نسيم عمران – الخبير السوري:
بعد مرور تسعة أشهر على العمليّة النّوعيّة لفصائل المق_اومة الفلسطينيّة في غزّة ، وإحداث خرق وجودي لكيان الاحتلال على الصعيد الأمني والوقائي والاقتصادي والاجتماعي ، ما النّتائج المحصودة فلسطينياً أولاً ، عربياً ، إقليمياً ؟ وما تبعات ذلك لاحقاً على استقرار منطقة الشّرق الأوس_ط .
– يبدو أنّ معركة روسيا _ النّاتو قد تراجعت إعلاميّاً عن تصدّر عناوين الأخبار بعد حدوث تطور خطير على السّاحة الفلسطينيّة ، فبعد الحديث عن مُسيّرات وطائرات النّاتو المتساقطة فوق سماء روسيا وأوكرانيا ، أصبح المشهد يرسم طائرات الفلسطينيين البدائيّة والمحليّة الصّنع تغرّد فوق الأرض المحتلّة لتوصل رسالة مفادها أنّ التّغيير قد بدأ بمعادلات جديدة لم يتوقّعها أحد ، بالإضافة إلى الاستفادة من مدرسة الحرب التي أنتجها الجنوب اللبناني في طريقة التّنقل والقتال من المسافة صفر وتحقيق الإنجازات والانتصارات وحتّى الدّفاع والثّبات في المواقع ، ناهيك عن التّنظيم والتّماسك على مختلف ساحات القتال .
– إنّ عنصر المفاجأة الذي تمّ تحقيقه واستغلاله إعلاميّاً لاحقاً أظهر هشاشة واضحة في الهيكل الأمني والاستخباراتي للعدو ، وأسقط مفهوم الرّدع الذي لطالما حرص الإعلام الإسرائي_ لي على ترسيخه عالميّاً بدعم واضح من الدّول الأوروبيّة وأمريكا، والتزام تلك الدّول بحماية أمنها عبر حماية السّرطان الاستعماري على الأراضي العربيّة .
– إنّ المُتابع لسير الأحداث على السّاحة الفلسطينيّة قبل إعلانهم للحرب يجد أنّ قرار الحرب جاء بعد حملات متصاعدة من قوّات وحكومة العدو لأسر وتعذيب والتّضييق غير المقبول على الشّعب الفلسطيني على كامل مساحة فلسطين ، وإنّ تجهيز فصائل القتال الفلسطينيّة لهذه الحرب لم يكن وليد اللحظة وإنّما بعد تخطيط حربي واستخباراتي ومعلوماتي دقيق ومُتابعة متواصلة لتحركات العدو ، والعمل على استغلال العنصر البشري المتعلّق بالأسرى وطريقة المُعاملة والاحتفاظ بهم وتوزيعهم في أماكن مخصّصة سابقاً للتّفاوض ، ووضع كيان العدو تحت ضغط مُستمر ومُتواصل شعبياً وحكوميّاً ، وإظهار العدو بمنظر غير المُبالي والمُهتم بشعبه وأسراه .
– لقد راهن وحاول العديد من الانهزاميين على رفض الشّارع الفلسطينيي لعمل المقاوم_ة ونبذه ، ولكن إحاطة هذا الشّعب بمقاوم_ته ودعمه لها وإصرارهم على متابعة الكفاح حتى آخر رمق ، على الرّغم من التّدمير الممنهج لمنازلهم وأرزاقهم من قبل آلة العدو ، وقتله للأطفال والنّساء والشّيوخ ، أدّى إلى تفاقم أزمة العدو وتعريته أمام العالم أجمع وخاصّة بعد التّجمعات المُطالبة بمحاكمة العدو وقادته العسكريين والسّياسيين ، والذي ظهر جليّاً في دعوى جنوب إفريقيا رسميًا بتطبيق اتفاقيّة منع جريمة الإبادة الجماعيّة والمُعاقبة عليها في قطاع غزة، في محكمة العدل الدوليّة في لاهاي، الأمر الذي زاد من مأزق العدو عالمياً .
– إنّ مبدأ وحدة السّاحات الذي فرضه الجنوب اللبناني ، واليمن الجريح ، ساهم في تشكيل معادلة ردع جديدة ، وزاد من حجم الضّغط العسكري والسّياسي ضدّ جيش الاحتلال ، وخاصّة في مناطقه الشّماليّة ، بالإضافة إلى تراجع اقتصاده ، وتحويل جزء كبير من الدّعم العسكري لأوكرانيا وتوجيهه نحو فلسطين ولكن دون جدوى ودون تحقيق أي إنجازات عسكريّة على أرضها ، وهذا ما برز في تصريحات وسائل إعلام العدو وتباكيهم على الواقع المفروض والجديد ، وبروز معادلة جديدة وهي أنّ الأرض لأصحابها ولو بعد حين .