أخطر ما يمكن أن يحصل لقطاع الزراعة السورية..قد حصل

الخبير السوري:

تبدو الهوة عميقة بين الحلول والواقع الزراعي في أعقاب ظاهرة جديدة بدأت تنتشر في القطاع الزراعي وتجعل من المزارعين مالكي الحيازات عرضة لاستغلال أصحاب رؤوس الأموال الذين يقومون باستثمار أراضي المزارعين بشروط غير منصفة للمزارعين المجبرين على الاتفاق مع أصحاب رؤوس الأموال أو التجار لعدم قدرتهم المالية على توفير مستلزمات الإنتاج.

وكان العجز المادي أبرز الأسباب التي أدت إلى الانزلاق نحو هذا الوضع عبر استغلال حاجة المزارعين المادية وعدم قدرتهم على تحمل أعباء وتكاليف زراعة أراضيهم، ما يؤدي إلى تعميق جروح هذه الطبقة وإضعاف آمالهم بتطوير زراعتهم ورفع مستوى معيشتهم.

  • درويش: حالياً هناك أشخاص يدعمون المزارع مالياً ليزرع أرضه لكن الإنتاج حصراً لصاحب رأس المال

ويبدو أن أهم الخروقات لمنع توسع هذه الظاهرة التي تختلف تماماً عن فكرة الزراعات التعاقدية أو زراعة المحاصيل الإستراتيجية، تكمن في إيجاد بيئة تشريعية تحمي المزارعين وتوفر للطرف الآخر ربحاً منطقياً أيضاً، وتسهيل عملية الإقراض الزراعي بفوائد مقبولة بما يسمى الاقتراض بضمانة الموسم المزروع، وتحسين البيئة التمكينية للاستثمار الزراعي.

مصير مجهول

الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش تحدث  عن ظاهرة شراء الأراضي من المزارعين من أشخاص أو شركات من دون أن يُعرف مصير هذه الأراضي لاحقاً، ليكون قسم منها مهجوراً ويحتاج إلى الاستصلاح لاحقاً، وقسم آخر ترك مع أصحابه الأساسيين يعملون فيه. وحالياً هناك أشخاص يمكن القول إنهم (يدعمون المزارع) مالياً ليزرع أرضه, لكن الإنتاج حصراً لصاحب رأس المال، وهذه ظاهرة تنتشر كثيراً، لأن الكثير من المزارعين ليست لديهم القدرة على شراء مستلزمات الإنتاج من بذور وأسمدة وتأمين أجور تجهيز الأراضي.

احتكار موصوف

وعن الطريقة التي تسير بها هذه الظاهرة يشرح درويش بأنه يأتي أصحاب رؤوس الأموال ويدعمون المزارعين على أمل استلام كامل الإنتاج وتسويقه، وهنا يستوفي صاحب رأس المال أمواله، ويأخذ المزارع ما تبقى من ريعية إنتاجه، وتعد هذه الظاهرة احتكاراً وخسارة بحق المزارع لأن الإنتاج يتم تسويقه عن طريق صاحب رأس المال، وبالتالي لا يتحقق مبدأ السوق، ما يعني أن السعر التسويقي لا يتحدد وفقا لمبدأ العرض والطلب، أي إن عامل المنافسة ينتفي هنا، وبالتالي سيحقق صاحب رأس المال ربحاً إضافياً على حساب المزارع، لاسيما فيما لو كان المبلغ الذي أعطي من صاحب رأس المال للمزارع بفائدة، فصاحب رأس المال يعد حصوله على كامل الإنتاج من المزارع هو ضمانة له لاسترجاع المال الذي تم منحه للمزارع، وفي الوقت ذاته هو تجارة يمكن أن يحقق عبرها ربحاً مؤكداً.

تناقض مع مبدأ الزراعة التعاقدية

هذه الظاهرة تختلف نوعاً ما عن مبدأ الزراعة التعاقدية التي تتمثل في تعاقد جهة أو مؤسسة ما مع مزارع أو مجموعة مزارعين لغرض زراعة محصول ما واستلام هذه الجهة المحصول وفقاً لأسعار السوق، أي إن الجهة المتعاقدة قد لا تدعم المزارع بأي مستلزمات للزراعة.

  • نعامة: أصحاب الحيازات الصغيرة يعانون من عدم توفر رأس المال الكافي واللازم للاستثمار الزراعي

كما تختلف هذه الظاهرة عن واقع زراعة بعض المحاصيل الاستراتيجية في البلد والتي لا تزال مدعومة في الحدود الدنيا ومنها زراعة القمح والتبغ، ففي زراعة التبغ تمنح المؤسسة العامة للتبغ تراخيص لزراعة هذا المحصول للمزارعين، وتساعد في دعمهم بالحدود الدنيا من مستلزمات الإنتاج والخبرة الإرشادية وغيرها، أما الإنتاج فهو يسوق إلى المؤسسة بسعر تحدده المؤسسة مسبقاً لكل صنف ودرجة وليس بسعر السوق الموازي، أما بالنسبة للقمح فلا يحتاج المزارع إلى ترخيص إلا أنه يجب عليه أن يسدد ثمن البذار وحتى الأسمدة والمحروقات وغيرها من المستلزمات وبالسعر المدعوم، كما عليه أن يسوق محصوله من القمح للمؤسسة العامة للحبوب وبأسعار أيضاً يتم تحديدها مسبقاً.

تعميق للجروح

يمكن القول إن هذه الظاهرة عبر استغلالها حاجة المزارعين المادية في عدم قدرتهم على تحمل أعباء وتكاليف زراعة أراضيهم، تساهم في تعميق جروح هذه الطبقة من المزارعين وإضعاف آمالهم بتطوير زراعتهم ورفع مستوى معيشتهم وبما يخدم الاقتصاد الوطني ويساهم في تحقيق تنمية اجتماعية مستدامة.

بيئة تشريعية

لابد أن تكون هناك بيئة تشريعية تحفظ حقوق هؤلاء المزارعين بشكل لا يتعرضون فيه للغبن، ويمكن أن يكون هنا دور ما للجهات المعنية عبر تسهيل عملية الاقتراض الزراعي بفوائد مقبولة، بما يسمى الاقتراض بضمانة الموسم المزروع، هذا قد يخفف أو يلغي جشع أصحاب رؤوس الأموال عبر القيام باستغلال المزارعين واحتكار إنتاجهم، ولا ضير في أن تكون هناك اتحادات أقرب للتعاونيات بين المنتجين الزراعيين، وأن تسمى هذه الاتحادات بأسماء المنتج الزراعي، كاتحاد منتجي المحاصيل الصناعية كالتبغ والشوندر والقطن، واتحاد منتجي محاصيل الحبوب كالقمح والذرة الصفراء، واتحاد منتجي المحاصيل العلفية كالشعير وفول الصويا وغيرهما، وتعنى هذه الاتحادات بشؤون المزارعين وفق ضوابط وتشريعات تنظم وترعى أعمالهم بما يخدم العملية الزراعية ويطور الاقتصاد الزراعي الوطني.

شروط غير منصفة

من جهته الباحث الزراعي الدكتور مجد نعامة أكد :  أن الكثير من المزارعين، وخاصة أصحاب الحيازات الصغيرة، يعانون من عدم توفر رأس المال الكافي واللازم للاستثمار الزراعي، ما يجعلهم عرضة لاستغلال أصحاب رؤوس الأموال الذين يقومون باستثمار أراضي المزارعين بشروط غير منصفة للمزارعين أصحاب الأرض والعمل، وتكون النتيجة عزوف الكثير من المزارعين عن زراعة أراضيهم بحثاً عن مصادر دخل أخرى.

تحسين البيئة التمكينية للاستثمار الزراعي

لذلك لابد من اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين البيئة التمكينية للاستثمار في القطاع الزراعي، إذ إنها شرط لا غنى عنه لتشجيع الاستثمار الزراعي من خلال تسهيل عمليات الاقتراض ورفع سقف القروض الموجهة للاستثمار الزراعي، ومع ذلك فإن هذا لا يكفي في حد ذاته لضمان مستويات كافية من تراكم رأس المال، حيث تحتاج السياسات والبرامج أن توجه نحو إزالة القيود أمام تراكم الأصول الإنتاجية لدى أصحاب الحيازات الصغيرة.

الاستثمار في البحث والتطوير

تشير الدلائل القوية بشأن العائدات الاجتماعية المرتفعة التي يدرها الاستثمار العام في البحث الزراعي والتكنولوجيا، بصورة واضحة وبعيدة عن الغموض، إلى أن هناك نقصاً واضحاً بالاستثمار في هذا المجال، كما يبين نعامة، فتأثير الإنفاق العام في البحث والتطوير بمجال الإنتاج الزراعي والإنتاجية، يكون أكبر من تأثير الإنفاق في أنشطة أخرى متصلة مباشرة بهذا القطاع، وكذلك الاستثمارات الرئيسية لمصلحة الزراعة، مثل البنية التحتية الريفية، والتعليم، وتوصيل الكهرباء، والصحة، والاتصالات. كما اتضح بصورة واضحة جداً أن الإنفاق على البحث والتطوير الزراعيين اللذين يزيدان من الإنتاجية له تأثير قوي جداً من حيث التقليل من الفقر.

    وسوف: ننفي ما يمكن تسميته بعودة طقوس الإقطاع

لا عودة إلى طقوس الإقطاع

نفى مدير عام هيئة تطوير الغاب المهندس أوفى وسوف ما يمكن تسميته بعودة طقوس الإقطاع، مؤكداً أنه لا يوجد ضمن عمل الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب هذا الأمر بشكل قطعي، مشيراً إلى أن تكاليف الإنتاج في الوقت الراهن عالية جداً والسيولة عند أغلب المزارعين ضعيفة، ما يضطرهم إلى الاستدانة من بعض أصحاب رؤوس الأموال.

قروض ميسرة

ولتجنب هذه الظاهرة اقترح وسوف  أن يتم تأمين مستلزمات الإنتاج عن طريق إعطاء قروض ميسرة للإخوة الفلاحين وذلك لتغطية التكاليف العالية لمستلزمات الإنتاج.

وقد أشرنا سابقاً إلى أن عملية أخذ الحيازات من المزارعين هي ظاهرة غير موجودة في مجال الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، غير أنه لابد أن نذكر أن الأراضي الخاضعة للاستثمار (لكون أصحابها غير موجودين حالياً) لا يتم استثمارها بالشكل الفني الصحيح من المتعاقدين المستثمرين، لذلك نجد أن انتاجيتها أقل مقارنة بالأراضي العائدة لأصحاب الحيازات الصغيرة.

كما اقترح وسوف ألا تتجاوز المساحة الممنوحة للمستثمرين أكثر من ٥٠ دونماً للمستثمر الواحد، وذلك ليتسنى لبعض الفلاحين إمكانية الدخول في عملية الاستثمار والعناية بالشكل الأمثل.

أما فيما يخص التعاون مع أصحاب الحيازات فإننا نشير إلى أنه يتم التعاون والتنسيق بشكل كامل مع الجمعيات التعاونية التي تقوم بهذا العمل.

تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]