بوابة العبور إلى الاقتصاد الرقمي ومحاربة الفساد.. الشمول المالي إستراتيجية وطنية وضرورة اقتصادية سورية
الخبير السوري:
منذ عام 2010 تعهدت أكثر من 55 دولة بتحقيق الشمول المالي، وقامت أكثر من 33 دولة بإطلاق استراتيجيات وطنية لتحقيق هذا الهدف، لتوفير كل الخدمات المالية لكل شرائح المجتمع عبر الحسابات المصرفية والمالية عبر قنوات شرعية، لتبلغ نسبة الأشخاص ممن هم فوق عمر الـ15 عاماً ممن لديهم حسابات مصرفية 51% عام 2011، فيما ارتفعت لحدود 62% عام 2014، و69% عام 2018، حسب تقارير البنك الدولي.
إلا أن هذه المعدلات تبدو منخفضة في الدول النامية التي بلغت 63% قياساً بالمُتقدمة التي بلغت 93%، فيما سجلت نسبة الأفراد ممن لديهم حسابات ادخارية في الدول النامية 43% مقابل 71%، أما عن النسبة من إجمالي الإقراض فقد سجلت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نسبة 7.5% مقابل 6.5 % لدول آسيا الوسطى و8% في جنوب الصحراء الكبرى.
الشفافية المصرفية
أما في الحديث اليوم عن سورية، فقد نص قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020 على أن الشمول المالي هو إتاحة مختلف الخدمات المالية للاستخدام من جميع فئات المجتمع، من خلال القنوات الرسمية، بجودة وتكلفة مناسبة، مع حماية حقوق المستفيدين من تلك الخدمات، بما يمكنهم من إدارة أموالهم بشكل سليم.
كما يعرف المحامي حيدرة سلامي الشمول المالي اصطلاحاً بأنه إدخال أو دمج الفئات، المهملة أو الجهات المجهولة مالياً، ضمن إطار إحصاء الأموال الخاصة أو الناتج القومي للأفراد عموماً، وفي مصلحة فرض الرقابة المصرفية على المشروعات الخاصة، وبناءً عليه أصبح من الممكن، وفق رؤية سلامي، القول إن تشميل كل الأموال الخاصة والعامة ضمن المنظومة المالية المُصرح عنها ضمن الدولة، أحد أساليب مواجهة السوق السوداء في أي بلد، وبالتالي تشميله ضمن خطة العمل المالي للحكومة، والذي لا يتحقق إلا من خلال إدخال هذا الناتج حسابياً ضمن المنظومة المالية للمصارف داخل الدولة، بحيث يخضع دخل الأفراد في ذلك للرقابة المصرفية، ويكون ذلك في مصلحتهم، لدوره عموماً في تسهيل منح القروض والخدمات المالية لعملاء المصرف.
رقابة مصرفية
تطور آلية العمليات المصرفية باستخدام أجهزة حديثة، ضمن منظومة عمل بسيطة كأجهزة الجوال والحاسب المحمول، يعد تطبيقاً للشمول المالي في بلادنا، برأي المحامي سلامي، الذي قدم في حديثه لـ”تشرين” تعريفاً للمعنى العملي للشمول المالي، أي إتمام جميع التعاملات المالية بطريقة إلكترونية، وتخفيف الاعتماد على الورق النقدي، الذي شرعت السوق السورية مؤخراً بتطبيقه لدى منظومات الدفع الإلكترونية، بدءاً بطريقة الدعم المُعتمدة من الحكومة ومن ثم دفع فواتير الماء والكهرباء عن طريق الهاتف المحمول أيضاً.
إلا أن الغرب لم يكتفِ بهذه العملية ضمن أعمال الدفع الإلكتروني، بل اتجه لاتباع سياسة الشمول المالي في مكافحة الأسواق السوداء من جهة، وفي فرض الرقابة على المشروعات التي لا تحمل التراخيص من جهة أخرى، وكانت البداية من فرض الضرائب على كل أنشطة الإنتاج، كما أنها شجعت على توطين الأموال داخل بنوك الدولة، من خلال منح الامتيازات والتسهيلات في منح الخدمات المالية والإعفاءات الضريبية للمودعين والمصرحين عن نشاطهم.
* الغرب لم يكتفِ بتحقيق الشمول المالي ضمن عملية الدفع الإلكتروني بل استخدمه في مكافحة الأسواق السوداء وفي فرض الرقابة على المشروعات غير المرخصة
عوائد اقتصادية
لكن السؤال اليوم.. لماذا التركيز على فكرة التطبيق الشمول المالي؟ الإجابة بالطبع لدوره في المساهمة بنسبة واحد بالمئة زيادة في النمو الاقتصادي وتوفير قرابة أكثر من 15 مليون وظيفة جديدة سنوية في الاقتصادات ككل، من هنا تكمن أهمية توجه المؤسسات والحكومات لتطبيقه.
كما يؤكد المحامي حيدرة سلامي هذه الفائدة، من خلال عرض نتائج توطين الأموال لدى البنوك في الغرب، بالاندفاع لدى شريحة كبيرة من المشروعات الصغيرة، وفئة كبيرة من صغار الكسبة إلى المنظومة المصرفية لبلادهم، إضافة إلى تسهيل منحهم القروض والتسهيلات المالية بناء على وصول تحليلات مالية للبنوك برواتبهم وبعائدهم المالي الصحيح، الذي نتج عن توطين أموالهم، أو تشميلها بالرقابة المالية، الذي بدوره ساعد البنوك على التخلص من مخاطر عدم السداد، وساهم في عودة القروض لدعم القاعدة الشعبية بالطريقة المناسبة.
* نتائج توطين الأموال لدى البنوك في الغرب دفعت إلى شريحة كبيرة من المشروعات الصغيرة وفئة كبيرة من صغار الكسبة إلى المنظومة المصرفية لبلادهم
استقطاب العملاء
إذاً فالشمول المالي هو جزء لا يتجزأ من المنظومة الرقمية الحديثة، والسبب برأي سلامي لاعتماده على تخزين قدر كبير من بيانات العملاء، ومن ثم إجراء التحليلات المالية والبيانية لهذه المعطيات، وهو أمر من الصعب تحقيقه في ظل غياب منظومة تقنية متكاملة، إلا أن منظومة العمل السوري تقوم على مبدأ تخزين بيانات العملاء لدى ذاكرة الحواسيب أو الأجهزة، بينما تعتمد منظومة العمل الرقمية في الشمول المالي، على مبادئ التخزين السحابي أو التخزين على الخادم the server كما في الشركات الكبيرة أو المصارف، هنا تبدو الحاجة لدينا إلى التطوير وإجراءات التحليل والتغييرات الآنية والمستمرة على قاعدة بيانات العملاء، وهو ما يعد صعباً للغاية أمام المنظومة التقنية البطيئة الحركة لدينا، كما أنه من الصعب الخوض في تفاصيل تطبيق الشمول المالي، من دون توافر هذه التقنية الحديثة، لاسيما في ظل العقوبات المفروضة، وهي صعوبات تعد آنية وضمن الوقت الراهن.
* منظومة الأرشفة القائمة في بلادنا منذ وقت طويل تُخضِع أي عملية تغيير تقني للإعادة لحجم الضرر الحاصل في حال تطبيق مبدأ الشمولية المالية أمام المكاسب التي يحققها الأفراد من هذا النظام
عامل الوقت
أما عن الناحية الزمانية المرتبطة بتحقق هذه الرؤية فهي ليست ببعيدة عن المدى المنظور، وفق رؤية المحامي حيدرة سلامي، لما تواجهه منظومة الاتصال العالمية من تطور مستمر، لتبدو القضية مسألة وقت ليس إلا، إلى حين تطور التخزين السحابي وتطور أنظمة تخزين المعلومات معه، بحيث تصبح قادرة على تغطية الاحتياجات التقنية، لتحقيق مبدأ الشمول المالي، حتى ضمن دول العالم الثالث.
نعم، هي حاجة ملحة وضرورة أيضاً، ضمن عصر ثورة الاتصالات الحديثة، لدور التطور التقني باختصار الوقت والمادة، إلا أنه وبالرغم من ذلك، فإن الحديث عن تغيير آني ليس بالأمر السهل، برأي سلامي، أمام منظومة الأرشفة القائمة في بلادنا منذ وقت طويل، التي تُخضع أي عملية تغيير تقني للإعادة، ناهيك بالضرر الحاصل في حال تطبيق مبدأ الشمولية المالية أمام المكاسب التي يحققها الأفراد من نظام الأرشفة، لذا فإنه للسير بركب منظومة أتمتة الأموال العامة والخاصة ضمن البلاد، لا بد من تقديم التنازلات عن الكثير من الامتيازات والكثير من المُكتسبات التي حققها بعض الأفراد، لذا فالبحث في عامل الوقت والزمن قبل الانطلاق في أتمتة الأسواق المالية ضروي، بحيث تكون جاهزة لاستقبال نظام الشمول المالي، في الأيام القادمة.