وصلنا أخيراً إلى نقطة البداية الصحيحة في التعاطي مع ملف الدعم المعقد والمعند.
بداية ستكون متبوعة بسلسلة تفاصيل مكثفة لن تخلو من الجدل متعدد الدوافع، من أصحاب الهواجس الحقيقية.. مروراً بهواة المماحكة.. وصولاً لأصحاب الرأي ووجهات النظر الخلّاقة، والحصيلة ستكون خليطاً من ضجيج اعتدنا عليه.
لكن لابد أن يهدأ الجميع للوصول إلى خيارات حكيمة ومنصفة، بما أن الحكومة أعلنت الملف ملفاً حساساً وأدخلته إلى غرف العناية الفائقة، فثمة حيثية أهم من الحصص النقدية التي سيجري تخصيص من يستحقون الدعم بها، وهي حسابات الكلفة أو التكلفة التي كانت ومازالت وحسبنا ألا تبقى مطرح جدل حاد.
التكلفة بالتحديد هي المشكلة، فعلى أساسها سيتم تسعير المنتج وحساب نسبة الدعم للمدعومين، وسعر البيع الحرّ لسواهم.
لا نخفي أننا ومن خلال متابعتنا للكثير من الحالات في الوسط التنفيذي استنتجنا أن لدينا مشكلة كبيرة في حساب التكاليف، وهذه المشكلة هي أساس الارتباك أمام حصر الأرقام الحقيقية لعجوزات الدعم.
وقد نكون اليوم بحاجة إلى الخروج بأرقام دقيقة أو على الأقل قريبة من تكلفة إنتاج كل سلعة سندعمها، أو سنبيعها بشكل حرّ، لنتمكن من اتخاذ القرار السليم.. ولا نملك هنا إلا أن نعترف بالكم الكبير من الخلل الذي يعترينا دوماً في هذه النقطة بالذات…التكلفة التي أدخلتنا جميعاً في دوامة جدل بيزنطي.
ليس في السلع المدعومة وحسب، بل في كافة ما تنطوي عليه أسواقنا من سلع وخدمات، لم نهتد يوماً إلى تحديد تكلفة دقيقة أو قريبة من الواقع لأي منتج أو خدمة، بالتالي دوماً تكون الأرباح والعلاوات مفتوحة، ومستهلك السلعة والخدمة هو الخاسر الوحيد، لذا دوماً نكون أمام متوالية شكوى وصراخ.
لدينا مشكلة كبيرة في نظامنا المحاسبي العام – كما يشير متخصصون – وهذا خلل عميق وبنيوي في مؤسساتنا كما أسواقنا، ولعله السبب في عدم قدرتنا على إنتاج رقم دقيق، وتعدد الأرقام وتنازعها وفبركتها من قبل مختلف الجهات.
بخصوص السلع المدعومة.. إن أردنا عدالة حقيقية بالفعل، علينا أولاً وقبل كل شيء أن نحصر التكلفة ونحددها لنعرف مقدار الدعم الذي سيحصل عليه المواطن “المدعوم”.
وعلينا ألا ننسى ونحن نحسب التكاليف، أن نحسب تكلفة الفساد في مراحل الإنتاج والتوزيع، وقد نكتشف أنها صاحبة الحصة والنسبة الأكبر.