فوق المساءلة.. تحت الشبهات بقليل ؟!

ناظم عيد

يتساءل مثل صيني “إذا كنت بريئا فلمَ كل هذا الصراخ”..؟

ونتساءل نحن: لماذا “تصرخون” عند حديثكم عن دعم الزراعة؟!

نعم؛ بما أنكم تكررونها وترددونها وبنبرة لا تخلو من ضروب الشد العصبي و” الستريس” الذي ينتقل بالعدوى لكل من يتلقاه، فالصراخ غدا فعلاً مستفزا لأعصاب كل موعود، وكل من يعتبر نفسه معني بجرعات الدعم المزعوم.

أليس مثيراً للدهشة أنه مذ بدأت الوعود “بزراعة كل متر مربع” بدأت حكاية التقهقر المريع لقطاع أسرار الأمن الغذائي أو “سر الصمود” كما يحب أن يصفه هواة التجيير السياسي حتى للتيارات المناخية الموسمية التي تمر فوق بلدنا، لتكون النتيجة التي آلت إليها الحال أن لا أمن غذائي و لا صمود متأتِّ من قطاع يسبغ طعمه ولونه وسحنته على واجهات الاقتصاد السوري، “اقتصاد زراعي” وإن كره هواة الاستعراض بالياقات البيضاء والغارقون في غواية التكنولوجيا واقتصاد المعرفة، أي طموحات التقنية الغادرة في مجتمعات كمجتمعنا مازال حسبنا ألا يقضي فقراؤنا جوعاً، فقراء معظمهم من فاغري الأفواه صراخاً أو خواءً بانتظار ” النهضة الزراعية” الموعودة؟!

إن كنتم عاجزين، فلماذا الوعد صراخاً والإصرار على التكرار، على إيقاع متوالية صراخ مقابل يتردد صداه من الحقول والبيادر؟.. وفي هذا منتهى الاستهزاء بأنين المتوجّعين الذين تعطلت “وسائل إنتاجهم” وخرجت من الخدمة، وتعلمون أن بطالة وسائل الإنتاج أخطر بكثير من بطالة القوى العاملة، لقد بارت الأرض وانحسرت المساحات المزروعة، والأرقام بالتأكيد متاحة لمن يرغب؟.

نحن اليوم كإعلاميين نخجل من تهمة ” نقل الكفر”، عندما كنّا ننقل بشغف واحتفاء أخبار الخطط والرؤى الحكومية بخصوص دعم الزراعة، رغم قناعتنا بأن ناقل الكفر ليس بكافر، لكننا نكتشف اليوم أننا كنا شهود على أن سقوط الزراعة السورية ليس سقوطاً سهواً أبداً، بل سقوط على إخفاق، بما أن ما يشبه نفيراً عاماً بدأت الحكومة تعلنه منذ خمس سنوات على الأقل، لكن دونما جدوى حتى ولو في إيقاف متوالية السقوط الحر لقطاع من الوزن الثقيل.

إن كان ثمة أعذار لنلتمسها من وحي السيرة الطويلة والمملة حول الحصار والعقوبات، لن يملك أي متسامح أن يجد أعذارا لحالة “إسهال الوعود” التي تدفقت من العمق التنفيذي معقل العارفين ببواطن وخفايا الأمور، في وقت “إن السكوت من ذهب إذا كان الكلام من فضة”.

لم تعد وزارة الزراعة المتهم رقم واحد، رغم أنها كانت كذلك يوماً بترهلها وكبوتها المديدة؛ كبوة لم تنفع محاولات الوزير الخبير حالياً بتبديدها، بل باتت المسؤولية مسؤولية حكومة بما أن الملف يدار هناك.

إن لم تفلحوا في إنقاذ الزراعة، سيكون من الأفضل عدم إضاعة الوقت بأي اهتمامات أخرى، فمن سيعمل في الصناعة أو التجارة أو في تطوير التقانة وجسر الفجوة التكنولوجية في هذا البلد، يحتاج أولاً أن يأكل كي لا ينزلق عقله إلى بطنه الجائع، والزراعة هي قطاع الإطعام و إشباع البطون في هذا البلد المأزوم بالحرب والحصار، فلا تزيدوا أوجاع البلاد والعباد بالحديث عن أية إنجازات مهما بلغت من الرقي، وإن لم تُفلحوا في حلّ أزمة الفلاح والحقل، وتلبية الاستحقاق و الأولوية رقم واحد، لن يكون لكل ضجيج الأخبار طعم ولا لون.

إن عجزتم عن الدعم الحقيقي، فقط اتركوا الفلاح يعمل، شجّعوا وادعموا وعمموا المبادرات الفردية لتجاوز مشكلة نقص السماد، ففي بلدنا عقول تجترح الحلول لأي معضلة من وحي الخبرة والممارسة.

ساعدوا الفلاح في تسويق محصوله وسهّلوا مهمة النقل “كل تفاصيل النقل” فتدعموا المنتج والمستهلك معاً، و ستخففوا من وطأة الفاقة التي باتت سمة على موائد أكثر من مليون أسرة في هذا البلد.

احموا الفلاح من سطوة واستلاب التاجر في البذار والمبيدات والأدوية الزراعية وفي أسواق الهال، افعلوا أي شيء ولو على طريقة “احم نحن هنا”، فهيبة الدولة يجب أن تبقى، وهنا في مثل هذه المطارح الحكومة هي من يصنع هيبة الدولة.

هامش: البلد تستغيث من نقص وغلاء السماد، ومازلنا نفاخر بإنجاز إغلاقات بغيضة لمعامل سماد مخالفة، ألا يوجد عقوبات أخرى لزجر المخالفين بدلا من قهر الفلاح؟

هاشتاغ سوريا

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]