دراسة إسعافية لإنقاذ الإنتاج الزراعي في سورية..

الخبير السوري:

يتابع القطاع الزراعي الانكماش عاماً بعد عام من خلال الكميات والمساحات، وخاصة للمحاصيل الإستراتيجية، ويزداد المشهد قسوة مع تشديد الحصار، وتوالي العقوبات الاقتصادية على سورية. وأمام هذا كله يحضرنا سؤال مفاده: هل كنا أوفياء للقطاع الزراعي الذي تحمل أعباء إمداد المواطنين بالمواد الغذائية النباتية والحيوانية على امتداد سنوات الحرب؟ أم سنغمض الجفون على الواقع المرير، ونقول وداعاً للزراعة ونرحب بالاستيراد، ونكتفي بتقبل إجراءات التقشف والتقنين في خضم الكارثة؟

مضاعفة أعدادها

ثروتنا الزراعية تستمد قسما كبيرا من أهميتها من خلال الشق الحيواني الذي يعد مصنعاً متكاملاً من اللحوم، والألبان، والأجبان، والجلود، ويعتبر وجود مساحات من الأراضي القابلة للاستثمار من خلال الرعي تتجاوز الثمانية ملايين هكتار الداعم الأول لهذه الثروة، كما يمكن زيادة عدد رؤوس الأغنام الموجودة في سورية من 14مليون ونصف إلى 25 مليون رأس، وزيادة عدد رؤوس الماعز من مليون و 844 ألف رأس إلى أكثر من ضعفي عددها.

وفي هذا الشأن بيّن الدكتور بسام إبراهيم السيد عضو لجنة دراسة واقع سهل الغاب زراعياً وصناعياً وسكانياً، في دراسة شاملة أعدها للواقع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، أن تحقيق ذلك يتطلب إعادة النظر بطرق الرعي المتبعة في البادية، وانتهاج طرق تحفظ تجدد نباتاتها الرعوية بشكل طبيعي، مستنداً في دراسته إلى إحصائيات وزارة الزراعة، وعدد من المراجع، والخبرات الزراعية. وتابع السيد يمكن زيادة أعداد الأبقار من 788 ألف رأس إلى مليوني رأس عبر إدخال التقنيات الصناعية المتطورة في المزارع، وتصنيع الأعلاف، وزيادة عدد مداجن الفروج من 9149 إلى 20 ألف مدجنة من خلال تأمين الخدمات اللازمة لها، وتبسيط إجراءات الترخيص، وتوفير المواد العلفية محلياً من بقايا غربلة القمح، والذرة، والشعير، وفول الصويا، والحد من الاستيراد بعد أن بلغت كمية الأعلاف المستوردة خلال النصف الأول من العام الحالي 544 ألف طن من الذرة الصفراء، والشعير، وكسبة فول الصويا. وأكد في دراسته أنه كان الأولى هو دعم زراعة تلك المواد، وتأمين حوامل الطاقة لتشغيل مصانع العلف، والعمل على اتخاذ إجراءات تعزز الشق الزراعي الحيواني مثل منح القروض للمزارعين، والوحدات الإنتاجية دون فائدة، وتقديم أبقار، وأغنام للمربين بالتقسيط، والحفاظ على حيوان الجاموس المتأقلم مع منطقة الغاب، واستيراد سلالات عالية الإنتاج توزع على المربين بالتقسيط دون فائدة، وتأمين سوق تصريف لكافة المنتجات الحيوانية.

وحذر السيد في الدراسة من مشكلة تخلف قطاع الأسماك، وندرة حصة الفرد منه، حيث بلغ إنتاج الأسماك البحرية 2224 طن، وأسماك المزارع السمكية 1714 طن، وأسماك السدود والبحيرات والأنهار624 طن، مع غياب تام وكامل للقطاع العام، والمشترك. واقترح السيد لزيادة إنتاج الثروة السمكية إنشاء أسطول للصيد البحري، ومعامل لتعليب الأسماك البحرية، وإنشاء مزارع بحرية عائمة، وتنمية الثروة السمكية في البحيرات والأنهار والسدود عبر إنشاء مزارع سمكية عائمة ضمنها، وتقديم كافة المستلزمات لأصحاب مزارع القطاع الخاص لتحقيق زيادة في الإنتاج قد تصل إلى 30 ألف طن من الأسماك.

أهمية التصنيع

تقدر مساحات الأراضي الصالحة للزراعة في سورية بـ 6ملايين هكتار، يزرع منها 5،7 ملايين هكتار، ويرى السيد أن هناك إمكانية لزيادة هذه المساحات عبر الترشيد باستهلاك المياه، وإتباع طرق الري الحديث، وعلى اعتبار أننا نعاني من تفتت الملكيات الزراعية الذي يعيق استخدام التقنيات الحديثة فيجب التعاون بين كافة المنتجين، والاستثمار في قطاعات اقتصادية منظمة لكل منها تخصص بإنتاج محصول معين يعتبر مسؤولاً عنه، وإنشاء شركات كبرى لتوضيب، وتسويق المنتجات الزراعية تراعي المواصفات، والإجراءات التي تسهل عمليات التصدير، وعدم استيراد منتجات زراعية في موسم الإنتاج، ودعم المشاريع الإنتاجية المختصة بتصنيع المنتجات الزراعية، والحيوانية، وتطوير الخبرات لدى الفنيين لخدمة عملية تطوير الإنتاج، وزيادة عمليات التصنيع الزراعي لاستيعاب الفائض، وتصنيعه، وتصديره بما يحقق قيمة مضافة عالية لإنتاجنا الزراعي كمشاريع تكرير زيت الزيتون، وصناعة العصائر من الحمضيات، وتصنيع الزيوت النباتية من الذرة الصفراء، وفول الصويا، وعباد الشمس الزيتي، والقطن، والتي للأسف قد توقفت، أو تراجعت في معظمها نتيجة توقف الدعم، وعدم وضع الآليات المناسبة من إبرام العقود لزراعتها، وتأمين مستلزمات الإنتاج، وإعطاء سعر مجزي لها، وربط الخطة الزراعية بالقدرة الاستيعابية لتلك المعامل، وإنتاج أصناف زراعية مناسبة للتصنيع، وتصنيع المخصبات، والمبيدات الزراعية، والبيطرية.

وأشار السيد إلى أن صناعاتنا النسيجية حققت في العام 2000 إنتاج 63 ألف طن من الخيوط، و50 ألف طن من المنسوجات، و51 ألف قطعة من الملبوسات، وهناك إمكانية لمضاعفة الإنتاج لأن المادة الأولية يمكن إنتاجها محلياً فإنتاج سورية من الأقطان تجاوز مليون طن وفق إحصاءات العام  2001 ، وبما أن تصنيع القطن يحقق قيم مضافة تتجاوز415% زيادة على تكاليف الإنتاج، لذلك يجب عدم تصدير القطن بشكل خام، أو نصف مصنع، وتطوير الصناعات التي تعتمد على القطن، واقترح السيد في إطار استعادة كمية الإنتاج السابقة في منطقة الغاب الإسراع في تأهيل سدود أفاميا، سدي زيزون، وقسطون، وتنفيذ خزانات السوس، والخطيب، وناعور، وجورين، ونهر البارد، وإعادة استثمار مياه الصرف الصحي، والصرف الزراعي، وذكر السيد أن تشغيل معمل سكر تل سلحب يحتاج إلى220 ألف طن من الشوندر السكري، ويمكن تأمين كمية الشوندر المطلوبة من الحقول التابعة لأقسام هيئة تطوير الغاب، أما بالنسبة للشوندر فبعد أن تحقق إنتاج 1،8 مليون طن من الشوندر عام 2011 تراجع حتى انتهاء زراعته في موسم 2019-2020، ولقد شهدت السنوات التي سبقت العام الماضي تراجع في زراعة المحاصيل الإستراتيجية عموماً لعدة أسباب تطرق إليها الدكتور السيد في الدراسة أهمها الجفاف نتيجة قلة الأمطار، والسياسات السعرية للمحاصيل الإستراتيجية التي حدت بالمزارع لتهميش زراعتها في ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج، واعتماد أسعار المركزي في تسعيرها على خلاف بقية المحاصيل التي تم تحرير أسعارها منذ بداية التسعينات.

الخطر

ولفت السيد في نهاية الدراسة إلى أن عدم تبني المحاصيل الزراعية بطريقة مخططة سيضطر المزارع إلى زراعة محاصيل تحقق له ربحاً سريعاً، كزراعة نباتات تعطي بذور للتسلية، وزراعة الفول السوداني، وفي حال حدوث جائحة مرضية كما حدث هذا الموسم لحبة البركة ستكون الخسائر كبيرة، كما أن تزايد احتياجاتنا الغذائية سيقود إلى تحكم الدول الغربية وغيرها في مصيرنا، فمن لا يمتلك غذاءه لا يمتلك حرية القرار…البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]