أكثر من 6 أشهر مضت على الملف الذي تحوّل بفعل فاعل مصرفي إلى قضية جدلية بامتياز، عندما خرجت المؤسّسة العامة للإسكان على المكتتبين والمتخصصين بمشروعي السكن الشبابي والعمالي بقرار إغلاق بطاقاتهم تحت مبرّر التخلف عن سداد الأقساط المترتبة عليهم لمدة 8 أشهر متصلة وما فوق، وهم أنفسهم، وبنسبة واسعة منهم، كانوا من المواظبين على السداد لدى فروع المصرف العقاري، والذي لم يواكب خطوات وإجراءات مؤسسة الإسكان في إعلانها الشهير بأن تسديد الأقساط الشهرية سيكون حصراً عبر المنظومة الوطنية للدفع الإلكتروني منذ بداية العام الحالي، حيث تضمن الإعلان بشكل واضح إنذاراً بمثابة التبليغ الشخصي، على أن يلحق باتخاذ الإجراءات القانونية في حال عدم تسليم البطاقة المؤقتة واستلام بطاقة الدفع الإلكتروني.
إلى هنا يمكن القول إن ثمة تبرئة ذاتية للمؤسّسة على مبدأ ” أعذر من أنذر”، ولكن – وبدون استحضار أرشيفي للسردية كاملة – يمكن القول إن “الطاسة بكل ما فيها” وقعت على رأس القائمين، ليس على المؤسّسة فحسب، بل على الوزارة والمسؤولين عن القطاع بأكمله، في وقت وجدت الكثير من الأطراف التنفيذية والمصرفية نفسها في موقف محرج من المواطنين وشريحة المكتتبين والمتضرّرين تحديداً. ولأن حسمها – تمّ وقتها – بجلسة حكومية فاصلة، وذلك في الشهر الرابع، وافق فيها مجلس الوزراء على تسوية أوضاع المكتتبين والمتخصصين والمتخلفين عن سداد الأقساط المترتبة، على أن يتمّ عملية إجراء التسوية خلال 4 أشهر من تاريخ صدور القرار.
عندما توجّهنا إلى عقر دار “الإسكان” لاستيضاح ما تمّ وما تحقق خلال الفترة المنصرمة، كان الجواب بأن المؤسّسة قامت فوراً بفتح البطاقات المغلقة للمكتتبين عند مبادرتهم إلى تسوية أوضاعهم، ودفع مبلغ التسوية المترتب عليهم خلال المهلة المحدّدة في قرار مجلس الوزراء، وتمّ احتساب مبالغ التسوية حسب مدة تأخير كلّ مكتتب، حيث أكدت سوسن شيط مديرة الحسابات بالمؤسسة أن شريحة واسعة جداً من المكتتبين سارعت للاستفادة من الفرصة التي منحتها الحكومة بناءً على مقترح المؤسّسة، في وقت تمّ التصريح لـ “البعث” برقم مهمّ يشي بأن هذه القضية أصبحت محلولة ولصالح المكتتبين الذين أثبت جلّهم مصداقيته في التسوية، لتسجل البيانات والوقائع فقط 2000 مشترك لم يستفيدوا من قرار التسوية، وذلك من أصل 35 ألف مشترك على مستوى جميع المحافظات.. والكلام بأرقامه عائد لمديرة الحسابات.
ومع أن ثمّة إشكاليات رافقت قنوات وجداول التنفيذ، ومفادها شكاوى خرجت من بعض المكتتبين بترتيب مبالغ مالية كبيرة تحت اسم غرامات تأخير، إلا أن إدلاء المؤسسة بالرقم السابق يعطي صورة مغايرة للفكرة السائدة عند البعض بأن ثمّة غبناً وفساداً وخللاً في حقوق المكتتبين، لتؤكد شيط أن المؤسّسة لم تكن يوماً إلا في صف مواطنيها وزبائنها من المكتتبين الذي لطالما تعكزوا على الظروف الاقتصادية وبرروا تقصيرهم بالسداد لحالة الحرب وتداعياتها، لدرجة أن لجوء البعض آنذاك -أي خلال فترة المشكلة- إلى إدارة قضايا الدولة للمطالبة بحقوقهم لم يعتبر مدعاة للامتعاض لدى إدارة المؤسسة التي قابلت الملوحين بهذا الخيار بالتشجيع والنصيحة، مع الإشارة إلى أن موضوع المهل من وجهة نظر أنظمة المؤسسة ليس قانونياً، إلا أن هذا الأمر تمّ على شكل مراسيم لأكثر من مرة منذ عام 2014 مروراً بعام 2015 وكان آخرها في عام 2016 وكلها منحت المكتتبين المتخلفين مهلاً إضافية وكان التنفيذ سيداً لدى أروقة الإسكان.
ليس خفياً، في هذا السياق، أن ثمة عقوداً من الانتظار لشريحة المكتتبين وصلت إلى أكثر من عشرين عاماً، علماً أن الشقق كان يجب أن تسلّم خلال سبع سنوات من الاكتتاب، أي عام ٢٠١٢. وفي وقت يرى الكثيرون أن المسؤولية التقصيرية على المؤسسة جلية، ويعتقد آخرون أنه كان حرياً بها التعويض وليس التغريم بحجة تأخير المكتتبين، تؤكد إدارة المؤسسة أن تسديد غرامات أيام التأخير كان على ثلاث مراحل، وتمّ إعطاء فترة زمنية لتسديد الالتزامات تحت طائلة تطبيق المرسوم وإلغاء الاكتتاب.
وفي سياق الشرح والتوضيح لآليات السداد، ذكرت المؤسّسة، في إعلانها للمكتتبين والمخصصين غير المبرمين عقودهم على مشاريعها في السكن الشبابي والعمالي، أن تسديد الأقساط الشهرية حصراً عبر المنظومة الوطنية للدفع الإلكتروني منذ بداية عام 2024، وأن هذا الإعلان اعتبر بمثابة تبليغ شخصي، وتقوم باتخاذ الإجراءات القانونية في حال عدم تسليم البطاقة المؤقتة واستلام بطاقة الدفع الإلكتروني.