الورقةُ السوريّةُ.. والاختبارُ الأصعبُ

كتب ناظم عيد:

لعلّها سابقةٌ أن يتقهقر سعرُ صرف الليرة التركيّة على نحوٍ يشبه الانهيارَ، بمجرد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسيّة هناك، لتبدو فسحةُ الاحتفاء بالفوز ضيقةً جداً أمام حزب «العدالة والتنمية».

الواضحُ أن ثمّةَ استحقاقاتٍ صعبةً تأبى التجاهلَ طمستها «مكنةُ» الانتخابات، بما افتعلته من صخبٍ وضجيجٍ عوّمَ الاصطفافات «العاطفيّة»، ولاسيما في الأرياف التركيّة، على فعاليّة براغماتيّة العلمانيين بمشروعهم الوطنيّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ المغلّف بـ«أمبلاج» سياسيٍّ.

فلم يكنْ مُريحاً، ولا مُطمئِناً للنخب الاقتصاديّة في تركيا، ما أسفرعنه «الكباشُ» السياسيّ على الإطلاق، لأن لهؤلاء هواجسهم، وتالياً تأثيرهم العميق عندما يقرّرون معاندةَ بوصلة السياسة، ولعلّ انهيارات الليرة كانت الرسالةَ المباشرة الدالّة على موقف حائزي مفاتيحَ الاقتصاد الحقيقيين.

في مُجمل المشهد التركيّ الجديد تتجهُ الأنظارُ نحو مزيجٍ كثيفٍ وغير متجانسٍ، لكنّه مترابطٌ، من الاستحقاقات، معظمها معلّق ومتعلّقٌ بالمضمار السوريّ، قبلة الوعود والعهود التي اختارها «أردوغان» ورقةً جاذبةً.

ولأن ما قبل الانتخابات غيرُ ما بعدها، سيكونُ أمامَ الرئيس الفائز تحدٍّ مصيريّ له ولحزبه وبلده على نحوٍ عام، لا يخرج عن السياق الذي اختاره بإلحاحٍ في حملته على مدى الأشهر السابقة.

وبعيداً عن الرهان على مصداقيّة مَنْ طغتْ التذبذباتُ على أدائه، لا يبدو أنّ ثمةَ خياراتٍ أمامه سوى الإيفاء بوعوده بصدد التسوية مع سورية، لأنها إحدى أهمّ بوابات الخلاص للطبقة السياسيّة والاقتصاديّة، في بلدٍ استنفدَ إمكانات تفعيل خياراته الأخرى قبل إيفاء الاستحقاق السوريّ ، وهو الأهمُّ ، ما يلزم وبسرعةٍ أيضاً.

ولعلّه من المفيد أن يكون «أردوغان» هو الفائزُ في الانتخابات، ليعيدَ بنفسه ترميمَ ما دمّره، ويرتّب الأوراقَ ذاتها التي بعثرها عمداً، لأن المهمّة قد تكون صعبةً، بل داميةً، إن توّلاها سواه.

سورية هي ورقةُ الخلاص السياسيِّ الوحيدةُ، مهما تزاحمتْ الأوهامُ في مخيّلة مَنْ يبحث عن خلاص دولةٍ تأرجحت بين «صفر مشكلات وصفر أصدقاء»..وتالياً لابدّ من حسمٍ جريءٍ للملف السياسيّ كشرطٍ لمقاربة الملف الاقتصاديّ البالغ الأهميّة في خروج الاقتصاد التركيِّ من مأزقه.

خصوصاً أن ثقةَ جيرانه الشماليين به معدومةٌ تماماً، كما الكثيرين سواهم، وسورية الجغرافيا، وتالياً الدولة، هي المعبرُ الإجباريُّ للنفاذ إلى «وجهات الأملِ» الأخرى التي يبحثُ عنها التركيُّ، ولا مجال للنفاذ مطلقاً إلا بأدواتٍ سياسيّةٍ.

سورية هي قشّةُ إنقاذ الاقتصاد والليرة التركيّة، وهي محطةُ العودة الإلزاميّة التي انطلق منها الساسةُ هناك في مغامرةِ الارتجال والتجريب وصولاً إلى الخيبة..اتجاهٌ إجباريٌّ يترقّب العالمُ الآنَ كفاءةَ التركيّ في التعاطي معه، لأن التحدّيات أكبرُ من مجرد توزيع الحلوى احتفاءً بالفوز.

* رئيس تحرير صحيفة تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]