كتب د. عامر خربوطلي- الخبير السوري:
احتفل اليوم بالحديث الأربعائي (الثلاثمائة) وكان حديثاً اسبوعياً في شتى المواضيع العلمية الاقتصادية والمالية والاستثمارية وأهميته كما اتطلع واحب هو في كونه يحمل رسالة علمية اقتصادية للمهتمين في الشأن الاقتصادي وإسقاط العناوين المنتقاة في كل حديث على واقع ومستقبل الاقتصاد السوري وهو الأمر الأهم.
حديثنا اليوم مختلف بعض الشيء فهو يحمل عنواناً قد يبدو مثيراً وغريباً (رؤية ليلية) فكيف يستطيع المستثمر وصاحب الأعمال أن يرى مشروعه على مدى خط زمني قد يتجاوز على الأقل العشر سنوات بوضوح وجلية وكأنه يفتح برجكتوراً ضوئياً وهاجاً لإضاءة نفق هو بالأصل مظلم ومحفوف بالمخاطر المالية والاقتصادية والظروف غير المؤكدة.
الوسيلة المعتمدة علمياً وعالمياً لهذه الرؤية المستقبلية الواضحة الأفق للمشاريع هي (دراسة الجدوى الاقتصادية) التي هي اختصاصي العلمي الأساسي ونشاط العيادة الاقتصادية السوريةالتي أنشأتها لهذا الهدف.
المستثمر أياً كان هدفه وأياً كان مشروعه يركّز على الوقت الحالي الذي يبدأ في اللحظة عندما يقرر تحويل مدخراته الذاتيه وشراكاته أو قروضه إلى مشروع استثماري في أي قطاع يراه مناسباً بصورة مبدئية ويبدأ بمحاولة استقراء التدفقات النقدية المستقبلية الداخلة أي الأرباح الصافية ليقارنها مع مبلغ الاستثمار الأولي وهنا تكمن الصعوبة في مقارنة المبالغ المتوقعة مستقبلاً مع المبالغ المصروفة حالياً وعندها يتم اللجوء لخصم أو إعادة الأموال المستقبلية لمعرفة قيمتها الحالية ومقارنتها بالقيم المصروفة حالياً من خلال ما يتم اصطلاحه (معدل خصم) وهو يمثل الحد الأنى من العائد الذي لا يقبل المستثمر الاستثمار من دونه حالياً في الاقتصاد السوري وهو يمثل اليوم ما بين 20-25% وفق تغيرات أسعار الفائدة على القروض طويلة الأجل ومعدلات المخاطرة والتضخم.
المستثمر لا يثق بالمستقبل ويعتبر أن الأموال المستقبلية أي الأرباح المتوقعة لا قيمة لها إذا لم يتم إعادتها للحاضر ومعرفة قيمتها الحالية وهذا ما يُعرف بقاعدة القيمة الحالية أو نظرية تغير القيمة الزمنية للنقود.
والمؤشرات المالية التي يتم استخدامها في قياس جدوى المشروعات عديدة ومختلفة ولكل منها طريقة حساب وفهم ودلالات مختلفة ومن أهمها :
-مدة استيراد رأس المال.
-معدل العائد على الاستثمار.
-نقطة التعادل الحرج.
-معدل الربحية/ معدل العائد البسيط.
-صافي القيمة الحالية ومعدل القيمة الحالية.
-معدل المردود الداخلي IRR.
وعندما يتم البدء بإنجاز دراسات الجدوى للمشروع الاستثماري المستهدف لابد من تقدير فجوة الطلب التسويقية التي يُبنى عليها تقدير الإيرادات السنوية المتوقعة.
مع دراسة جميع بنود المزيج التسويقي من (المنتج- الخدمة- الأسعار- الزبائن- المنافسين- الترويج- التوزيع) بالإضافة لتحليل التخطيط الاستراتيجي SWOT.
ومروراً بالدراسة الفنية التي تتضمن الدراسة التشغيلية/ الهندسية والقانونية والتنظيمية والإدارية إلى أن يتم الوصول إلى الدراسة المالية التي هي (بيت القصيد) من خلال تقدير هيكل تمويل المشروع واختيار الرافعة المالية وتقدير تكاليفه الاستثمارية والتشغيلية ومن ثم تحليل مؤشراته المالية ولا تكتمل الدراسة دون اختبار حساسية المشروع لظروف عدم التأكد المستقبلية.
اليوم وبعد المتغيرات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد السوري الجديد وبدء قدوم الاستثمارات الخارجية للاستفادة من فرص الاستثمار المتاحة في جميع القطاعات الاقتصادية والخدمية والعقارية لم تعد دراسة الجدوى وثيقة شكلية للموافقات الرسمية أو لتقديم ملفات القروض بل أصبحت حاجة ملحّة لضمان الـتأكد من ربحية المشروع على المدى المستقبلي وقدرته على المنافسة الشديدة القادمة.
دراسة الجدوى خطة عمل تسويقية فنية ومالية عالية القيمة ولا غنى عنها مهما كانت الظروف والأحوال، إنها رؤية ليلية واسعة الطيف لمسار زمني استثماري لسورية الجديدة.