كم هي كثيرة فرص الاستثمار الصغير ومتناهي الصغر في الريف السوري، وهي النافذة المفتوحة لهروب الفقراء من فقرهم، والتغلب على حالة العوز التي أمست ظاهرة في مضمار واسع يجب – موضعياً – أن ينعم أهله بالكفاية.
لمن يسأل…كلمة السر هنا تكمن في القيمة والقيمة المضافة لأسس الإنتاج وميزات كل منطقة والريف السوري عموماً..إلا أن عدم التقاط هذه الكلمة المفتاحية، أخذ الجميع باتجاه بعيد نحو ما بات مشكلة وخلل كبير وهو الشغف بما يمكن تسميته “الاقتصاد الخام”..وهي في الواقع مشكلة البلد عموماً ..ومن يتابع سيستنتج أن الصادرات السورية الخام تهمة وليست امتيازاً كما يحاول بعضنا تسويق الأمر.
في الريف يتجه الأهالي هناك نحو الاستثمار في جمع وتسويق النباتات الموسمية البرية، التي لاتحتاج إلى عناية وإنفاق للوصول إلى مرحلة الإنتاج، ولعل موسم القبار مثال واضح ومثله الزعتر البري وسلسلة منتجات تقليدية، بات لها منظومتها التجارية الخاصة..ولنلاحظ هنا العبرة في أنها لاتحتاج إلى عناية وتكاليف..أي حالة خام بمدخلاتها ومخرجاتها، أي الخام مشكلتنا المزمنة.
في مجال الإنتاج الحيواني..خسر كثيرون ممن يبيعون منتجاتهم خاماً، وربح من اختار أن يحقق قيماً مضافة عليها، وفازوا بعلاوات مجزية أكثر من المربين، فهؤلاء هم مصنعو السمن الحيواني واللبنة والجبنة وسلسلة منتجات تقوم على الحليب كمادة أولية..فقد خسر من باع حليباً خاماً ..وربح من استثمره كمادة أولية سواء كان منتجاً له أم يعتمد على تسوقه بقصد التصنيع..
الأمثلة كثيرة .. تستحق الاهتمام والمتابعة و”اكتشاف” سبب هروب الفلاحين إلى بيع منتجاتهم خاماً وعزوفهم عن إضافة لمسات بسيطة تعود عليهم بالأرباح ؟
بالتحليل سنجد أن ضعف الإمكانات المادية و عدم كفاية مستلزمات إضافة حلقات تصنيعية على المنتج الريفي، هو السبب الذي يرتب متوالية ضياع جهود الفلاحين وفوات فرص عائدات كبيرة عليهم.
المشروعات متناهية الصغر تبدأ من هذه الحلقات البسيطة، ومن هذه البيئة الخصبة المواتية لإقامة استثمارات تنقذ الفقراء من فقرهم..وهنا يبرز سؤال هام وهو: ماذا نال هؤلاء وكل فقراء سورية من سلسلة التخطيط المزمن لإطلاق منظومة دعم حقيقي لمشروعات “الفقراء” أو المشروعات متناهية الصغر..
المسألة بحاجة إلى النزول نحو الميدان، وتحديد البيئات المستهدفة وفق لائحة ميزات بديهية ومعروفة…وإن لم نبادر سيبقى الخام خاماً والفقراء فقراء ..بل لعل المشهد سيأخذ بعداً أوسع طيفاً.