية الاختيار المقترنة بالمسؤولية المشتركة والمساءلة من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تهم العدد الأكبر من أفراد المجتمع لمواكبة التطورات المعاصرة بطريقة فاعلة وتحقيق وضع تنافسي أفضل.
يرى البعض أن عقد الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص وفق نظام (P.P.P) هو عقد إداري يعهد بمقتضاه أحد أشخاص القطاع العام إلى نظيره الخاص القيام بتمويل الاستثمار المتعلق بالأعمال والتجهيزات الضرورية للمرافق العامة وإدارتها واستغلالها وصيانتها طوال مدة العقد المحددة في مقابل مبالغ مالية تلتزم الإدارة المتعاقدة بدفعها إليه بشكل مجزأ طوال مدة الفترة التعاقدية، وتتولى مؤسسات من القطاعين العام والخاص العمل معاً لتحقيق مشاريع أو تقديم خدمات للمواطنين، وخصوصاً في المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية.
هذه خلفية التشاركية التي تمت ترجمتها في أطار القانون رقم 5 لعام 2016 والتي تعول عليها الحكومة كثيرا للتقليل ما أمكن من تكاليف إعادة الإعمار في مختلف القطاعات.
مبررات التشاركية
وفي هذا السياق يحدد الخبير في دراسات التخطيط والإحصاء والاستثمار المهندس قاسم درويش أسباب التشاركية ومبررات اللجوء لشراكة العام مع الخاص والمتمثلة بعدم قدرة الحكومات على تحقيق التنمية المستدامة بمفردها – محدودية الموارد المالية والبشرية والتكنولوجية لدى القطاع العام – تقلص موارد التمويل المخصص لبرامج التنمية الاجتماعية ومطالبة المواطنين بتحسين الخدمات المقدمة من المؤسسات الحكومية – التوسع في اتخاذ القرار خدمة للصالح العام – تحقيق قيمة أعلى للأموال المستثمرة، مبيناً أنه ضرورة توفر نحو عشرة متطلبات كي يكون للتشاركية مفاعيلها المأمولة، وتتمثل هذه المتطلبات بالتحليل الصارم لجدوى المشروع قبل التعاقد والمبني على مخرجات واضحة، مع وجود تصور واقعي مشترك للشراكة مبني على نقاط القوة والضعف المتوفرة لدى أطراف الشراكة، إضافة إلى تحليل مفَصَّل لمخاطر المشروع لكلا الجانبين الفني والتجاري فضلا عن المخاطر السياسية إن وجدت، ورغبة ممثل القطاع العام “الحكومي” في قبول حلول ابتكارية من جانب المتقدمين من القطاع الخاص، وعقد تفصيلي يتسع لتغييرات معينة في متطلبات المشروع على مدى الزمن يتسع، إلى جانب رقابة فعالة وحرفية على الشريك الخاص والاستراتيجي (القطاع الخاص) من جانب ممثل القطاع العام وذلك لمرحلتي الإنشاء و التشغيل بالكامل ، تتم بروح الرغبة في تفعيل الشراكة الشاملة.
الفوائد المحتملة
وتحت هذا العنوان يبين درويش بحسب الدراسة التي أعدها حول التشاركية، أن رؤية القانون رقم 5 للشراكة بين العام والخاص تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يبرز دور الدولة في اتخاذ القرار ورسم السياسات، أما دور القطاع الخاص فيبرز في تنفيذ المشاريع والمشاركة في أدائها بناء على فكرة عدم كفاءة تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية إذا ما اقتصرت على أي من الدولة وأجهزتها أو القطاع الخاص بشكل منفرد، لافتا إلى ما يمكن تحقيقه من فوائد الشراكة مثل وفورات في التكاليف، واقتسام المخاطر والتي قد تتمثل في تجاوزات بالتكاليف، أو في عدم القدرة على الوفاء بجداول أو مواعيد تسليم الخدمات، أو الصعوبة في الالتزام بالتشريعات الخاصة بالبيئة وغيرها، أو الخطورة في أن تكون الإيرادات غير كافية لدفع التكاليف التشغيلية والرأسمالية.
ومن الفوائد أيضاً تحسين مستويات الخدمة أو الحفاظ على المستويات الحالية للخدمة، وتعزيز الإيرادات، والتنفيذ الأكثر كفاءة، والمصلحة العامة عبر استفادة المواطنون كثيراً عندما تتكامل جهود وخبرات الجهات الحكومية مع التقنية ومصادر الشريك الخاص لتقديم الخدمات للجمهور، فالمصلحة العامة أمر تسعى إليه الحكومة وتهتم به ويمكن تحقيقه من خلال الشراكة مع الشريك الخاص.
المخاطر المحتملة
ما سبق لا نفي وجود مخاطر لهذه التشاركية بحسب درويش مثل فقدان السيطرة من جانب ممثلي القطاع العام على مجريات العمل- زيادة التكاليف – المخاطر السياسية – ضعف مستوى المراقبة والمساءلة – الإنتاج غير المطابق للمواصفات والمقاييس – ضعف مستوى التنافس بين الشركاء – التحيز في اختيار الشركاء – رفض المجتمع للمشروع، إضافة إلى تعدد الموافقات والتراخيص اللازمة بشكل مبالغ فيه – ضعف الوعي العام بأهمية ومزايا المشاركة الخاصة في تمويل وتطوير وتشغيل مثل هذه المشروعات وما لها من آثار إيجابية علي التنمية الاقتصادية والاجتماعية- ضعف الوعي العام بالأشكال المختلفة للمشاركة الخاصة في مثل هذه المشروعات والاعتقاد السائد لدى العامة بأن المشاركة الخاصة تقتصر فقط على الخصخصة- وجود فرصة للتنافس بين الشركاء الخاصين المحتملين ما يقلل تكلفة تقديم الخدمات العامة- مشاركة القطاع الخاص في الخدمات تتيح فرصة الابتكار والاختراع.
التشاركية عالميا
الحديث في التشاركية انطلاقا من الخصوصية السورية يستدعي تناول التجارب العالمية كي يتضح لنا أين نقف وماذا نريد وكيف..، وفي هذا الشق يعرض درويش لأنواع العقود التي يمكن تبنيها في عملية التشاركية أولها عقود الخدمة والذي استخدم على نطاق واسع في دول كثيرة مثل ماليزيا، والهند، وتشيلي وغيرها لتقديم خدمات عديدة مثل إصلاح وصيانة وإحلال وتجديد شبكات مياه الشرب أو أعمال تشغيل وصيانة محطات رفع مياه الصرف الصحي، وغير ذلك.
الإدارة
ثانيها عقود الإدارة، وفى هذه الحالة تتحول فقط حقوق التشغيل إلى الشركة الخاصة وليس حقوق الملكية، وتحصل الشركة الخاصة على رسوم مقابل خدماتها، وقد ظهر نجاح هذه العقود في عدد من القطاعات بدول عديدة ففي لبنان مثلا طبقت عقود الإدارة في ثلاثة مشروعات هي جمع النفايات وتشغيل وإدارة محرق النفايات ومصنع معالجة النفايات، وفى غينيا بيساو استخدمت هذه الطريقة في قطاع الكهرباء في عام 1986 عندما طلبت الدولة مساعدة فنية من فرنسا لتطوير هذا القطاع، وبعدها تعاقدت مع هيئة الكهرباء الفرنسية لإدارة هذه القطاع وجددت التعاقد عام 1991 وكانت النتيجة زيادة في الطاقة الكهربائية وتحسن في أداء التشغيل والكفاءة المالية.
الإيجار
ثالثها عقود الإيجار، وهو عقد يمنح من خلاله مالك الأصول (الحكومة) شركة خاصة حق استخدام هذه الأصول والاحتفاظ بالأرباح لفترة متفق عليها (6-10سنوات) مقابل دفع إيجار، وعلى العكس من طريقة عقد الإدارة تتحمل الشركة الخاصة المخاطر التجارية مما يحفزها على تخفيض النفقات والحفاظ على قيمة الأصول، ولكن الدولة تبقى مسئولة عن الاستثمارات الثابتة وخدمة الديون، وقد استخدمت هذه الطريقة كثيرا في عدد من الدول الأفريقية والآسيوية في قطاعات مثل المياه والنقل البرى والمناجم حيث واجهت الدول المعنية صعوبات في جذب المستثمرين، ففي تايلاند طبقت عقود الإيجار في قطاع السكك الحديدية عام 1985 في عدد معين من خطوط نقل الركاب، ومع عام 1990 نجحت التجربة وجذبت الخطوط المؤجرة عدد كبيرا من الركاب وأصبحت تدر أرباحا كبيرة.
الامتياز
ورابعها عقود الامتياز التي تمنحها البلديات للخاص حيث تحول حقوق التشغيل والتطوير إلى الجهة المستفيدة أي الشركة الخاصة، وقد يتضمن عقد الامتياز كل مواصفات التأجير بالإضافة إلى النفقات الرأسمالية والاستثمارات التي تقع على عاتق صاحب الامتياز، وترجع الأصول إلى البلديات عند نهاية فترة الامتياز التي عادة ما تتراوح ما بين 15 إلى 30 عاما وذلك حسب الحياة الافتراضية للاستثمارات. وتتحدد إيرادات صاحب الامتياز بشكل يضمن له تغطية نفقات التشغيل وخدمة الديون واستهلاك استثماراته، وقد استخدمت هذه الطريقة بنجاح في بعض الدول مثل الأرجنتين حيث طبقت في مجال النقل والمواصلات (السكك الحديدية). وعلى المستوى الدولي مثلت عقود الامتياز في مشاريع الخدمات حوالي 80% من إجمالي عقود الامتياز في الفترة من ما بين 1988 إلى 1993.
والفكرة الأساسية في هذا الامتياز هي قيام شركة خاصة بتمويل وبناء وتشغيل مشروع خدمي جديد في مجال (الاتصالات، الكهرباء، المياه والري، النقل وغيرها) لفترة محدودة ترجع عند نهايتها الأصول للدولة، كما تقوم الدولة خلال فترة الامتياز تلك بتنظيم ومراقبة العملية الاستثمارية والجودة والأسعار.
BOT
خامسها عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT) ، ويعتبر هذا الأسلوب شكل من أشكال تقديم الخدمات تمنح بمقتضاه الحكومة أو جهة حكومية – لفترة محدودة من الزمن – أحد الاتحادات المالية الخاصة والتي يطلق عليها اسم شركة المشروع الحق في تصميم وبناء وتشغيل وإدارة مشروع معين تقترحه الحكومة، بالإضافة إلى حق الاستغلال التجاري لعدد من السنوات يتفق عليها تكون كافية لتسترد شركة المشروع تكاليف البناء، إلى جانب تحقيق أرباح مناسبة من عائدات المشروع أو أية مزايا أخرى تمنح للشركة ضمن عقد الاتفاق. وتنتقل ملكية المشروع وفقاً لشروط التعاقد أو الاتفاق إلى الجهة المانحة دون مقابل أو بمقابل تم الاتفاق عليه مسبقاً، وقد استخدمت فرنسا هذه العقود لتنفيذ مشروعات السكك الحديدية ومحطات الكهرباء والتزود بمياه الشرب، وفى منتصف الثمانينات عام 1984 تم تطبيق نظام BOT من خلال توقيع اتفاقية تنفيذ نفق المانش (The Channel Tunnel) الذي يربط بين فرنسا وبريطانيا، وذلك بين كل من الحكومتين البريطانية والفرنسية من جهة وبين شركة يوروتانال من جهة أخرى.
ويمتاز هذا الأسلوب بتحويل مخاطر البناء والتشغيل والإدارة إلى القطاع الخاص، بالإضافة إلى ذلك فان الحكومة تستفيد من خبرة القطاع الخاص في إدارة وصيانة المشروعات وفى نقل التكنولوجيا المتقدمة، كما يمثل هذا الأسلوب عامل جذب للاستثمارات الوطنية والأجنبية الكبرى لضخامة الأعمال التي يستخدم فيها هذا الأسلوب، ومن عيوبه أنه يتطلب استقراراً سياسياً واقتصادياً ملائماً، وبيئة قانونية وتنظيمية محددة، وتوافر الاستقرار النقدي وغير ذلك من العوامل الملائمة للاستثمار الأجنبي، وكلها متطلبات غير ثابتة ومتغيرة طبقاً للظروف الدولية والإقليمية والمحلية.
BOOT
سادسها عقود البناء والتملك والتشغيل ونقل الملكية (BOOT) في ظل هذا الأسلوب تقوم الدولة أو إحدى أجهزتها الحكومية بمنح مستثمر القطاع الخاص الحق في إقامة أحد المشروعات الخدمية وتمويله على نفقته الخاصة وتملك أصوله وتشغيل المشروع وصيانته، وتحصيل مقابل تقديم الخدمة لسداد أعباء التمويل وتحقيق فائض ربح مناسب لمدة زمنية متفق عليها على أن تؤول ملكية أصول المشروع للدولة في نهاية تلك الفترة الزمنية، ويختلف هذا الأسلوب عن أسلوب BOT حيث يعتبر BOOT تطبيقاً بارزاً لنظام المشروعات الخاصة ذات المنفعة العامة، حيث تكون ملكية الأصول خلال مدة المشروع خالصة للقطاع الخاص وهو الأمر الذي لا يتحقق في أنواع العقود السابق الإشارة إليها، ويمتاز هذا الأسلوب مثل سابقه، بتحويل مخاطر البناء والتشغيل والإدارة إلى القطاع الخاص بالإضافة إلى ذلك فان مخاطر الاستثمار والتمويل تقع على عاتق القطاع الخاص بكاملها، أما عيوبه فتتمثل في عدم خضوع المشروع خلال مدة التشغيل والصيانة لهيمنة السلطة العامة أو الإدارة الحكومية وإن خضع لرقابتها.
BOO
سابعاً: عقود البناء والتملك والتشغيل (BOO) يعد هذا الأسلوب من أساليب الخصخصة الكاملة، يتم فيها إعطاء القطاع الخاص مسئوليات البناء والتشغيل والإدارة بكاملها، بالإضافة إلى الملكية المطلقة له لأصول المشروع، ولا يكون التشغيل أو الإدارة بهذا الأسلوب مرتبطاً بمدة زمنية محددة، كما لا يكون هناك التزاماً على القطاع الخاص بنقل الأصول إلى الدولة. ويستخدم هذا الأسلوب للمشروعات الجديدة التي لم تنشا بعد، يمتاز هذا الأسلوب مثل أسلوب BOOT بتحويل مخاطر البناء والتشغيل والإدارة إلى القطاع الخاص بالإضافة إلى ذلك فان مخاطر الاستثمار والتمويل تقع على عاتق القطاع الخاص بكاملها. وهو بذلك لا يشكل أعباء استثمارية على الدولة، ويقوم بتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
بالمقابل فإن عيوبه أن المشروع خلال مدة التشغيل والصيانة لا يخضع لهيمنة السلطة العامة أو الإدارة الحكومية وإن خضع لرقابتها، بالإضافة إلى ذلك فهناك مخاطر من فقدان هيمنة الدولة على طبيعة المشروع الذي قد يتغير نشاطه بقرار من المالك الأصلي (القطاع الخاص).
ليس أخيرا
بقي أن ننوه إلى أن التشاركية ولكونها مرتبطة باحتياجات ومتطلبات وضرورات سورية، فهي قد تكون مفتوحة على نماذج من العقود المبتكرة غير المسبوقة وهذا بحد ذاته يتطلب تدقيقا ودراية كاملة بما نريده ووسائل الوصل إليها دون أن يكون على حساب عقود من المكتسبات، نأمل ألاّ نجد أنفسنا في محشر الضرورات التي تبيح المحظورات، وهنا يخطرنا التساؤل حول مبدأ “التشغيل لصالح الغير” الذي وقعته وزارة الصناعة مع الخاص، في أي خانة يصنف؟!.
الخبير السوري – قسيم دحدل “البعث”

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]