غابت مجالس المدن والمحافظات عن السوق، على الرغم من أنها المعنية بالتسعير اليومي للسلع والخدمات المباشرة للمواطن، ويكتفي معظم أعضاء هذه المجالس بمطالعة أخبار السوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، وهذا شيء مريب لم نفهمه على الرغم من تكرار تلك الملاحظات الجوهرية والتعليقات على مهام هذه المجالس النائمة.
المواطن بالعموم صاحب حق…وغالباً ينحو باللائمة على الرقابة التموينية، لكنه غالباً لا يعلم أن المجالس المحلية صاحبة اختصاص ومسؤولية في تسعير المواد الاستهلاكية وبشكل يومي، كما أنها مخولة بل ومكلفة بمراقبة الأسعار، وهذا من صلب عملها اليومي.
بالفعل ثمة لغز ما صعب أو وقائع لا تحتاج إلى تفسير بخصوص طفرة الارتفاع الجديدة في أسعار السلع الاستهلاكية خلال اليومين الماضيين، كافة المواد الغذائية بما فيها الخضار الموسمية ” بنت البلد” شهدت ارتفاعات سعرية قاهرة فعلاً…ولن نعدد الأصناف التي استطعنا في “الخبير السوري” أسعاره، بل سنكتفي بنماذج قليلة.. الأول هو البطاطا التي تباع بالمفرق بسعر 12 ألف ليرة سورية للكيلو…وفي نسق ثان نذكر الزيت النباتي إذ ارتفع سعر العبوة المسماة لتر وهي في الحقيقة سعة 750 مللتر ..تباع بسعر 25 و 26 ألف ليرة سورية بعد ثباتها لفترة غير قليلة على سعر 22 ألف ليرة…ناهيك عن صحن البيض الذي ارتفع فجأة من 42 ألف ليرة إلى 52 و53 و في بعض المتاجر 55 ألفاً، وطبعاً للصحن زنة 1800 غرام وليس 200 غرام كما يزعم الباعة.
تأتي هذه الارتفاعات على الرغم من استقرار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، وانتفاء هذه الذريعة المزمنة تذبذب سعر الصرف.
بالعموم لا توجد اختناقات في الإنتاج والمعروض السلعي المنتج محلياً والمستورد، لكن قد يكون هناك زيادة في الطلب لا سيما من قبل المطاعم والمنشآت السياحية التي تعمل بطاقتها القصوى وتحقق إشغالات غير مسبوقة منذ عدة سنوات، ونعلم أن معظم روادها هم من المغتربين العائدين للاصطياف في سوريةـ بعد حالة الاستقرار التدريجية التي تشهدها البلاد.
ويعزو التجار هذا الارتفاع في الأسعار إلى عدة عوامل، منها عدم وضوح الخطة الاقتصادية وارتفاع تكاليف المحروقات والنقل والطاقة.. لكن هذه العوامل أيضاً ليست طارئة كما الأسعار الجديدة..لذا لا يبدو أن ثمة مصداقية في هذا الزعم بتاتاً.
من جهتها، تعتبر مديرية الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن الفوضى في تسعير المنتجات لا مبرر لها، وتطالب بضرورة الالتزام بالنشرة التموينية التي تصدر بالتنسيق مع المنتجين والمستوردين.
وتوضح المديرية أن الظروف الاقتصادية الحالية تفرض على الدولة التدخل في التسعير ووضع ضوابط للمواد والسلع.
أما الخبير الاقتصادي جورج خزام، فيؤكد أن الأسعار ما زالت مرتفعة بسبب وجود منصة التمويل المقيدة للبضائع، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف المحروقات وتأثيرها على تكاليف الإنتاج.
ويشير إلى أن توحيد الأسعار أمر صعب بسبب تفاوت التكاليف النهائية للبضائع بين مختلف التجار والمحال.
في المقابل، تطالب جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها بإشراكها في عملية التسعير المركزي، مؤكدة أن مشاركتها ستتيح لها فهمًا أعمق لواقع الأسواق.
ومع ذلك، لم يتم تحقيق ذلك بعد، مما يعزز من وجود السوق السوداء والاحتكار.
وتطالب الجمعية بتوفير المواد المدعومة مثل الغاز والمازوت، لأن نقصها يزيد من الفوضى في الأسعار، مشيرة إلى أن مشكلة ارتفاع الأسعار تفوق قدرة وزارة التموين على ضبطها، لاسيما أن هناك فرقًا كبيرًا بين النشرة التموينية والواقع، لدرجة أن الأسعار في الدول المجاورة باتت أرخص من الأسعار المحلية.
لكن اللافت في مثل هذه المناخات غير المستقرة غياب أي تعليق أو حراك من مجالس المدن والمحافظات..فما هو السبب ؟؟