الخبير السوري -كتب الدكتور عامر خربوطلي:
يحلو للبعض في إطار الثقافة الاقتصادية أن يتحدث عن طريق اقتصادي أول وثاني ورابع يحاول فيه دمج نموذج اشتراكي مع رأسمالي أو رأسمالي متطرف أو حتى اجتماعي لأبعد الحدود، متناسيين أن التنمية المطلوبة للاقتصاد السوري لم تعد تحتمل طرق وأسالب تم تجربتها ولم تحقق النجاح المطلوب.
ولماذا نلهج للبحث عن طريق جديد والطريق أمامنا واضح ومعبد وهو ما يلتصق أصلاً بقواعد العمل الاقتصادي الناجح وبمتطلبات بيئة الأعمال التي لا يمكن لها أن تأتي قسرا ولا يمكن قيادتها بالأوامر.
تعرض الاقتصاد السوري في فترة الحرب لتراجع غير مسبوق وصل في مراحل إلى نسب انكماش سجلت 22% من الناتج المحلي الإجمالي GPD وهي جاءت نتيجة تراجع القطاعات الرئيسية (زراعة -صناعة-خدمات) بنسب مختلفة إلا أن الجامع فيها هي الانكماش وعدم النمو مما انعكس على مجمل القطاعات المالية والنقدية والتجارية والتي سجلت معدلات سلبية ولا يمكن محاولة الخروج من عنق الزجاجة دون معالجة الأسباب التي لم تكن جميعها نتيجة الأزمة بل نتيجة سياسات وإجراءات اقتصادية قاصرة وضعيفة وأدت إلى تعميق نتائج الأزمة مما انعكس سلباً في تراجع الدخل الفردي وتفاقم التضخم وتزايد البطالة والفقر لحدود غير مسبوقة.
عموماً يمكن تلخيص تحديات بيئة ما بعد الحرب من الناحية الاقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي:
1-الحاجة لوضع رؤية اقتصادية بعيدة المدى على قاعدة (ما يجب أن يكون) حتى عام /2050/
2-الابتعاد عن الجدل الإيدولوجي في تحديد هوية الاقتصاد السوري والنماذج الاقتصادية المطلوبة والاعتماد علىى قاعدة التنمية المتوازنة عبر نموذج النهج الاقتصادي الحر مع أدوات فاعلة للعدالة الاجتماعية.
3-عدم إضاعة الوقت في توزيع الأدوار بين القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة والاعتماد على قاعدة إعطاء المهمة لمن يستطيع أداءها بأقصى درجات الكفاءة والفاعلية.
4-معالجة فورية لتراكمات اقتصادية واجتماعية أدت لتراجع الطبقة الوسطى وتزايد حدة الفقر ووصولها إلى حدود غير مسبوقة.
5-حالة الركود التضخمي المستفحلة والتي أدت إلى دخول الاقتصاد في نفق الكساد وتراجع المبيعات في أغلب السلع والخدمات المترافق بشكل متناقض مع حالة من التضخم وارتفاع الأسعار غير المسبوق وهذا ما أدى لجمود وتدفق عمليات الادخار والاستثمار وتراجع الاستهلاك.
6-تحديات تناغم السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والتجارية التي تبدو حالياً غير متناسقة ويعوزها البعد الزمني المستقبلي مما يؤثر على آلية العمل الاقتصادي وفاعلية القرارات الاقتصادية.
7-تحديات تأمين تمويل عمليات إعادة الإعمار وبخاصة للبنى التحتية والطاقة وتفعيل المحركات الذاتية للنمو الاقتصادية.
8-تحديات التخلص من التدابير أحادية الجانب الخارجية وبدء تدفق المساعدات المالية والنقدية.
أما على المستوى الجزئي :
1-تحدي إعادة إقلاع الأعمال الصغيرة والورشات بعد تأمين احتياجاتها من الطاقة والمواد الأولية والأيدي العاملة.
2-تسهيل بيئة مزاولة الأعمال وتخفيض أعباء البدء بافتتاح الأعمال وتأمين خدمات التمويل والاستشارات والمعلومات والتدريب وبخاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
3-إدخال مفاهيم جديدة في عمليات التمويل بضمانة الفكرة والاعتماد على الإدارات المحلية (البلديات) في دعم ورعاية المشروعات والأعمال (علم وخبر) دون الحاجة للهيئات المركزية.
4-تحدي رفع إمكانيات التمكين الاقتصادي والمشروعات الناشئة الريادية ذات المحتوى التقاني والرقمي عالي القيمة.
الطريق الوحيد للاقتصاد السوري هو طريق رفع دخل المواطن وتحسين معيشته وتمكينه من العمل اللائق والفعل المؤثر عبر تسخير جميع الإمكانيات والتشريعات لخلق الأعمال الجديدة الناجحة والقادرة على الاستمرار وهي وحدها التي تحقق الدخل الأكبر ويبقى دور الحكومة كمشجع وحكم وموجه.
إلى التنمية والانتعاش (طريق واحدٌ) يمر من فوهة اقتصاد ناجح.