التشريعات الضريبية المطاطة وتواطؤ الجهات المعنية رَفَعا من قيمةخسائر الخزينة العامة…. التهرُّب الضريبي استثمار على استثمار حيث أدوات الضبط الرخوة!!

 

 

 

 

 

 

خاص – الخبير السوري:

استحوذت ظاهرة التهرب الضريبي على الحيز الأكبر من اهتمام الإعلام والاقتصاديين والشارع على مدى عقد من الزمن بعد أن انعكست بأثر سلبي على الاقتصاد الوطني وعلى المواطن بشكل مباشر، وأدت إلى تراجع الإيرادات الحكومية بشكل لافت لتقدر نسبتها بنحو 40% من إجمالي الناتج المحلي، ونتيجة تزايد قيمة التهرب النقدية ومع مرور السنين حصل بطء شديد في مسار التنمية الاقتصادية.

وعلى الرغم من الحديث عن القانون 24 لعام 2003 باعتباره جزءاً من الإصلاح الضريبي، فوجئ المكلف ومراقب الدخل ودارس الضريبة ومدرس الضريبة بأن هذا القانون لم يكن مدروساً وأن القانون 41 لعام 2005 نقل بعض الشركات المساهمة من ضريبة الأرباح الحقيقية إلى ضريبة الدخل المقطوع، أي أصبحت هذه الشركات تحقق أرباحاً كبيرة وتعامل مثل أي محل صغير ضريبياً.

ابتكار فاشل

وبعد عام 2005 ابتدعت الوزارة قسماً سمته قسم كبار المكلفين ليزيد الطين بلّةً حيث رفع من حجم التهرب الضريبي عندما دفع رجل الأعمال إلى أساليب اللف والدوران حتى لا تتجاوز أرباحه خمسة ملايين ليرة سنوياً فيدفع معدلات ضريبية أكبر، ويشير هنا النائب السابق لرئيس الاتحاد العام لنقابات العمال إلى أن جميع هذه السلوكيات تمت بالتعاون والتنسيق مع بعض موظفي المالية، معتقداً أن قيمة التهرب الضريبي في العام الفائت بلغت في كل عام من أعوام ما قبل الأزمة 200 مليار ليرة سورية تقريباً إضافة إلى 150 مليار ليرة ضرائب تذهب على الدولة من القطاع الاقتصادي غير المنظم، علماً أن إنتاجية هذا القطاع من الناتج المحلي قدرت بحدود 40%، لافتاً إلى أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج تجاوزت 65% وإيرادات الضرائب منه لم تتجاوز 20%، بينما بلغت إيرادات القطاع العام 65% رغم تدني مساهمته في الناتج المحلي إلى25%.

 

توسيع دائرة التهرب

وعادت وزارة المالية مرة أخرى ووقعت في خطأ أكبر عندما فرضت ضريبة دخل على الرواتب والأجور بنسبة 22% على حين تصل نسبة الضريبة على دخل بعض الشركات المساهمة إلى 14%، وبالتالي ساهمت دون أن تدري بخفض الإيرادات الضعيفة أصلاً جراء توسع دائرة التهرب الضريبي، ما دفع الدكتور إبراهيم العدي أستاذ المحاسبة في جامعة دمشق إلى وصف سير ما يسمى الإصلاح الضريبي بالسير المعاكس للاتجاه، معتقداً أن الاتجاه الصحيح هو التوحيد الضريبي وليس التفتيت الضريبي أي التوجه نحو ضريبة الإيراد العام، الذي يرى فيه الكنج توجهاً يمليه الواجب لأننا لسنا بلداً نفطياً حيث تعتمد ميزانيات جميع الدول غير النفطية على الضرائب بمعدل 80% لذا يفترض أن يكون لدينا الرغبة الكاملة للحدِّ من التهرب الضريبي- كما يقول نائب رئيس اتحاد العمال- مضيفاً: إن المكافحة يجب أن ترتقي إلى مستوى المسؤولية الوطنية لكون التهرب سلاحاً هداماً في ميزانية ونفقات الدولة وفي عدم توزيع الدخل بشكل عادل، وتدني النفقات الاستثمارية.

لعبة الحدود

وما دمنا نتحدث عن معدلات وكتلة التهرب الضريبي فلا مناص من تأكيد أهمية المضي قدماً في تنظيم القطاع غير المنظم الذي يستفيد من جميع خدمات الدولة ولا يقدم للدولة أي إيراد، ويشير هنا مصدر مسؤول في الهيئة العامة للضرائب إلى أن عدم تطبيق الفوترة هو مؤشر على عدم القدرة على مكافحة التهرب الضريبي وهو مسؤولية وزارتي الاقتصاد والمالية معاً، وأشار المصدر (الذي فضل عدم ذكر اسمه) إلى خلل حاصل في آلية عمل وزارة المالية يتعلق بضريبة الدخل تحديداً، وقال: إن هناك حدّاً أدنى معفى من الضريبة في رواتب العاملين بالدولة، في الوقت ذاته يجب أن يكون هناك حدّ أقصى معفى من الضرائب أيضاً، وفي الموضوع نفسه يعتقد الكنج أن القانون 60 لعام 2004 جاء ليكرس عدم قدرة وزارة المالية على فرض ضريبة أرباح حقيقية على المتعهدين والموردين العاملين مع الجهات الحكومية حيث أصبحت تدفع ضريبة كاملة على كل مشترياتها وحاجاتها في وقت يعفى القطاع الخاص منها.

إن حقيقة الأمر قد لا ينظر إليها من جهة تهرب ضريبي فقط دون الأخذ بالتشريعات المبهمة وغير الدقيقة التي شجعت الكثير من رجال الأعمال للنفاذ من خلالها، مرةً من خلال التستر على أرباحه ومرات كثيرة بالتواطؤ مع المعنيين، ما دفع المختصين والباحثين إلى طريقة الميزان للتحقق من معدلات التهرب، واتفق الكنج مع الآراء السابقة بأن الضرائب المباشرة عادلة وغير المباشرة ليست عادلة لأنها حسب الاقتصاديين يجب أن تساهم بنحو 60% من الإيرادات الضريبية وبالتالي هي بعيدة كل البعد عن مفهوم العدالة، متسائلاً: لماذا لا يكون هناك نظام ضريبي كامل وشامل لجميع الأنشطة والفعاليات الاقتصادية؟.

قصور وضعف

مما لا شك فيه أن النظام الضريبي في سورية عانى من بعض نواحي القصور والضعف وخاصة في جانب تحديده لكل نوع من الدخل نوعاً من الضرائب، وبالتالي فإن نظام الضرائب النوعية لا يتناول جميع عناصر الدخل ما ينعكس على نقص حصيلة الضريبة الفعلية، وقد يكون من الأجدى لو تم اللجوء إلى المعدلات الضريبية التصاعدية لتحقيق نوع من العدالة الظاهرية في توزيع الأعباء الضريبية.

ويضيف نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال إلى ما ذكرناه آنفاً، ضرورة ضبط التهرب الجمركي الذي يرى أن كتلته لا يستهان بها أيضاً، وبالمحصلة يعتقد أن الحدّ ما أمكن من التهرُّبين ( الضريبي والجمركي) كفيل برفد خزينة الدولة بمئات المليارات من الليرات التي تكفي الخطط الطموحة لإحداث تنمية حقيقية وتحقيق معدلات نمو تزيد على 7% سنوياً.

وبالعودة إلى التهرب الضريبي نعتقد جازمين أن القائمين على التشريع وسن القوانين خلال عقود من الزمن ساهموا إلى حدٍّ كبير في جعل النظام التشريعي مطاطاً ملائماً لكل الحقب الاقتصادية التي مررنا بها دون الأخذ بالاعتبار التحولات الاقتصادية وتغير نسب مساهمة القطاعات المختلفة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، ففي عام 1949 وصلت نسبة الاقتطاع الضريبي الظاهري إلى 93% من الأرباح الصافية، وعادت هذه المعدلات وتراجعت تدريجياً من تكاليف عام 1993 حتى يومنا هذا، حيث تتراوح بين 28% و14%.

وهذا يعني أن نظام الضرائب النوعية قاد النظام الضريبي السوري إلى البعد عن العدالة، وفرض رسم الإنفاق الاستهلاكي على الجميع بالتساوي هو ظلم لمحدودي الدخل، وبالتالي لابد من البحث عن الثغرات في القانون الضريبي التي تُشَرْعِن التهرب من دفع الضريبة المستحقة دون قصد، ومعالجتها تتمثل في تعديل بعض بنود القانون، ولمعالجة التهرب أيضاً يجب تكثيف عمليات الرقابة على المكلفين وتشديد العقوبات على المواطنين الذين يتجنبون الإفصاح عن أرباحهم.

 

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]