الدعم إلى مستحقيه..

افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة:

قبل الحديث عن مسألة إعادة هيكلة الدعم لا بد من التذكير بأن سورية حين كانت مكتفية ذاتياً بالقمح والنفط، بل تصدر الفائض منهما، لم تكن ترفع الدعم حتى عن الأغنياء، وحين كانت من أوائل بلدان المنطقة بمسألة تحقيق الأمن الغذائي، لم تكن تمنعه عن الأثرياء والتجار من مواطنيها.

فالدعم كان للجميع، أغنياء وفقراء، أما اليوم، ونتيجة الظروف الصعبة جداً التي تمر بها سورية، فإن المسألة لا بد أن تختلف، ولكن مع التأكيد أن الدولة، رغم أوضاعها الاقتصادية المعروفة، مازالت ملتزمة بنهج الدعم وسياسته، ولكن مع تعديل الأدوات، وشكل التدخل، والفئات المستهدفة، والهدف هو تحقيق العدالة، وإنصاف الفقراء.

اليوم الدعم مصطلح شكل عنواناً رئيسياً في إعلامنا، وفي مناقشات ودراسات الحكومة، ولاسيما بعد تحضيرات الأخيرة لإصدار قرارات تعيد توزيعه، أو هيكلته، وبمعنى آخر حصره بمستحقيه.

وبغض النظر عن وجهات نظر المتشائمين من عملية إعادة هيكلته، والناقدين لها، وحتى المتفائلين بخطواتها، فإن ثمة نقطتين جوهريتين لا يمكن لأحد إغفالهما، أو تجاوزهما، أو القفز من فوق أسوارهما، مهما كانت وجهة نظره.

أولاهما أن سورية، شعباً وحكومة ومؤسسات دولة، تمر بأصعب ظروف في تاريخها الحديث، بسبب الحرب العدوانية الجائرة التي دمرت بناها التحتية، وأضعفت اقتصادها، وبسبب سرقة مصانعها ونفطها وقمحها وثرواتها من المحتلين الأميركي والتركي وأدواتهما الإرهابية، وبسبب العقوبات الاقتصادية الظالمة، وفي مقدمتها ما يسمى “قانون قيصر” الذي حرم السوريين من الدواء والغذاء والطاقة، وحاربهم بلقمة عيشهم وحبّة دوائهم ورغيف خبزهم.

وثانيتهما أن جزءاً كبيراً من موارد الدولة السورية مازالت مختطفة ومستباحة من المحتلين وأدواتهم، فالأميركي يسرق النفط على “عينك يا تاجر”، بل يبني مصفاة له بشكل غير مشروع على الأراضي التي يحتلها في الجزيرة، وكأنها أرضه، والتركي الذي سرق معامل حلب مازال هو الآخر يسرق القمح والماء ويتاجر بنفطنا، ومازالت أداتهما “قسد” تنهب آبار النفط لمصلحة مشروعها الانفصالي، و”داعش” المتطرف وأخواته مازالوا يسرقون كل مقدرات السوريين وثرواتهم ومواردهم.

إن استعراض تفاصيل هاتين الحقيقتين، اللتين يدركهما القاصي والداني، لا يعني التبرير لأي خطوة حكومية، قد يراها البعض بمنظار التشاؤم إياه، ولكن لا بد من الارتكاز عليهما لمعرفة الأسباب التي تدفع المؤسسات الحكومية للتفكير بطريقة جديدة تضع آليات مناسبة لإيصال الدعم إلى مستحقيه الفعليين، ومنع استغلاله، وبما يوقف الهدر، ويحد من ظاهرة “الفساد” التي نمت ربما بسبب آليات توزيع الدعم في لحظة، وطريقة إدارته بلحظة أخرى.

خلاصة القول، والأهم الذي علينا الإشارة إليه، أن كل ما تتم دراسته الآن من الحكومة ووزاراتها ومؤسساتها وفرقها المختصة لم يصدر بعد، وهو قابل للنقاش للوصول إلى أفضل المتاح، فالآلية المقترحة متحركة وليست جامدة، والمراجعة مستمرة لهذا الملف، ولا يحكم أمره إلا معيار الكفاءة، وقبله معيار العدالة، ولا شيء سواهما.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]