بين نظرياتهم وتطبيقاتنا…بقلم: ناظم عيد

 

كانت ثقيلة جرعة الإحباط التي اعترت كل مترقبي التطوّرات المتسارعة حول محور أساسي اسمه “الحل السياسي في سورية”، أمام صفاقة الإعلان والقرار الأميركي بالجفاء مع الروسي، ورفض التعاون معه في محاربة تنظيم داعش الإرهابي إلا بشروط على شكل تنازلات ذات صلة بالسيادة السورية، رغم تزاحم “المبادرات” الغربية لمكافحة التنظيم، الذي بات أشبه بمسمار جحا للتدخل في الشرق الأوسط لاسيما في سورية!!..

فقد غدونا أمام حقائق تؤكد أن المشهد الدولي لم يختلف كثيراً – ولا قليلاً – وفق آخر إحداثيات تموضع أطرافه في الموقف من الإرهاب، عما كان في بداية تفاعل الجدل حول الظاهرة بعد الوقائع الصادمة التي تمّ تسجيلها في سورية.. نعم ليس من اختلاف يمكن الركون إليه، وإن كان ثمة إعلانات تحوّل متفرقة تزعم نيات المواجهة مع الخطر العائد من سورية، وتحركات أنتجت سوقاً إعلاميةً علت فيه أصوات “الباعة” ومروجي البضائع المزيفة. ليبقى التحوّل الصارخ الذي حصل فعلاً هو انتقال داعمي الإرهاب من حالة التخفّي إلى إعلان الرعاية والاحتضان والتبنّي المطلق، وكأنهم يعتدّون ويتمترسون بضمانات أممية على مستوى مؤسسات الأمم المتحدة، التي تكاد تكون متورطة هي ذاتها بمحاباة الإرهاب، عندما تتقبله كأمرٍ واقع ويحظى بـ “ممثلين” وناطقين صريحين باسمه في أروقتها!!.

إلاّ أن في وقائع المشهد السوري الجارية على التوازي مع “اللغط” الدولي حول “التسويات المقولبة”، ما يبشّر بجملة حقائق جديدة، تؤكد خلاصاتها أن رياح الحل تسير بوتائر أسرع بكثير من التحضيرات المتثاقلة والمسوّفة المطعّمة بالجدل البيزنطي، التي تدّعيها الجهات المشغّلة للجماعات الإرهابية، وتحاول استخدام المؤسسات الدولية لفرضها، فهنا على الأرض تتوالى التسويات والمصالحات، وتواكب إنجازات الجيش العربي السوري المتسارعة، أي في بيئة باتت تتسم بانحسار كبير لمساحات الجدوى من المواجهة مع الدولة، حيث بات المسلحون يدركون أن حسبهم الفوز بفرصة حياة وعودة سالمة إلى مجتمع يتقبّلهم.

هي حقائق مربكة لكل المتكلّفين بأفعالهم والمتحذلقين بتصريحاتهم في الأروقة الدولية حول مستقبل سورية، فبالتأكيد لن يكونوا في أحسن حال عندما يرسمون سيناريوهات الحل ويكتشفوا أنها مسبوقة بحسمٍ على الأرض يقطع عليهم مسارات الاستعراض أولاً والمتاجرة بمصائر الشعوب ثانياً واستثمار أزمات الدول ثالثاً.

من هنا قد لا يكون من الحكمة عدم المتابعة والرصد الدقيق لمحاولات أميركا والغرب وتوابعهم في المنطقة، الجارية لنسف كل أشكال الحل السياسي للأزمة السورية، وهي محاولات لم تعد مغلّفة بأغطية تنشد “عدم المؤاخذة” كما العادة، بل بدت بالغة الوضوح وتستخدم المسارات الأممية الرسمية ذاتها التي تزعم استخدامها لتسريع وتيرة الحل، والتصريحات المتناقضة والمتضاربة تؤكد ذلك.

وفي سياق مثل هذا الرصد لا بد أن ننتبه لمساعي الأميركي الحالية نحو “تصنيع” شكل ما من أشكال “المعارضة المعتدلة” تتماهى بـ “أمبلاجاتها” مع النموذج الغربي المقبول في أدبيات الرأي العام هناك، ويبدو أن كل الفصائل الإرهابية المسلحة جاهزة الآن لانتحال صفة “معارض جنتلمان”، ليكون حامل الخلاص من الإحراج الذي يشكله الحضور الطاغي للإرهاب الوحشي، لواشنطن وعواصم الوهم الليبرالي..

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]