حرب الحدود البعيدة… لعب على حافة الهاوية !

فاديا مطر – الخبير السوري:

– فيما لا يزال الصراع الأمريكي خارج شواطئه يستهلك جُل الاهتمام في الإدارة الأمريكية ، تبقى الأوراق المتريثة لما يمكن أن تؤول عليه الأوضاع الدولية قيد البحث اليومي في شكل السياسة الخارجية الأمريكية التي بدأت الدخول في مراحل متجددة من شكل الصراع الدولي ، وبما أن الهم الأمريكي منصب على وصل السياسة الأمريكية بخليفتها الجمهورية بقيت التحالفات الروسية و الصينية أصل ذلك الاهتمام و ربما في مناطق باردة سياسياً و عسكرياً منذ زمن ، فعودة القطب الشمالي إلى واجهة الصراع بدأ يأخذ بُعداً في الصراع الجيوسياسي الأمريكي الذي هو جزء من ذلك الصراع في الشرق و الشرق الأوسط الآسيوي ، في شكل متصل بالسياسات الإستراتيجية و المغايرة لإستراتيجية الاتفاقات و التعاون حتى في السباق التكنولوجي أو التطويري ، فهو صراع في سياق يتعدى التوازن الإستراتيجي  فما أبرز مصالح واشنطن في ذلك الصراع ؟

حيث لم تخفي واشنطن رغبتها في السيطرة على الممرات المائية الشمالية المتجمدة و لم تخفي أيضاً نيتها استملاك طريق بحر الشمال البديل عن الطرق التجارية التي دخلت ميدان الصراعات المحتدمة ، في شكل جديد تسير به واشنطن نحو ما حمله القطب الشمالي من ثروات هائلة قدرتها مراكز اقتصادية متخصصة بأن احتياطي النفط قد يصل إلى ٤٥ مليار طن و احتياطي الغاز قد يصل الى ٨٠ تريليون م³ و هو رقم مغرٍ لإدارة تبحث في قلب ملفات الحرب عن الربح الاقتصادي ، فاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام ١٩٨٢ بين روسيا و الشركاء الجغرافيين في القطب الشمالي لم تشبع الغل الأمريكي في السيطرة على كل ما يمكن له أن يكون هدف مزدوج في الكسب ، وهو ذات السياسة القديمة التي تسير بها تعاقبات الإدارات الأمريكية ، فهي اتفاقية سبقتها معاهدة إنتاكتيكا (ATS) الموقعة في العام ١٩٥٩ والتي عُمل بها في العام ١٩٦١ و هي تحت العين الأمريكية حتى اللحظة ، فواشنطن الداخلة إلى عقر الدار الآسيوي بدأت بالتعرّق في طريق إحتواء الصين كما تعرّقت في الصراع مع إيران و التفتيش في البرنامج النووي الكوري الشمالي و غيرها من ملفات اللعب على حافة الهاوية ليكون اللعب مع دولة دخلت النادي النووي عام ١٩٦٤ قيد التجربة التي قد تودي بحياة مكتسبات إمريكية كبيرة ، و ليست اللعبة في محيط روسيا بأقل خسارة منها ، فالدخول إلى مناطق تقاطعات موسكو و بكين و طهران يعتبر دخولاً في حقل ألغام تخشى واشنطن من عواقبه على المدى المتوسط و البعيد و الخشية من تسخينه ليست بأقل من الدخول بتحد جديد يعبر في مسمياته و عملياته الدخول بقصة مصالح إستراتيجية في قلب لعبة جيوسياسية شديدة الخطر بعد توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين الصين و إيران في مطلع نيسان الجاري و التي اعتبرتها طهران رسالة واضحة المعالم لواشنطن و حلفائها يجب أن تجيد الولايات المتحدة قراءتها قبل العودة للاتفاق النووي ، بحيث تستدعي بذات الوقت الاتفاقات الصينية – الروسية نفس التحذير من جانب آخر لما تحاول واشنطن لعبه من جديد في أوكرانيا و تدخل الأطلسي بشكل جديد حذرت موسكو فيه بأن ظهور قوات أمريكية في شرق أوكرانيا سيزيد التوترات في تلك المنطقة و بأن أي حرب في شرق أوكرانيا ستؤدي إلى تدميرها ، فهي رسالة ليست باللهجة المعتادة لطريقة روسيا الاستيعابية المعتادة في السياسة ، وهي رسالة واضحة جلياً لما آلت إليه اتفاقيات عام ٢٠١٤ ، فلماذا تنقل واشنطن شاشة الصراع إلى المحيط الروسي بدلاً من بحر الصين الجنوبي والخليج العربي ؟

– فقد أعادت إدارة بايدن سياسة سابقتها إلى شاشة الصراع المحيط الروسي  من كارباخ و أوكرانيا و القطب الشمالي في مرحلة تستتبع إعادة رسم خطوط الدعم الدولي قبل ما يمكن أن يتحضر قبل أي انسحاب من أفغانستان و العراق و وخسارة قدم الدعم في مناطق قريبة من مثلث إيران و الصين و روسيا و تحويل شكل الصراع من الممرات المائية البحرية إلى صراع على الطرق الدولية والتي تسعى واشنطن فيها إلى دعم من حلفائها الآسيويين ، حيث ترغب واشنطن منذ نهاية الحرب الباردة في موطئ قدم في شرق و جنوب روسيا و إبقاء التطورات حامية بشكل ما هناك خصوصاً بعد وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا و اتفاقية منسك الأولى والثانية و العمل على إدخال أوكرانيا في اتفاقية الدفاع المشترك الأوروبي ، وتحويل ما كرسته اتفاقية النورماندي في العام ٢٠١٩ ليصار بعدها للخروج من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة والبعيدة المدى الموقعة عام ١٩٨٧ ، وهو لم يكن شافياً لواشنطن في قيادة صراع في تلك المنطقة و وصلها بالقطب الشمالي و بحر الصين الجنوبي و حتى وصلها بالخليج العربي في شكل تستثمره واشنطن لاحقاً في تمديد الصراع في التمركز الدولي خارج الحدود ، فأي محور صراع تمشي به واشنطن حالياً ؟ وأي شكل سيتخذ هذا الصراع إذا ما تطور في أي من حلقاته نحو شرق أوكرانيا جديد أو كارباخ متجددة ؟ لتبقى مستخرجات تلك السياسة قيد ما يمكن أن يكون بداية لحرب ليست باردة كبرودة مناطقها.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]