ليست فاشلة ومشكلتها التنظيمية أكثر من التمويلية ..مشاريع ” بزنس الفقراء” في غرفة العناية المشددة

الخبير السوري:

بمجمل الحال وبعد كل النقاشات وعصف الذهن المتَّقد التي دارت في أروقة ورشة العمل حول سوق تمويل المشاريع متناهية الصغر والصغيرة، نتساءل هل قطاع هذه المشاريع  سيكون بخير أم إنه سيبقى يرزح تحت قيود الروتين والخلل حتى أصابه الفشل؟

أتت ورشة العمل هذه كي تعيد الأمل وتدرك مواطن الوجع حتى يعالج بكل جدية كما تعهدت الحكومة بحضورها الفاعل على تأمين بيئة تمكينية لهذه المشاريع كونها رافعة نمو مهمة للاقتصاد الوطني.

وإذا كان أهل الهيئة العامة لتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة أدرى بشعاب هذه المشاريع، حيث توصلوا من خلال دراسة فنية لاستبيان عرض على 409 مشروعات في 10 محافظات، إلى أن عدد المشروعات قيد التأسيس 52٪ بينما المشاريع القائمة 48٪، نسبة المشاريع الصناعية منها 40٪، والتجارية 26٪، والخدمي والزراعي أقل من ذلك، وأظهرت نتائج الدراسة أن المشروعات متناهية الصغر والصغيرة ليست على ما يرام من خلال جملة معوقات تعاني منها أبرزها مشكلة التمويل، وما يتعلق بها من شروط إقراض صعبة والتشدد في مسألة الضمانات والسداد والفوائد المرتفعة وتعقيد الاجراءات الإدارية كما بينت مدير عام الهيئة الدكتورة ثريا الإدلبي، في إشارتها لصحيفة تشرين ” حسام قره باش”.

تصنيف وطني

خبير الإحصاء في مديرية السياسات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد محمد شحيبر قال: بيئة الأعمال فيها شقان، تنظيمي وتحفيزي، وقد بدأنا منذ ثلاث سنوات بالشق التحفيزي، وكان حجم المشكلات كبيراً، ونتيجة عملنا لن تظهر حتى نتخطى 50٪ من حجم المشكلات التي تواجهنا، ولكي تسير المسارات بالتوازي فتحنا مجال البيئة التحفيزية لتطوير تمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة، ولاحظنا أن أغلب التمويلات تذهب للمشاريع المتوسطة كون مخاطرها أقل من المشاريع الصغيرة ذات المخاطر العالية.

وفي رأيه، يجب الخروج من عباءة الدولة والحكومة في مجال التسويق، وأن يكون هناك شركات متخصصة خاصة للتسويق لهذه المشروعات، مع إن المؤسسة العامة للمعارض تقوم بدور تسويقي، إنما على مستوى معارض بوجودها يوجد تسويق ومن دونها لا يوجد أبداً، وبالتالي يجب التسويق لهذه المشاريع، وذلك بأن تهتم كل جهة بمجال المشاريع، فوزارة الزراعة تسوق للمشاريع الزراعية، والصناعة للمشاريع الصناعية، وتكون وزارة الاقتصاد مظلة للجميع.

وأبدى شحيبر تفاؤله لما بعد الورشة بسبب العمل على تحسين واقع هذه المشروعات ولو ببطء شديد لوجود معوقات عديدة أبسطها عدم وجود كهرباء كي يعمل 24 ساعة، داعياً للتوفيق بين جميع الجهات للخروج بتصنيف وطني لكل الأنشطة الاقتصادية، منوهاً بعقد 75 اجتماعاً مع أغلب الوزارات لتحقيق الأفضل في هذا المجال.

رؤية أم استراتيجية

بدورها رئيسة قسم الرقابة المكتبية بمفوضية الحكومة لدى المصارف بمصرف سورية المركزي عبير أسعد بينت لـ”تشرين” أنه خلال اجتماعاتهم مع مديري مصارف التمويل الأصغر، أكدوا أن وجعهم الأساسي هو مصادر التمويل، ولذلك نحاول دراسة كل العقبات لوضع حلول مناسبة لهذه المصارف، والرؤية المستقبلية اليوم التي طرحها مصرف سورية المركزي تؤكد على ضرورة بناء قدرات وتدريب والمساعدة على التسويق والوصول لمنافذ التوزيع لأصحاب المشاريع كون المشروع من الممكن أن يتعثر ولا يستطيع صاحبه رد المال المقترض، لذلك يقتصر دور مصارف التمويل الأصغر على التمويل فقط، متابعة بأن بيئة تنمية المشروعات تحتاج بيئة محفزة بتضافر كل الجهات لمساعدة أصحاب المشاريع ومزودي خدمات التمويل.

ورأت أن البداية تكون من الواقع ثم الرؤية ثم الاستراتيجية الشاملة على كل الصعد حتى نستطيع حل وتذليل الصعوبات التي تواجه هذه المشاريع، ولهذا جاءت الورشة كاستجابة لمتطلبات الواقع الحالي الذي يعاني من مشكلات اقتصادية على مستوى كل الشرائح، فكان الهدف رسم خريطة تزيل هذه العقبات وأن تكون ورشة تفاعلية بمشاركة كل الجهات الحكومية والمصرفية وغيرها من أجل العمل الذي سيبدأ بعد الورشة مباشرة، وقد بدأنا فعلاً انطلاقاً من الورشة وانتهاءً بكل ما يعود بالفائدة على أصحاب المشروعات والوطن.

عناية مشددة

نائب رئيس جامعة القلمون الخاصة – اختصاص علوم مصرفية ومالية – الدكتور نهاد حيدر اعتبر أن الورشات مدرسة مستمرة لتبادل الآراء ولقاء للحوار بشكل صحيح، حيث أصبحت المشاريع الصغيرة اليوم محط أنظار الجميع في اقتصاديات العالم، وتحتاج  تقييماً نوعياً من النواحي الإيجابية والسلبية وتحليل نقاط القوة والضعف والبحث عن الحلول المشتركة لعدم قدرة جهة واحدة على تصحيح الأمر إلا بالعمل الجماعي وتكامله.

وفي نظره، يعتبر تصويب المشروعات بأي خطوة للأمام مؤشراً إيجابياً وهو متفائل بقدر الخطوة لكن ليس أكثر من ذلك بسبب ظروف خارجة عن إرادة الجميع.

وشخَّص حيدر قطاع المشاريع الصغيرة اليوم، موضحاً حاجته لعناية فائقة من الناحية التنظيمية والإدارية، أما من ناحية الأداء فهي ليست منظمة لأنها مشاريع أهلية تحتاج تنظيماً بإشراف حكومي وتقديم تسهيلات ضمن إطار عملي، مضيفاً أنها بكل الأحوال قائمة على أرض الواقع لكنه واقع مخفي قليلاً وغير منظم ومظلوم لأنه لم يعطَ حقه بوجود علني، ووجود هذه المشروعات في النور يعطيها قوة تسويقية وموثوقية أعلى.

وخَلُصَ بكلامه إلى أنه لا يوجد ملتقى يحيط بكل الجوانب، والجانب التمويلي اليوم يشكل العصب الرئيسي وقد يكون ضعف التمويل أكبر عقبة تواجه المشروعات الصغيرة.

تعدد الجهات الراعية

مدير الاقتصاد الكلي بهيئة التخطيط والتعاون الدولي الدكتور إياد علي أوضح أن قطاع المشاريع الصغيرة الحالي ليس فاشلاً بالمعنى التام لكن المشكلة تكمن في تعدد الجهات الراعية لهذه المشروعات، داعياً إلى أن يكون هناك جهة واحدة ترعى هذه المشروعات ويُنظَم سوق العمل لها ويحقق متطلبات النهوض بها ومن المفترض للمخرجات أن تنصب في هذه المحاور لتمكين المشروعات من تحقيق أهدافها الاقتصادية وبحيث تكون البنية التحتية والمؤسساتية والتنظيمية والتشريعية والتمويلية المتعلقة بهذه المشاريع مخرجاً أساسياً من مخرجات الورشة.

مشاريع الظل

وحسب قراءته الاقتصادية، بيَّن مدير هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية الدكتور عبد الرزاق قاسم أن هناك احتمالاً كبيراً لتكون هذه المشروعات فاعلة، نتيجة القناعة بأنها تشكل المحرك الأساسي للاقتصاد السوري خلال المرحلة المقبلة وأن يترجم هذا الاهتمام من خلال تشريعات وتبسيط الإجراءات فيما يتعلق بالترخيص لها وتأمين التمويل اللازم للانطلاق بها نحو الأمام، لافتاً إلى وجود كم هائل من المشروعات الصغيرة التي تعمل في الظل من دون تراخيص وأوراق نظامية، وبالتالي لديها مشكلة تمويلية، لذلك تجب مساعدتها للخروج للعلن كي تساهم في تحسين إجمالي الناتج للاقتصاد الوطني في المرحلة القادمة.

[ جديد الخبير ]