عواقب وخيمة تركتها الحرب على البيئة في سورية، إضافةً إلى ما نشهده من تغيراتٍ مناخية، التي، ووفقاً لما ذكره تقرير أعدّته اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتعاون مع الصليب الأحمر النرويجي وبدعم تقني من مركز المناخ التابع للهلال الأحمر والصليب الأحمر، باتت من أكثر المناطق تأثراً بتدهور البيئة وتغيّر المناخ، ليُّسلَّط التقرير الضوء على الحاجة الماسة لدعم برامج التكيف مع التغيّر المناخي ودمجها في مبادرات التمويل وآلياته، بهدف التصدي للآثار المضاعفة للتغيّر المناخي وتدهور البيئة والحرب.
سهير زقوت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سورية، بيّنت وفقاً لصحيفة البعث ” لينا عدره” : مجموعة من النقاط التي تضمّنها التقرير، منها معاناة سورية من الإجهاد المائي، ما أثر بشكلٍ مباشر على التربة وزيادة مستويات الملوحة، إضافةً للجفاف طويل الأجل وارتفاع درجات الحرارة، ما ترك تأثيراً مباشراً على الإنتاج الزراعي، وهدَّد الأمن الاقتصادي والغذائي للسكان، إضافة لأثر الحرب وما سبّبته من تفاقم للحالة وزيادة للتحديات، والتي خلص التقرير إلى ثلاثٍ منها رئيسية، هي فقدان المؤسسات للقدرات والموارد والمعارف التنظيمية، وتآكل قدرة المؤسسات على العمل بكفاءة، وانقطاعها عن الجهود الدولية، وتوجيه الأولويات نحو الاستجابة للآثار المترتبة على الحرب، مما يعوق قدرتها على التعاون مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، إضافةً للأضرار البيئية والبنية التحتية، سواء أكانت مباشرة نتيجة للحرب أو نتيجة لآليات التعايش الضارة، التي تقوّض سبل العيش والنظام البيئي الذي تعتمد عليه المجتمعات الصحية، وأخيراً التأثير الضار على الأمن البشري، الذي يظهر بوضوح في الأضرار التي تلحق بنظم كسب العيش والبنية التحتية والنظم البيئية.
وتبيّن زقوت أن معاناة السوريين مركبة، حيث أثقلت الحرب كاهلهم وأثرت على جميع جوانب حياتهم، بدءاً من الرعاية الصحية، حيث إن 50% من المرافق الصحية لا تعمل بشكلٍ كافٍ، وصولاً إلى ضعف البنية التحتية والخدمات الأساسية، ما أدى لانخفاض إنتاج الكهرباء بنسبة 80% أضف إليه 50% من مرافق المياه تعمل بشكل جزئي أو لا تعمل، وانخفاض الإنتاج الزراعي بنسبة 50%، مضيفةً: إلى جانب كلّ هذه الأزمات، أتت أزمة المناخ لتفاقم من التحديات التي شكلت تحديَّاً إضافيِّاً من الصعوبات، ما فاقم الأزمات الموجودة أساساً.
وأشارت زقوت إلى صعوبة الاستفادة من برامج التمويل، ما يحول دون الحصول على التمويل الكافي للتكيّف مع التغيّر المناخي، الأمر الذي توليه الصليب الأحمر اهتماماً كبيراً بتطبيق برامجها بشكل يأخذ في الاعتبار التغيّر المناخي، كتربية النحل على سبيل المثال التي تعتبر نشاطاً مهماً مدراً للدخل لعدد كبير من العائلات في سورية، والتي تواجه العائلات فيها تحديات بسبب تدهور البيئة والظروف الاقتصادية، ما دفع بالنحالين لطلب الدعم من الصليب الأحمر لتعزيز عملهم، حيث تمّ الاتفاق على النهج الأنسب وهو زيادة معدل التلقيح، حيث حصل النحالون الذين يملكون أقل من 15 خلية على ست إضافية مع الأدوات اللازمة لرعايتها، ما قلّل تكاليف الإنتاج والنفقات المنزلية.
كما أشارت زقوت إلى مظاهر التغيّر المناخي التي رصدتها اللجنة في تقريرها، حيث تأتي في مقدمتها الزيادة الكبيرة في درجات الحرارة التي أثرت بشكل مباشر على حرارة مياه البحر، ما أثر بدوره على المنتوج السمكي، الذي ووفقاً لما ذكره بعض الصيادين سبب اختفاء أنواع عدة من الأسماك، وبالتالي قلّل الدخل وحرم السكان من البروتين، إضافة لما سبّبته درجات الحرارة المرتفعة من زيادةٍ للتصحر وفيضاناتٍ مُفاجئة، وتأثيراتٍ عدة ساهمت في تراجع الإنتاج الزراعي، سواء في المحاصيل الرئيسية التي يعتمد عليها المزارعون كالزيتون أو للمشاريع المهمّة كتربية النحل التي تأثرت بشكلٍ كبير نتيجة الحرب والتغير المناخي، ما دفع بمربي النحل إلى اللجوء لمناطق أخرى غير مؤهلة لتربية النحل، لافتةً إلى أن من بين تدخلات اللجنة الدولية في المساعدة في تضمين برامج التكيّف والتغيّر المناخي مع برامج المساعدات، كانت برامج الري بالتنقيط للتقليل من استخدام المصادر المائية وتأمين محصول زراعي، إضافةً لبرامج الطاقة لإعادة تأهيل سبع محطات مياه كالخفسة والسن وغيرها والتي تضمن ضخ مياه الشرب والزراعة، كتلك الموجودة في الحسكة التي تعاني من تدهور كبير في الزراعة، ما أثر على إنتاج القطن والصناعات القطنية فيها، وأدى لانخفاضها نتيجة التصحر وقلة المياه، أضف إليها ما سبّبته العقوبات التي عطّلت عجلة الاقتصاد والتصدير.
ونوّهت زقوت إلى ما أشار إليه التقرير عن عدم قدرة سورية على تجنيد الأموال الكافية لبرامج التكيّف مع التغيّر المناخي نتيجة الحرب والعقوبات المفروضة عليها، خاصة وأن أولويات الحكومات عادة ما تكون في مثل تلك الظروف والأوضاع الصعبة الرعاية الطبية وإعادة عجلة الاقتصاد، ومحاولة معالجة تداعيات الاقتصاد، مع وجود 90% من السوريين تحت خط الفقر الدولي منهم 30% تحت خط الفقر المدقع، مشيرةً إلى ما دعا إليه التقرير بضرورة تكثيف الجهود، خاصة وأن المنظمات الإنسانية حالياً هي الوحيدة القادرة على تجنيد الأموال لبرامج التكيف.
كما أشارت في ختام حديثها إلى العمل المشترك بين الحكومات والجهات الإنسانية والبيئية والإنمائية لتحقيق استدامة طويلة الأجل وتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود أمام التحديات المتزايدة.