قدّم الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، وصفة إصلاحيّة للاقتصاد السوري .. يمكن اعتبارها رؤيا استراتيجية شاملة مدعومة بالأدلة والنماذج العالمية تقوم على تحليل الواقع عبر الإضاءة على نقاط عدة غاية في الأهمية عرضها الخبير كما يلي:
موارد واعدة مقابل معيشة متردية، حيث تمتلك سوريا ثروات طبيعية وبشرية هائلة، إذ قُدّرت احتياطات النفط السوري بـ 2.5 مليار برميل، والغاز بـ 8.5 تريليونات قدم مكعب (تقديرات 2010). وتمتلك سوريا أراضي زراعية تُغطي 28% من مساحتها، مع إمكانية إحياء أرض الموات. كما تمتلك إمكانات سياحية كبيرة تشمل مواقع أثرية ومناطق طبيعية.
أما الثروة البشرية فإن نسبة الشباب (تحت 25 عاماً) تصل إلى 60%، مع نسبة تعليم بين الشباب (15–24 سنة) تبلغ 95% (اليونيسف، 2010). وهذا يعني أن القدرة على البناء والعمل العضلي والفكري كبيرة وفي الوقت نفسة حاجة هذه الشريحة لمتطلبات الحياة مثل السكن ومستلزمات الحياة كبيرة أي إن الطلب الكلي على السلع الخدمات كبير أيضاً.
وفي المقابل، نجد أن مؤشرات التدهور المعيشي واضحة منها انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 60% منذ 2011، وارتفاع معدل الفقر إلى 90%، وتضخم تجاوز 100% في 2020 على أساس سنوي.
ويرى قوشجي في تصريح لصحيفة الحريّة ” هبا أحمد”، أن من أسباب هذا التدهور هيمنة 1% من الشركات على 75% من النشاط الاقتصادي وخسارة 60 مليار دولار بسبب الفساد بين 2000 و2010، وهروب رؤوس الأموال للخارج بالإضافة إلى العقوبات الدولية وانهيار القطاعات الإنتاجية.
من أهم التحديات الهيكلية للإصلاح الاقتصادي في سوريا، حسب الدكتور قوشجي اختلالات النظام المالي والاقتصادي وعدم التوافق فيما بينهما، بالإضافة إلى الترهل الإداري الموروث من الحكومات السابقة حيث تحتل سوريا المرتبة 172 من 190 في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال (البنك الدولي- 2020) ما أدى إلى تعقيد إجراءات منح التراخيص وهذا ما يثبط الاستثمار.
ضعف النظام المصرفي وخروجه عن دوره الاقتصادي في تمويل الاستثمار وفشل مصرف سورية المركزي في معالجة انهيار الليرة السورية من جانبين سعر الصرف والقوة الشرائية عبر عقد من الزمن.
حيث يمكن توصيف تشوهات السوق في سوريا بالتالي: ارتفاع الأسعار بسبب هيمنة مجموعات محدودة على قطاعات الاقتصادية ولا سيما الواردات، تهميش القطاعات الإنتاجية (الصناعة والزراعة). فقد عمدت الحكومات السابقة إلى مشاركة الكثير من رجال الأعمال لتحقيق ربحية خاصة على حساب الاقتصاد السوري بأدوات منع وإغلاق الاقتصاد السوري وجعله احتكارياً.
وفي السياق، يقدّم قوشجي خطوات لإصلاح الاقتصاد السوري من التنظيم إلى التنمية عبر خطوات عدة..أولها إصلاح النظام المالي والتنظيمي يبدأ من تحرير الأسواق مع ضمان العدالة وتفكيك الاحتكارات عبر إنشاء هيئة وطنية لمنع الاحتكار (نموذج كوريا الجنوبية لقانون تشايبول عام 1987).
ثم إصلاح النظام الضريبي بفرض ضرائب تصاعدية على الشركات الكبرى وإعفاء المؤسسات الصغيرة، وأصحاب الدخل المحدود، ما يرفع الدخل المتاح للاستهلاك وهذا يؤدي إلى زيادة الطلب الكلي على المنتجات ما يعني خروج الاقتصاد السوري من الانكماش.
وتعزيز الشفافية بتفعيل هيئات الرقابة المالية.
إضافة إلى تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي يبدأ بإصلاح التشريعات واعتماد قانون استثمار موحد يُلغي التمييز بين المستثمرين (نموذج رواندا ما بعد 1994) وتسهيل إجراءات التراخيص عبر منصة رقمية (النافذة الواحدة/ كتجربة الإمارات).
كما لا بد من رفع الأجور وتحفيز الطلب الكلي، إذ تبدأ ملامح الإصلاح من رضى أصحاب الدخل المحدود لذلك اتباع سياسات دعم الدخل وربط الحد الأدنى للأجور بمؤشر الإنتاجية (نموذج سنغافورة)، وتحرير أسعار السلع الأساسية لتفادي ارتفاع معدلات التضخم، لأن زيادة الأجور لتحفيز الاستهلاك والإنتاج (دراسة حالة الصين 2012– 2020).
إلى جانب تعزيز التكامل بين القطاعات من خلال إنشاء مجمّعات صناعية زراعية لتحويل المنتجات الأولية إلى سلع مصنعة (نموذج ماليزيا 1991– 2020).
هذا إضافة إلى الاستثمار في رأس المال البشري عبر إطلاق برامج تدريبية بالشراكة مع القطاع الخاص (مثل برنامج سكيل إنديا) وتوجيه 5% على الأقل من الناتج المحلي للبحث العلمي.
بناء على ما سبق ذكره، نجد أن الإصلاح الاقتصادي ليس مساراً تقنياً فحسب، بل عملية سياسية واجتماعية تتطلب إرادة حقيقية لتفكيك تحالفات النخب المستفيدة من الوضع السابق. وقيام تحالفات وشراكات دولية ذكية تستغل التنافس الجيوسياسي (كالاستثمارات في الفوسفات والموانئ والطاقة والنقل) وفقاً لقوشجي، فالتجارب العالمية (كألمانيا ما بعد الحرب ورواندا ما بعد الصراع) تثبت أن الإصلاح ممكن بقيادة مؤسساتية فاعلة وخطط قابلة للقياس.