زيادة الرواتب تكلف أكثر من ستة أضعاف عائدات زيادة سعر ربطة الخبز… 396 مليار ليرة الزيادة السنوية في “إيرادات الخبز” مقابل 2500 مليار ليرة لزيادة الرواتب والأجور

الخبير السوري:

مع صدور مرسومي زيادة الرواتب والأجور مساء أمس، وقرار وزارة التجارة الداخلية بتسعير ربطة الخبز وزن 1100 غرام بـ400 ليرة، بدأت تعليقات بعض ما يطلقون على أنفسهم محللين اقتصاديين بالربط بين زيادة سعر ربطة الخبز وزيادة الرواتب والأجور، ولعلّ العبارة الأكثر انتشاراً من قبلهم على وسائل التواصل الاجتماعي هي: “زادوا سعر الخبز بنسبة 100% مقابل زيادة الرواتب 50%”!.

    السعر الجديد للربطة يغطي 5% من تكلفتها

حسب الأرقام المصرّح بها عن كميات الخبز المنتجة في الأفران العامة والخاصة فهي 5.5 ملايين ربطة يومياً، وبحساب الزيادة وفق السعر الجديد تكون “إيرادات” المخابز قد تضاعفت إلى 1.1 مليار ليرة يومياً، بإجمالي شهري 33 مليار شهرياً، و396 مليار ليرة سنوياً..

في حين أوضح وزير المالية الدكتور كنان ياغي في تصريح إعلامي أمس أن تكلفة الزيادة الحالية تبلغ 2.5 تريليون ليرة سيتم صرفها على مدار العام باعتبار أن صرفها سيكون ضمن الرواتب الشهرية وتطبيق المرسوم مع أول قبض للرواتب، مبيناً أنّ الهدف من زيادة الرواتب هو الحفاظ على القوة الشرائية للعاملين في الدولة، والهم الدائم للحكومة هو تحسين المستوى المعيشي للمواطن وهي تسعى دائماً حسب توافر الموارد لتحسين الدخول والأجور.

وبالنسبة والتناسب فإنّ زيادة إيرادات الدولة من جراء رفع سعر ربطة الخبز، لا يغطي أكثر من 15.8% من مقدار الزيادة في كتلة الرواتب والأجور، لذلك لا يمكن الربط أبداً بين ما “حصّلته” صناعة الخبز وما سيتم دفعه بزيادة الرواتب.

5% من التكلفة

يضاف إلى ماسبق، أن الكثير من المواطنين يعلمون أن السعر السابق (200 ليرة) بالكاد يغطي ثمن “كيس” النايلون الذي توضع ضمنه الربطة، وكان مصدر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد أكد أمس، أنّ السعر الجديد ليس رفعاً لسعر الربطة بقدر ما هو مساهمة من المواطن في تحمل جزء بسيط من عبء التكلفة لضمان استدامة تدفق وتوفر هذه المادة الأساسية..

  • تقدر المؤسسة العامة للحبوب الاحتياجات السنوية من القمح للاستهلاك بنحو 2.4 مليون طن نستورد منها 1.4 مليون طن

فقد ارتفعت تكلفة تأمين الرغيف يومياً إلى معدلات غير مسبوقة، وصلت إلى ما يزيد على ٧٠٠٠ ليرة سورية للربطة، بفعل جملة من الظروف منها ما هو عالمي، يتعلق بارتفاعات أسعار القمح ومستلزمات صناعة الخبز عالمياً، وتعقيدات طرق التجارة البحرية والبرية، ومنها ماهو محلّي مرتبط بنتائج سنوات الحرب والحصار، وخروج مساحات واسعة من الأراضي المخصصة لزراعة القمح، وكذلك آبار إنتاج النفط ووقوعها تحت الاحتلال الأميركي، إضافة إلى ارتفاع فاتورة إصلاح وترميم المنشآت والمخابز والبنية التحتية الخاصة بإنتاج الخبز التي خرَّبها الإرهاب في مختلف المحافظات.

مبيّناً أن التحريك البسيط لسعر مبيع الخبز ليصل إلى ٤٠٠ ليرة سورية، أي بما يعادل حوالى ٥ بالمئة من التكلفة، يأتي من منطلق الحرص الحقيقي على منع حصول نقص واختناقات في تأمين حصول المواطن على المادة، مع الإشارة إلى بقاء تحمل الدولة ممثلة بالحكومة للعبء الأكبر من التكلفة، إضافة إلى استحقاقات إعادة إصلاح وتأهيل المخابز ومتممات إنتاج الرغيف وتأمينه للمواطن.

  • يبلغ الاحتياج الحقيقي للقطر من مادة الخبز يومياً ما يقارب 5.5 ملايين ربطة

الخبز بالأرقام

تقدر المؤسسة العامة للحبوب الاحتياجات السنوية من القمح للاستهلاك بنحو 2.4 مليون طن.

وتعمل الحكومة جاهدة على سد النقص الحاصل في توريدات القمح المحلية والتي قدرت نهاية الموسم الماضي بأقل من 750 ألف طن، عبر استيراد ما يقارب 1.4 مليون طن، لضمان تأمين رغيف الخبز، وتمَّ التعاقد بالتراضي لتوريد مليون و400 ألف طن من القمح الخبزي الطري وفق المواصفات المعتمدة من المؤسسة السورية للحبوب، من شركات روسية، بهدف تعزيز المخزون الإستراتيجي من مادة القمح لفترات مناسبة والحفاظ على الأمن الغذائي.

ويبلغ الاحتياج الحقيقي للقطر من مادة الخبز يومياً ما يقارب 5.5 ملايين ربطة، وتعدّ محافظات دمشق وريفها وحلب الأكثر احتياجاً.

كما يبلغ عدد المخابز المرتبطة بالمؤسسة 209 مخابز، بواقع 271 خطاً، علماً أن نسبة إنتاج المخابز التابعة للمؤسسة تشكل 51 % من كتلة الإنتاج الإجمالية، حيث تنتج مخابز المؤسسة حوالى 2.8 مليون ربطة، وبقية حاجة القطر تؤمنها المخابز الخاصة، ويصل عددها إلى 1500 مخبز، وتنتج ما يقارب 2.7 مليون ربطة يومياً.

13.8 تريليون

وحسب تقديرات مؤسسة الحبوب فإنّ تكلفة طن القمح المستورد إلى أرض الميناء تبلغ 448.07 دولاراً، تعادل 5.62 ملايين ليرة، وفق سعر صرف 12562 ليرة للدولار، وبإضافة أجور النقل وتكاليف الطحن والتعبئة والتغليف تصل تكلفة طن الدقيق إلى 7.36 ملايين ليرة، ويتم بيع الطن للمخابز بسعر 70 ألف ليرة، أي ما يعادل 1% من التكلفة ليكون مقدار الدعم 7.285 ملايين ليرة لكل طن من الدقيق.

وبما أنّ الحاجة اليومية للقطر تبلغ 5200 طن دقيق يومياً يكون مقدار الدعم اليومي هو 37.9 مليار ل.س وتعادل 13.8 ترليون ل.س سنوياً.

صعوبات

من الصعوبات الداخلية والتي تؤثر في ارتفاع تكلفة إنتاج رغيف الخبز، هو ارتفاع تكاليف بعض مدخلات الإنتاج، ولاسيما قطع التبديل وأجور الصيانة، وكذلك عدم توفر الطاقة، التي تعدّ من أهم الصعوبات التي تعترض سير العمل، وهذا ما فرض على المخابز تشغيل مجموعات توليد كهربائية، علماً أنه يفترض اللجوء إليها بشكل احتياطي.

أما على مستوى تأمين القمح الذي نحتاجه فهناك أسباب مرتبطة بالحرب على سورية منذ اليوم الأول، فلم يعد خافياً على أحد الصعوبات والعراقيل التي أوجدها أعداء الشعب السوري في طريق أي شيء ممكن أن يحقق له فائدة، بداية من الاحتلالين الأمريكي والتركي لمناطق في شمال شرق سورية، مروراً بسرقة خيرات تلك المناطق، وصولاً إلى حرب البذار من خلال توزيع بذار على شكل هبات، ولاسيما في مجال زراعة القمح، بهدف زرع الآفات لحرمان الدولة السورية من أي مصدر زراعي حالياً ومستقبلاً.

ولم تقتصر أفعال أمريكا وذيولها على هذا الجانب، بل حتى في مجال التجارة الخارجية، ومنذ بداية الحرب على سورية فقد فرضت عقوبات لا شرعية على النظام المصرفي السوري، وعلى قطاعات الشحن والتأمين وإعادة التأمين، بشكل حدَّ من القدرات على تصدير ما يفيض عن الحاجات المحلية، واستيراد ما يحتاجه من مواد غذائية ودوائية وطاقة وغيرها.

عقبات استيراد القمح

عقبات كثيرة موجودة في طريق تأمين القمح، بسبب العقوبات الموجهة إلى سورية وروسيا والارتفاع المستمر في أسعار النقل البحري الدولي، والصعوبات المتعلقة بسبب الوضع العالمي والأعمال العسكرية، بما فيها مخاطر البحر الأسود والقيمة العالية للتكاليف الإضافية المتعلقة بنظام الدفع وصعوبة التحويل المالي لمستحقات عقود القمح في سورية، والتكاليف الباهظة لهذه الحوالات.

كذلك العوامل الجوية السيئة والظروف المناخية والعواصف في فصل الشتاء التي يتعرض لها البحر الأسود تشكل عائقاً لتحميل البواخر في موانئ البحر الأسود، ما يتسبب في تأخير توريدات الأقماح إلى سورية.

إستراتيجية لتحسين الجودة

ولم تتوقف الدولة عن وضع خطط لتحسين جودة رغيف الخبز، والتوسع أفقياً للتقليل من شكاوى الازدحامات وانخفاض الجودة في بعض الأفران، إذ ” بدأت عمليات تحسين جودة الرغيف من خلال رسم إستراتيجية خاصة، يتم من خلالها إجراء عمليات الاستبدال والتجديد لخطوط الإنتاج القديمة، ووضع خطوط جديدة في الخدمة تتماشى مع أهمية توفير الرغيف بجودة عالية، حيث تم إنفاق أكثر من سبعة مليارات ليرة خلال العام الماضي للجانب الفني لمعظم المخابز، مع التأكيد أنّ المؤسسة وضعت في خطتها للعام الحالي إنفاق أكثر من 19 مليار ليرة لعمليات الاستبدال والتجديد والتأهيل لخطوط الإنتاج، من دون أن نتجاهل أعمال الصيانة التي تتم بصورة دورية خلال دورة الإنتاج اليومية، وذلك ضماناً لاستمرار جودة الرغيف.

  • تكلفة طن القمح المستورد إلى أرض الميناء تبلغ 448.07 دولاراً، تعادل 5.62 ملايين ليرة

وما يعكس إيجابية هذا الجانب هو إنتاجية المؤسسة التي تجاوزت فيها المخطط خلال العام الماضي والبالغة كميته 745 ألف طن من الخبز، والمنتج فعلياً 945 ألف طن، وبزيادة قدرت كميتها بحدود 255 ألف طن ونسبة تنفيذ 127% .

هذه الإنتاجية فرضت واقعاً جديداً وضعت من خلاله المؤسسة خطة إنتاجية قدرت كميتها بحدود 755 ألف طن، وبزيادة على خطة العام الماضي بحوالي عشرة آلاف طن، لكن هذا الرقم تأشيري يمكن أن يخضع للزيادة حسب الحاجة الفعلية لمادة الرغيف على مستوى الاستهلاك المحلي، والذي يفوق الزيادة المذكورة على مستوى العام الماضي من كميات الإنتاج .

وبالتالي هذا الإنجاز يتماشى تماماً مع الإجراءات والشروط المطلوبة لتحسين جودة الرغيف والتي تشكل غاية المؤسسة في كلِّ نشاطها، علماً أن هناك عوامل أخرى تؤثر في هذه الجودة وتعمل المؤسسة على تلافيها قدر الإمكان، أهمها المساحة المكانية للمخبز, والعمر الزمني لخطوط الإنتاج، واختلاف نوعية الدقيق المنتج في المطاحن، ناهيك بخبرة اليد العاملة التي تلعب دوراً أساسياً في جودة الرغيف…تشرين

باسم المحمّد

[ جديد الخبير ]