مشاريع استثمار طارئة.. عودة تدريجية للحمير إلى القرى الجبلية..تكلفة ساعة الحراثة ٣٠ ألف ليرة

خاص – الخبير السوري:

أفصح أحد الموظفين الحكوميين عن مشروعه “الإستراتيجي” وهو يتحضّر لمرحلة مابعد الوظيفة..أي التقاعد..وكان مشروعه لافتاً وفريداً.
أحمد الموظف بدمشق ويحظى بلقب أستاذ في مؤسسته وبين الجوار حيث يقطن، يتحدث بجدية وإصرار لجريدتنا “الخبير السوري”، ويفصح بشغف عن مشروعه المتمثل بشراء زوج من الحمير ليقوم بأعمال الحراثة المأجورة في قريته الجبلية، ونواة المشروع عبارة عن منزل قديم ورثه عن والديه المتوفين، وبجانبه حظيرة خاصة بالدواب.
دراسة الجدوى التي يعتدّ بها أحمد، تقوم على أن لاحمير باقية لحراثة الأرض ولنقل المحاصيل في قريته، ونظراً لصعوبة تأمين المازوت للعزاقات ” الجرارت لايمكن أن تعمل في المناطق الجبليّة الوعرة”..تبقى الحمير هي الحل.

الحاجة أم الاختراع

فكرة أحمد ليست نادرة، بل هناك من شرعوا بتطبيقها في مناطق جبلية مختلفة بين عدة محافظات، بما أن أجرة ساعة الحراثة وصلت إلى ٣٠ ألف ليرة سورية.
ففي إحدى القرى الواقعة على ارتفاع ٨٠٠ متراً في جبال منطقة الدريكيش، أعاد أبو سميع زوجاً من الحمير إلى حظيرة منزله الخاوية من الدواب منذ ثلاث وثلاثين عاماً، أي منذ التحاقه بعمله في مدينة طرطوس.
يتحدث الرجل عن عودته بعد التقاعد إلى قريته، حيث وجد من الصعوبة زراعة ولو متر واحد من الدونمات العشرة التي ورثها عن والده، حتى أنه يجد صعوبة في دفع أجرة العزاقة التي يضطر لاستئجارها من أجل الحراثة الضرورية لأشجار الزيتون، وكان الخيار بشراء حمارين و محراث معدني.
يعمل أبو سميع في أرضه كما يعمل مقابل أجر في القرية، ويؤكد أن أجندته تبقة مليئة بالمواعيد طيلة موسم زراعة المحاصيل الأساسية الشتوية والصيفية، ويلفت إلى أنه تجربته ورجل آخر حذا حذوه تكفلتا بإعادة زراعة مساحات واسعة من المدرجات الجبلية.
يتقاضى أبو سميع مبلغ ٣٠ ألف ليرة عن كل ساعة حراثة..يعمل ٦ ساعات يومياً خصوصاً في الموسم الشتوي لأن “النهار قصير” على حد تعبيره.

تكاليف

اقتناء الحمير لأعمال الحراثة يرتب تكاليف مقابل الدخل والعائد..فالحمار يحتاج إلى تبن وشعير كغذاء أساسي”الشعير ضروري لحمار الحراثة” ..لكن أبا سميع يزرع جزءاً من أرضه شعيراً ويؤمن مؤونة حماريه.
ينصح الرجل كل من لديه إمكانية بإعادة توطين تربية الحمير لأعمال الحراثة والنقل، ويقول: لاتوجد طريقة للاستمرار بالزراعة في المدرجات الجبلية بدون تربية الحمير لأعمال الحراثة ونقل المحاصيل، بسبب وعورة الجبال، ولا حل إلا بالاستعانة بالحمير.

لا إحصاءات

لاتوجد إحصائية دقيقة اليوم عن عدد الحمير في سورية، فالقطعان تبعثرت منذ ماقبل الحرب والأزمة، والتوجه نحو الميكنة “المكننة” الزراعية.
تتحدث بعض الأرقام القديمة عن إحصاء حوالي ١٠٠ ألف حمار في كافة المحافظات السورية، لكن لارقم دقيقاً يجري تداوله منسوب لأي جهة إحصائية اليوم، إلا أن الأكيد هو تراجع هائل في أعداد هذه الحيوانات الذكية “ليست غبية كما كنا نظن”، بعد أن تم طردها من الأرياف في زمن البحبوحة وفورة الجماح نحو التمدّن مهما كانت الفاتورة.

أسعار

لقد انتصرت الأزمة والضائقة للحمير، وهاهي الأخيرة تعود عنوة إلى القرى والأرياف، للحراثة والنقل وجر العربات بلا مازوت ولابنزين، وبالفعل تتسارع مشاهد ظهور هذه الحيوانات وهي تسير في الطرقات أمام أصحابها.
لكنها عودة صعبة..فسعر الحمار صار أكثر بكثير من سعر غنمة أو عنزة حلوب، أي لم يعد السعر “بتراب المصاري” أو شبه مجاني كما كان منذ ٢٠ عاماً..يتحدث بعضهم عن ٣ ملايين ليرة ثمن الحمار الفتي.

نظريات فاشلة

لم يكن منظرو الاقتصاد في سورية، يعتقدون أن الحمير ستكون ذات يوم أحد خيارات النفاذ للكثيرين في هذا البلد، من مضمار الأزمات المتتالية التي تعتري الاقتصاد وبالتالي اليوميّات المعيشيّة.
وربما غاب عن أذهان الجميع، في زحام السباق نحو مساحات الترف والتمدّن الأجوف، أن هذا النوع من الدواب يشكل ركناً أساسياً في مجمل المنظومة التنموية في أرياف المناطق الجبلية، وهذا خطأ جسيم يدفع ثمنه الريفيون اليوم.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]