لماذا يهرب الناس من الوظيفة العامّة..محامٍ سوري يقرع جرس إنذار حول التنمية والخطر المقبل
كتب المحامي حيدرة سلامي:
في رأي أغلبية الباحثين في مجال المصادر البشرية، فإن السبب الأساسي الذي يجعل الملايين في أنحاء العالم يبتعدون عن تيار التوظيف الحكومي، هو أن نظام التوظيف العام، يحكم عن طريق نوعين من النصوص، فعلى سبيل المثال وفي بلادنا سورية، يعتبر مراجعة القضاء حقاً عاماً لجميع الموظفين والمنتدبين لدى القطاع الحكومي، حيث تضمن النصوص العامة لجميع الموظفين الحق في اللجوء إلى المرافعة أمام المحاكم العمالية في حال نشوب أي خلاف بين الموظف وبين الجهة الإدارية التي يعمل ضمنها.
-
ما هي أسباب عزوف اليد العاملة في معظم أنحاء العالم عن الوظيفة الحكومية؟
وقد كان لهذه المحاكم دور حاسم في حل قسم كبير من النزاعات بين الجهات الإدارية والموظفين العاملين في ملاكها الإداري، إلا أنه اليوم قد وصل إلى مرحلة من التعقيد القضائي والإداري، حيث تتالت التشريعات الحكومية والرسمية والأوامر الإدارية ضمن دوائر الدولة، بحيث وصلت إلى مرحلة من التشعب، يرفض معها معظم أصحاب المصلحة اللجوء إليها لتحصيل حقوقهم.
صعوبات قانونية
يتم حساب الأجور والتعويضات عادة بإحدى طريقتين، في بلادنا والغالب منها عادة هي النصوص خاصة من ضمن الدائرة ذاتها، حيث تعتبر هذه النصوص تقييماً لطبيعة عمل الموظف والأماكن أو البيئة التي كان يعمل ضمنها، كما تستند أيضاً إلى نوع الشهادة التي يحملها الموظف في منح التعويضات العمالية، ويقصد بالنصوص الخاصة النصوص التي تصدر عن الإدارة كجهة إدارية للموظفين من دون الرجوع للمرجع الأعلى لتفرض التوجيهات عليهم، وبناءً عليه يتم إصدار هذه النصوص الإدارية الخاصة غالباً بالاستناد إلى الشروط الزمانية والموضوعية في أوقات الإنتاج، فعلى الرغم من أن الموظفين يبذلون الجهد نفسه، إلا أن هناك فئة تتلقى راتباً أعلى أو أدنى من فئة أخرى ضمن هذه الظروف وتصدر ضمن هذه الأوقات تشريعات إدارية خاصة تحدث هذا الفرق بين الموظفين، والحقيقة هي أن القوانين الخاصة هي التي تسود غالباً في تحديد حقوق العمال أمام المحاكم العمالية رغم نسبيتها وارتباطها بالظروف الراهنة.
كما إن اعتماد النصوص الخاصة على الموظفين يوقعنا في إشكالية أخرى، إذ تعتبر الشركات حقوق الموظفين المالية تابعة بمعظم الأحوال للقوانين الخاصة واللوائح الإدارية ضمن الدائرة نفسها، ما يعني أن هذه النصوص تمنح الشركة سلطة تقرير الأجور والتعويضات والعلاوات والمكافآت للموظفين، مع إن الواقع الحديث في التوظيف يشير إلى ضرورة اتباع الأسلوب الحديث في سياسة الرواتب، حيث تقدر الرواتب والتعويضات بالنصوص العامة لجميع الموظفين بينما تقدر المكافأة والعلاوات بالنصوص الخاصة، ضمن البلدان الصناعية المتقدمة.
بينما تعاني النصوص العامة هي الأخرى من سلبياتها التقليدية وهي اتباع سياسة موحدة في تحديد أجور العمال، والتي من سلبياتها الأخرى جمود وقلة إبداع الموظفين في قطاعاتها، لاسيما إن كانت سياسة الرواتب والتعويضات منخفضة ومنضبطة بحيث يخسر الموظفون أموالهم في العمل الحكومي، نتيجة سياسات فرض الرواتب الرمزية على أعمالهم، فكان لا بد إذاً من تنسيق النصوص بحيث تضمن المساواة في التكليف والجهد للموظفين، كما تضمن دعم الإبداع والابتكار عند المميزين في عملهم.
مبدأ العمولات في الراتب
تعاني اليد العاملة حول العالم اليوم وليس فقط ضمن السوق المحلية، من ظهور شركات وهمية تهدف إلى جمع الأموال، وتعتبر هذه الشركات الوهمية عادة أحد أخطر آفات العالم المعاصر، حيث تلجأ هذه الشركات إلى استغلال أكبر شريحة من اليد العاملة في سبيل العمل المجاني لقاء عمولات مستقبلية، وتكون هذه الشركات عادة مكونة من شركات الوساطة العقارية أو شركات الدفع الإلكتروني الوهمي، والتي تجند عدداً كبيراً من الأفراد من دون أن يكون عملهم مشروعاً فلا يحصلون على الحماية القانونية أثناء عملهم، كما يتم استغلالهم في كثير من الأحيان، لاسيما شركات التسويق الإلكتروني والتي تعتمد أسلوب النظام الهرمي أو السلمي في تجنيد الأعضاء والشركاء في هذا النوع الشركات، ولذلك كانت مكافحة هذه الشركات ومواجهة هذا النمط من الاستغلال والاحتيال.
السياسات والتشريعات العالمية
باتت جميع الشركات العالمية التي تحتوي على عدد كبير من الموظفين، تميل إلى اتباع سياسة إدخال الموظفين المباشر في الأرباح كشركاء، فعلى الساحة الوطنية نلاحظ أن الحد المتدني من الأجور سواء الأجور العامة أم الخاصة، يأتي من تحديد أجور العمال بموجب الاتفاق أو العقد في ظل التضخم، فعلى الرغم من أن الجهات الخاصة هي أكثر مرونة في رفع الرواتب والأجور لموظفيها، إلا أنها تعتمد على الاتفاق في ضبط جهد الأفراد ليكون دون الحد الأدنى من أرباح المشروع، فضمن الحسابات الأخيرة، لا تكاد تتجاوز أجور الموظفين في القطاعين العام والخاص ١٠ إلى
عشرين بالمئة من أرباح المشروع، وهي غالباً ما تكون أقل من عشرة بالمئة من صافي الناتج المالي، بينما تعتمد التشريعات العمالية الحديثة على اتباع نظام العمولات والأسهم في زيادة أجور العمال، حيث تعتمد هذه الشركات مبدأ الدخل الثابت للمتعاملين، لاسيما في القطاعات المادية والمالية والإدارية، فتحتفظ على حقهم في تقاضي أجر ثابت من العمل وتمنحهم زيادات من العمولات والإنجازات وأرباح الأسهم التي تتقاضاها الشركة، وبذلك يصبح الموظفون شركاء وعمالاً في الشركة.
وتعتمد معظم المصارف العالمية حديثاً إضافة إلى جميع الشركات الرائدة في مجال الصناعة هذا الموضوع، بهدف إدخال الموظفين إلى منظومة الأرباح الحقيقية للشركة، ما يساهم عموماً في رفع الأداء والإنتاج.
-
حالياً لا تكاد تتجاوز أجور الموظفين في القطاعين العام والخاص ١٠ إلى عشرين بالمئة من أرباح المشروع
نظام المبيعات المرئي
باتت تعتمد الدول الصناعية الضخمة على منظومة العمل المرئي في سبيل التقدير الحقيقي لقيمة الموجودات وعددها، حيث بات نظام المقبل المرئي معتمداً في الصين والدول الصناعية التي تمر في مرحلة النهوض كماليزيا و تايلند، حيث باتت هذه الحكومات تعتمد الكاميرات الرقمية في عملية التقييم الفعلي لعدد وكمية المواد الأساسية ضمن المعامل والمصانع، بل حتى إن بعض هذه الدول تقوم بسن تشريعاتها التي تحمي العاملين بموجب هذه التقنية الحديثة في البيع، حيث تقوم بتقدير حجم المواد الفعلي وكميتها، وتستند إلى ذلك في تقدير الدخل الفعلي للمشروع، وبالتالي تحديد نسبة رواتب العاملين المستحقة، حيث تقوم هذه الحكومات بحساب ناتج دخل الشركات الحقيقي من المبيعات من دون أن تتعرض بذلك للفوائد والأرباح، بحيث يترك أمر تقدير هذه الأتعاب للشركة الأساسية أو المعمل الذي يقوم بالتصنيع، بحيث يمكن قياس صافي الأرباح وذلك لأجل أن يتم حساب نسبة الأرباح الحقيقية للعمال والموظفين بوصفهم شركاء في المشروع لا يداً عاملة، وذلك يعتبر حماية لهم من أن يكونوا سخرة لأصحاب المشاريع الضخمة، وفي تطبيق هذا النظام يكون هناك أسلوب أكثر تمييزاً في منح المكافآت و الحوافز للموظفين والعمال، كما يكون هناك مجهود من الموظفين أنفسهم في السعي لتطوير خدمة للشركة ماداموا أنهم يحسون بأن مرؤوسيهم يراقبونهم باستمرار فيسعون في ذلك للاجتهاد بعملهم لتحقيق نسبة أعلى من الأرباح للشركة، والحقيقة هو أن هذا هو الأسلوب المعتمد في الكثير من الدول الصاعدة في وقتنا الحالي كالهند التي ترى أن إحكام نظام الرقابة المرئي على هذه المواد يأتي في الواجب القومي من حماية السوق الوطنية.
-
تقنيات حديثة تساعد حكومات العالم في تحديد كميات إنتاج المشروعات وتكاليفها لتحدد فيما بعد رواتب وأجور العمال المستحقة
الدور السلبي للتوظيف التقليدي
تعاني السوق الوطنية أيضاً من ناحية محاربة اليد الماهرة في كثير من الحالات حيث تقوم الكثير من جهات التوظيف العامة والخاصة من حرمان الدوائر والشركات الخاصة من أصحاب الكفاءات العالية عن طريق التمييز في التوظيف بين المتقدمين، فتخسر بذلك الشركات والسوق الوطنية الداخلية سواء على المستوى العام أو الخاص المنتجين الفعليين القادرين على التأثير ضمن السوق المحلية ما كان أحد أسباب هروب أعداد كبيرة من اليد العاملة للخارج، ولذلك فإن مواجهة هذه الظاهرة أيضاً بات أمراً لم يعد بالإمكان تجنبه، بل وهو واجب تشريعي في ضمان تأمين حق العمل للأفراد وصون القوانين الدستورية التي تنص على خضوع جميع أفراد المجتمع لفرص متساوية في التوظيف ضمن شروط متساوية.
فكان من غير المقبول السير على برامج المسابقات التي تعتمد على الحظ في كثير من الأحيان كما تعتمد على برامج اختبار قديمة ومتوقعة لدى المتقدمين، بذلك الجدوى التوظيفية في عملية انتقاء العنصر البشري.
-
من غير المقبول السير على برامج المسابقات التي تعتمد على الحظ في كثير من الأحيان كما تعتمد على برامج اختبار قديمة ومتوقعة لدى المتقدمين
محاربة أسواق العمل الوهمية أو الكاذبة
يعتبر مصطلح سوق العمل اليوم أحد أهم العلامات التي تميز الأسواق التي تمتاز بإضفاء أداء متميز من اليد العاملة إلى أسواقها، وتتميز الأسواق العمالية المتقدمة باعتماد أنظمة متقدمة في تسعير جهد العاملين، حيث تعتبر هذه الشركات أن الفرص الحقيقية للتوظيف التي تكافئ الموظفين وتقدم الخدمات في مقابل ذلك للعملاء أو المستهلكين، هي الطريقة الأنسب لرفع أداء أسواقها دوماً، وفي سبيل ذلك فقد خاضت هذه الحكومات كالصين وتايلاند وماليزيا، حروباً شرسة ضد شركات جمع الأموال، وشركات الوساطة المزورة، وذلك للحد أولاً من عمليات الاحتيال وثانياً لملاحقة هذه الشركات التي تضارب على رواتب وجهد الموظفين، وثالثاً لأن هذه الأسواق تعتبر سوق عمل كاذبة أو سوق عمل وهمية، تخفي معدل البطالة الحقيقي، وحيث لا يعتبر الموظفون في هذه الشركات، التي تتبع نظام العمولات، عمالاً أو موظفين بالمعنى الإنتاجي بل مشتركون في جرائم نصب واحتيال.
وكان الواجب رفع الستار عن أحد أفضل أنماط التوظيف والحساب المالي للموظفين، وهو الاتجاه الحديث السائد في العالم، والذي يعتمد مبدأ ربط الدخل، بالمبيعات وبالجهد المبذول من الموظفين أثناء العمل، حيث تأتي في طليعة الدول التي تعتمد هذه الطريقة البلدان الآسيوية الصناعية، حيث تعتمد هذه الدول على مبدأ تنشيط القطاع الحكومي عن طريق تزويده بأصحاب الخبرة من القطاع الخاص وتحول في سبيل ذلك إلى شركة خاصة تعمل بميزات خاصة، فنلاحظ أن هذه الدول لديها دائماً طلب عال على التوظيف الحكومي، وتتجنب في سبيل ذلك اعتماد أسلوب المسابقات الوظيفية التي تبقي باب الانتساب إلى الوظيفة الحكومية مغلقاً وضيقاً على الكثيرين من أصحاب الخبرة والهمم، ولذلك فقد كان من نتيجة ذلك أن اهتمام هذه الحكومات بمركز عمل الموظف الحكومي أحد أهم أسباب ازدهارها.
-
تعتمد الكثير من الدول على مبدأ تنشيط القطاع الحكومي عن طريق تزويده بأصحاب الخبرة من القطاع الخاص وتحول في سبيل ذلك إلى شركة خاصة تعمل بميزات خاصة