رؤية جديدة لـ ” ألف باء التنمية” بتوقيع المهندس عرنوس..الجميع شريك والحكومة قائدة ما يشبه ” الورشة الوطنية”..

ناظم عيد – الخبير السوري

تسجّل الحكومة السوري منذ بضعة أشهر وحتى اليوم، انعطافاً لافتاً في توجيه بوصلة عنايتها وأعمالها، وبدا واضحاً من خلال مجريات راهنة وسابقة قريبة، أن ثمة تعاطٍ غير مسبوق مع ملفات باتت ساخنة وملحّة – بحكم الظروف القاسية التي تمرّ بها البلاد – وليست هذه الملفّات محصورة بملف المشتقات النفطية والقمح، بل يتعدى الأمر ذلك إلى ما يتصل بتفاصيل ويوميات المواطن السوري، في الجزء المرتبط باستنهاض ما أمكن من موارد، وخلق حالة من التشاركية التنموية الحقيقية، بين كل المؤسسات والمكونات القادرة على إرساء فعل بنّاء في المسألة التنموية، إلي تبدو معقدة اليوم إلى حد كبير.

و يعتبر مراقبون – عقلاء بعيدون عن الانفعالات وجذوة الاستعراض – أن في حنايا تعاطي حكومة المهندس عرنوس مع القضايا التنموية، تحولاً باتجاه أولويات أهملتها كافة الحكومات السابقة، في زمن الاسترخاء، على الرغم أنها كانت أولويات دولة، إلا أنها لاقت إهمالاً تنفيذياً يستحق المساءلة، وفق وجهة نظر هؤلاء المراقبون وهم من مرتبة خبراء.

وينظر محللو الاقتصاد والتنمية بعين التفاؤل حالياً، إلى المنطلق الذي بدا أساسيا في توجهات المهندس عرنوس، والمتعلّق بزج كل طاقات الفعل الاقتصادي في العمل التنموي، ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم، ويرتكز هؤلاء على تفاصيل بالغة الأهمية في حديث رئيس مجلس الوزراء أمام أعضاء مجلس الشعب مطلع الأسبوع الفائت، وحالة المكاشفة التي تنطوي على إدراك عميق لحجم مسؤوليات الجميع، على قاعدة الإدراك بأن الظرف لم يعد ظرف تقاذف مسؤوليات، بل على الجميع أن يتحمل مسؤولياته وفق نسق ممأسس – كل في موقعه وميدانه – وهي الحيثية التي لم تكن تلقى الاكتراث المطلوب كفاية لتحقيق الحد المقبول من التكامل في الأدوار.

إذ لم يكن في الخطاب التنفيذي هذه المرة أي ملامح للهروب من المهام، ولم يكن مجرد بيان بروتوكولي درجت الحكومات على الدفع به أمام ممثلي الشعب، بل كان بياناً للوقائع مشفوعاً بـ ” كشف حساب للإنجاز” وهذه هي الموضوعية البناءة التي يتوخاها كل باحث في التفاصيل.

ويأتي رأي الخبراء من جملة متابعات متتالية لما يرشح عن الرواق التنفيذي من أنباء، عن خلاصات الاجتماعات التي اعتاد المهندس عرنوس أن يختصرها بما قلّ ودلّ، بعيداً عن الاستعراض الإعلامي.

ويلفت بعضهم إلى مجريات اللقاء مع الاتحاد العام للفلاحين – أيضاً الأسبوع الفائت- وهو اللقاء الموصوف بـ ” الدسم”، لكثافة الطروحات والمعطيات التي احتضنها الاجتماع، والخطاب التصالحي للمهندس عرنوس في توجهه إلى أكبر تنظم اقتصادي يمكن أن يكون فاعلاً على المستوى التنموي، في أهم قطاع اقتصادي وهو القطاع الزراعي.

إذ كان واضحاً أن المهندس عرنوس يدرك أهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به الاتحاد- الأوسع انتشاراً أفقياً على مستوى سورية – والأقدر بإمكاناته المادية وباختصاصه المنبثق من طبيعة إشرافة على الشريحة الأوسع من قوام القوى الفاعلة اقتصادياً ” الأرياف والفلاحين”..بالتالي طلب من الاتحاد تحقيق التحول المطلوب أساساً، نحو اجتراح مطارح استثمارية  زراعية قائدة في هذا المضمار بالغ الحيوية، كما طلب مزيداً من التركيز على رعاية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وهي المشروعات التي تزخر بها الأرياف من  صناعات ومنتجات بيتية” home products ” وتشكل قوام واعد لسلسلة مشاريع تصنيع زراعي مؤثر على مستوى الكفاية المحلية، و أيضاً على مستوى بنية الصادرات، بما أن العالم لا ينتظر من بلد زراعي أن يصدر منتجات اقتصاد المعرفة والتنكولوجيا المعقدةمثلا.

بالفعل نبدو اليوم أمام جرعة تفاؤل حقيقية، بأن التشاركية بين المؤسسات المسؤولة عن الفعل التنموي، ستكون ذات نتائج هامة في المدى المتوسط، بما في ذلك المواطن الذي يملك وسيلة إنتاج، وعلى الغالب هي الأرض الزراعية.

المهم أننا بدأنا ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة كما يقال، وهي البداية التي أطلقها المهندس عرنوس، وكانت واجبة منذ سنوات وسنوات، فالرجل التقط رأس الخيط في مفهوم التنمية الإنتاجية، ويحاول تسليمه لكل من هو قادر على أداء دور مثمر، دون أن يتخلى عن الدور القيادي في هذه ” الورشة الوطنية” الذي يقع على عاتق الحكومة، التي لا تطلب يد المساعدة، بل تمد يدها لمساعدة من يرغب على طريقة ” اعمل ونحن معك”..فهذه هي خلاصة ومضمون الخطاب الذي يعتمده رئيس مجلس الوزراء، ويبدو أنه لاقى صدى إيجابياً من قبل الجميع، بمن فيهم اتحاد الفلاحين، الذي أدلى رئيسه ” رئيس الاتحاد العام للفلاحين” بتصريحات تؤكد القناعة بالإسراع في تنفيذ الأجندة التي رسمها لهم المهندس عرنوس.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]